يرى مراقبون أن ما تم توقيعه في جوبا يمكن إضافته إلى أكثر من 50 اتفاقية جزئية وقعها المؤتمر الوطني السوداني والحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال ولم تحقق أي سلام لا جزئي ولا كلي، بل إن بعضها أضاع أجزاء كبرى وفتت البلاد وقسمها، وهذا الاتفاق تجاهل الحركات الكبرى ذات الثقل على الأرض ووقع كما كان يحدث في السابق مع من لهم ميول وتوجهات سياسية متقاربة وترك المختلف معهم، الأمر الذي قد يدخل البلاد في دوامة جديدة من العنف والحرب الأهلية، لذا فإن الاتفاق هو شو إعلامي أكثر مما هو سلام حقيقي على الأرض ربما لإرضاء أطراف خارجية وضعت شروط في ملفات معينة يجب تحقيقها.
قال الدكتور لؤي عثمان عضو تنسيقية تيار الثورة السودانية، إن مفاوضات السلام في السودان من الأساس لم تركز على الحركات المؤثرة فعليا في الحرب في دارفور، مثل حركة عبد الواحد محمد نور"جيش تحرير السودان"، والحركة الشعبية - شمال - بقيادة عبد العزيز الحلو، وهي ذات الثقل العسكري والسياسي على الأرض رغم انشقاق جزء منها بقيادة مالك عقار، "وهى المجموعة الأقل ويمكن أن نقول أنها حركة سياسية وليست مسلحة" والذي وقع ضمن اتفاق جوبا.
وأضاف عضو تنسيقية الثورة لـ"سبوتنيك"، لا أتوقع أن يحدث سلام حقيقي في السودان بدون توقيع الحركة الشعبية - شمال - وحركة جيش تحرير السودان في دارفور، وأي توقيع خلاف ذلك سيكون جزئيا ومحدودا، ولن يكون هناك استقرار كامل في ظل حرية الحركة لمليشيات الجنجويد في دارفور، أما الحركات التي وقعت فقد أصبحت مقيدة الآن في دارفور فقط لا تستطيع التحرك ولمدة 40 شهرا في ظل حرية الجنجويد، لذا فإن هذا الاتفاق لا يحقق السلام والديمقراطية المنشودة ولا يحد من الانقلابات العسكرية ولا يشكل أي تغيير في موازين القوى لصالح الثورة، لأن الكثيرين كانوا يراهنون على أن دخول تلك القوات الثورية إلى دارفور يمكن أن يؤدي إلى توازن القوى باعتبارها قوى ثورية.
موروثات النظام
وتابع عثمان، إن الشو الإعلامي الذي رافق توقيع الاتفاق الجزئي في جوبا، هو جزء من موروثات النظام الذي يتبدل الآن في شكل اللجنة الأمنية بقيادة البرهان، حيث ظل المؤتمر الوطني السابق يوقع العديد من اتفاقيات السلام الجزئية ويتم الترويج لها إعلاميا، لكن المحصلة في النهاية تكون صفرا كبيرا، فقد تم توقيع أكثر من 50 اتفاق سلام جزئي في السابق ولم تنجح أي منها في تحقيق السلام العادل والشامل.
وأشار عضو التنسيقية إلى أن الحركات الموقعة هى العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم شقيق الراحل خليل إبراهيم، وهم مرتبطون حتى الآن بالحركة الإسلامية في السودان، كما أن مني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان دخل في اتفاق مع حكومة البشير وكان مساعدا للرئيس ثم اختلف مع المؤتمر الوطني، لكن لديه سابقة معه، لذا أتوقع نشوء تحالفات سياسية في الداخل ستكون الطريق لعودة حزب المؤتمر الوطني الذي كان يحكم البلاد من جديد تزامنا مع إعادة هيكلة قوى الحرية والتغيير، لأن الجبهة الثورية هى جزء لا يتجزأ من قوى الحرية والتغيير وجزء لا يتجزأ من نداء السودان الذي يقوده حزب الأمة بالإضافة إلى التحرك الناعم من حزب الأمة والمؤتمر الشعبي، وكل الحركات التي وقعت على الاتفاق اليوم لها تواصل مع الماضي ولديهم حنين لعودة المؤتمر الوطني للواجهة مرة أخرى عبر المصالحة الوطنية.
وتعليقا على توقيع اتفاق جوبا للسلام في السودان قال الدكتور محمد مصطفى رئيس المركز الإفريقي العربي لثقافة السلام والديمقراطية، حتى الآن ومنذ الاستقلال تم توقيع أكثر من 48 إتفاقية بين الفرقاء في السودان، لكن كل الاتفاقيات لم تحقق سلام عادل وشامل وإنهاء للأزمة التاريخية المتجذرة في السودان، ولا يمكننا القول أن اتفاق جوبا هو شامل وعادل ويمكن أن يسكت صوت البندقية ويحولنا إلى مسار الديمقراطية والحرية.
وأكد مدير المركز الإفريقي لـ"سبوتنيك"، أن أزمة السلام في السودان تاريخية وتتمثل في حقوق ومكونات أساسية للشعب السوداني كان يجب ألا تخضع للتفاوض مثل الحقوق السياسية والحريات المدنية لأنها تعتبر من المبادىء فوق الدستورية ويجب أن تثبت في الدساتير وفي تعريف الدولة، حتى يحصل كل سوداني على حقه، لذا أن أشك أن تكون الاتفاقية التي تم توقيعها عادلة ويمكنها تحقيق السلام العادل والشامل، لكن يمكن اعتبارها مؤشر أولي يمكن الاستناد عليها في إجراءات قادمة للوصول إلى اتفاق شامل يناقش جذور الأزمة ووضع الحلول المناسبة لها.
استمرار النضال
وفي بيان لها تلقت "سبوتنيك" نسخة منه، وصفت حركة العدل والمساواة الجديدة اتفاق مسار دارفور للسلام بجوبا، بأنه ضياع فرصة أخرى للسلام الشامل في السودان.
وقال البيان: "عانى السودان منذ استقلاله في العام 1956 من عدم استقرار سياسي وحروبات أهلية في كل أطرافه بسبب التهميش والإقصاء واحتكار القرار السياسي واستغلال موارد السودان من فئة استأثرت بالسلطة والثروة في البلاد تسببت في إهدار موارد البلاد ومعاناة شعبه، واستقلال ثلث البلاد عن الدولة الأم وتكوين دولة ذات سيادة، كل ذلك نتيجة لسياسات فاشلة من النخب التي تعاقبت في حكم البلاد، و أهدرت فرصا كثيرة لإصلاح حال البلاد والتأسيس لدولة مستقرة وبناء سلام مستدام".
ومنذ أكثر من سنة، وضعت الحكومة الانتقالية التي تتولى السلطة في السودان على رأس أولويتها التفاوض مع المتمردين وصولا إلى السلام في المناطق التي تشهد نزاعات منذ سنوات اندلعت خلال حكم الرئيس السابق عمر البشير الذي استمر ثلاثة عقود حتى الإطاحة به في نيسان/أبريل 2019، بعد احتجاجات شعبية تواصلت لشهور.
وتجتمع الحركات الأربع الموقعة تحت تحالف الجبهة الثورية التي رأت النور في العام 2011، وكانت تقاتل الحكومة في سبع ولايات من جملة ولايات البلاد الـ18، وهي ولايات دارفور الخمس وولايتا جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهى حركة تحرير السودان بقيادة مني اركو مناوي، حركة العدل والمساواة والتي أسسها زعيمها خليل إبراهيم عام 2001، وهو معروف بانتمائه إلى الحركة الإسلامية التي ساندت عمر البشير في انقلابه على الحكومة المنتخبة العام 1989.
وكان إبراهيم وزيرا خلال حكم البشير، كما كان من قادة قوات الدفاع الشعبي التي تألفت من متطوعين وقاتلت إلى جانب الجيش أثناء الحرب بين شمال السودان وجنوبه قبل استقلال جنوب السودان. وقالت الحركة إن محركها كان تهميش الإقليم سياسيا واقتصاديا، المجلس الثوري الانتقالي والذي تشكل في عام 2012 وضمّ مجموعة من المنشقين عن حركات دارفور الرئيسية الثلاث السابقة ويرأسه الهادي إدريس، وهو الذي وقع الاتفاق اليوم الاثنين، وكان إدريس عضوا في حركة تحرير السودان - جناح عبد الواحد نور، وانشق عنه وأسس المجلس الثوري الانتقالي، بالإضافة إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي كانت تقاتل الحكومة في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وكان الجناحان يفاوضان في جوبا. لكن جناح عبد العزيز الحلو انسحب من المفاوضات، وبقي جناح مالك عقار الذي سيوقع الاتفاق.
في حين بقيت خارج الاتفاق حركتان كبيرتان: واحدة في دارفور، وهي حركة جيش تحرير السودان/جناح عبد الواحد نور التي تواصل القتال في دارفور، ولم تدخل مع الحكومة في مفاوضات.
وأما الثانية فهي الحركة الشعبية لتحرير السودان/ جناح عبد العزيز الحلو التي تقاتل في جنوب كردفان والنيل الأزرق، والتي علّقت التفاوض مع الحكومة قبل أيام لاعتراضها على رئيس الوفد الحكومي محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي والذي يرأس قوات الدعم السريع.