ورغم نفي الخارجية السودانية أكثر من مرة، إلا أن تقارير وتصريحات واعترافات وربما مزاعم، تطرقت كثيرا إلى تلك العلاقات.
لكن ما هي القصة؟ ومن أين بدأت؟
بدأت القصة في 3 فبراير/شباط، عندما تم الكشف عن زيارة سرية قام بها رئيس المجلس السيادي السوداني، عبد الفتاح البرهان، إلى أوغندا.
وكشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية ومسؤولون إسرائيليون أن تلك الزيارة شهدت اجتماعا بين البرهان ورئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو.
وتعد تلك هي المرة الأولى التي يجتمع فيها مسؤول سوداني مع نظير إسرائيلي.
وبعدها بيومين فقط، وتحديدا في 5 فبراير/شباط، أعلنت السودان موافقتها على تحليق طائرات إسرائيلية عبر أجوائها.
وأصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بيانا جاء فيه: "لقد تم الاتفاق على بدء تعاون من شأنه أن يؤدي إلى تطبيع العلاقات بين البلدين"، بحسب صحيفة "هاآرتس" العبرية.
وجاء في بيان مكتب نتنياهو، أن "رئيس الوزراء نتنياهو يعتقد أن السودان يسير في اتجاه إيجابي".
رفض داخلي
ولكن يبدو أن تلك الخطوة قوبلت برفض من الحكومة السودانية، حيث قال وزير الثقافة والإعلام السوداني، والناطق الرسمي باسم الحكومة، فيصل محمد صالح، إنه لم يتم التشاور وإخطار مجلس الوزراء بشأن لقاء رئيس المجلس الإنتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في "عنتبي" بأوغندا.
وأضاف صالح، "تلقينا عبر وسائل الإعلام خبر لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتبي بأوغندا".
ولا يقيم السودان أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، غير أنه في يناير/ كانون الثاني 2016، قال وزير الخارجية السوداني الأسبق إبراهيم غندور من حقبة الرئيس السوداني السابق، حسن البشير، إن تطبيع العلاقات مع إسرائيل ممكن بشرط رفع الحكومة الأمريكية العقوبات الاقتصادية.
اعتراف المصلحة
ولكن البرهان قطع الشك باليقين، وقال إن اجتماعه مع نتنياهو جاء لتبلية "مصالح عليا" للسودان.
وقال البرهان، في بيان له، "تم بالأمس لقاء جمعني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في أوغندا، وقد قمت بهذه الخطوة من موقع مسؤوليتي بأهمية العمل الدؤوب لحفظ وصيانة الأمن الوطني السوداني وتحقيق المصالح العليا للشعب السوداني".
وأضاف "أؤكد على أن بحث وتطوير العلاقة بين السودان وإسرائيل مسؤولية المؤسسات المعنية بالأمر، وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية". وتابع "أؤكد على موقف السودان المبدئي من القضية الفلسطينية وحق شعبه في إنشاء دولته المستقلة الذي كان ومايزال ثابتا، وفق الإجماع العربي ومقررات الجامعة العربية".
ورد الجيش السوداني ببيان على لسان المتحدث باسم الجيش السوداني، عامر محمد الحسن: "السودان لم يعلن التطبيع الكامل مع إسرائيل، لكن هذه الخطوة هي في إطار تبادل المصالح".
ولم يتوقف البرهان عن ذلك، بل قال في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط": "الاتصالات مع إسرائيل لن تنقطع، والقاعدة فيما حدث هي المصلحة الوطنية، وأكد دور الجانب الإسرائيلي في دعم السودان فيما يتعلق بلائحة الدول الراعية للإرهاب".
وأوضح البرهان أنه "سيعمل على تحقيق مصالح السودان متى ما كان الأمر متاحا، وأن مجلس الوزراء سيتولى ترتيب الاتصالات المقبلة وإدارة العلاقات الدبلوماسية بمجرد التوافق على قيامها"، كاشفاً عن تشكيل لجنة مصغرة لمواصلة بحث الأمر، واعتبر أن "تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل يلقى تأييدا شعبيا واسعا، ولا ترفضه إلا مجموعات أيديولوجية محدودة، فيما تقبله بقية مكونات المجتمع".
تواصل بروتوكولي
من جانبها، قالت إسرائيل إنها باتت تجري اتصالات بروتوكولية بقادة السودان بجانب قادة الدول الأفريقية الأخرى.
وقال المتحدث الإقليمي باسم رئيس الوزراء، أوفير جندلمان، إن "رئيس الوزراء نتنياهو تحدث هاتفيا خلال اليومين الأخيرين مع رئيسي السودان وتشاد وعايدهما بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك وتحدث معهما عن مواصلة تعزيز علاقات بلديهما مع إسرائيل".
ولكن قوبلت تلك التصريحات برفض من الخارجية السودانية، حيث قال زير الدولة بوزارة الخارجية السودانية عمر قمر الدين إن إقامة علاقات بين إسرائيل والسودان هو أمر غير وارد على أعمال الحكومة الانتقالية الحالية، ولا يوجد ضمن السياسيات التي تنفذها وزارة الخارجية.
وقال قمر الدين في مقابلة مع وكالة "سبوتنيك"، منذ أيام، حول إقامة علاقات بين السودان وإسرائيل "[لن يتم] إلى أن يأتي من يذكر بالدليل القاطع على أن هناك مصلحة سياسية واقتصادية وأخرى من قيام علاقات سودانية إسرائيلية، هي أهم مصلحة للسودان مع الدول الأخرى والتي قد تتأثر بوجود مصالح للسودان مع إسرائيل".
وأكد "خلال الفترة الانتقالية والسياسيات التي تنفذها وزارة الخارجية، هذا الأمر غير وارد".
سلام عادل
وعقب إعلان الإمارات إقامة علاقات ثنائية مع إسرائيل، مقابل تجميد تل أبيب خطة الضم.
قال المتحدث باسم الخارجية السودانية، حيدر بدوي صادق، إن بلاده لا تنفي وجود اتصالات بين الخرطوم وإسرائيل.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"سكاي نيوز عربية"، أنه "لا يوجد سبب لاستمرار العداء بين السودان وإسرائيل".
وتابع "نتطلع لاتفاق سلام مع إسرائيل قائم على الندية ومصلحة السودان دون التضحية بالقيم والثوابت".
وأوضح أن "السودان وإسرائيل سيجنيان فوائد وثمارا من عقد اتفاق سلام".
وأشار إلى أن "الخارجية السودانية تتطلع لقيادة الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي، من أجل توقيع اتفاق سلام".
ولكن قوبلت تلك التصريحات بنفي صارم من الخارجية السودانية، التي اندهشت من تصريحات متحدثها الرسمي ووصفتها بأنها لا تمت للواقع بصلة.
وبعدها بساعات صدر قرار بإقالة المتحدث الرسمي باسم الخارجية السودانية.
وقال وزير الخارجية المكلف عمر قمر الدين، إن "وزارة الخارجية تلقت بدهشة تصريحات السفير حيدر بدوي صادق الناطق باسم الوزارة عن سعي السودان لإقامة علاقات مع إسرائيل، وأوجدت هذه التصريحات وضعا ملتبسا يحتاج لتوضيح".
ورغم نفي الخارجية السودانية قال وزير الاستخبارات الإسرائيلي، إيلي كوهين، إنه توجد اتصالات مع السودان، والاتفاق مع الخرطوم على الأجندة.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن كوهين، قوله: "على عكس تصريحات وزير الخارجية السوداني، هناك اتصالات مع السودان، والاتفاق معها ضمن أجندة العمل"، مضيفا أن "الاتفاق مع السودان، سيشمل إعادة المتسللين من إسرائيل إلى السودان، وأنه لم يجر حتى الآن كلام عن الأعداد، هذا سيحصل مع تقدم الاتصالات وستصل إلى مرحلة التوقيع على الاتفاق".
كما أن وكالة الأنباء التركية "الأناضول" نقلت عن المتحدث السابق باسم الخارجية السودانية، قوله إنه بعث برسالة إلى البرهان ورئيس الحكومة، عبد الله حمدوك قبل صدور قرار إقالته.
وزعمت "الأناضول" أن حيدر بدوي صادق قال في رسالته: "احترموا شعبكم واكشفوا له ما يدور في الخفاء، بشأن العلاقة مع إسرائيل".