القاهرة، 2 سبتمبر - سبوتنيك. ويأتي اليمين الدستوري وسط حالة من الخلافات والانقسامات السياسية التي يتوقع محللون أن تزداد في الفترة المقبلة، بين الرئاسة والحكومة والبرلمان.
أداء اليمين
وفي كلمة للرئيس قيس سعيد عقب أداء الحكومة اليمين، قال "أتقدم إليكم بأخلص عبارات الأماني بالنجاح والتوفيق في ظروف داخلية وعالمية شديدة التعقيد، لكن ما نيل المطالب بالتمنى، كلكم تعلمون المصاعب الجمة وتعلمون ما ينتظركم من جهد وعناء، وتعلمون أن هناك جملة من المصاعب الطبيعية، ولكن في تونس كثيرة هي المصاعب والأزمات التي تم افتعالها أو هي غير طبيعية"، مضيفا "سيأتي اليوم الذي تعرفون فيه الحقائق كلها بدون استثناء".
وتابع سعيد "تابعت بالأمس أعمال جلسة منح الثقة، تابعت من أصدع بالحق ولم يتردد في كلمة الحق، وتابعت أيضا من كذب وادعى وافترى وما أكثر المفترين في هذه الأيام، ولكن هناك دائما رجال صادقون"، مواصلا "احترمت النظام والدستور الذي أقسمت على احترامه وأقسم دائما على احترام الدستور، واحترمت المؤسسات والمقامات بالرغم من أن البعض لا يستحق هذا الاحترام بل لا يستحق إلا الاحتقار والازدراء".
وأكد الرئيس التونسي "أنا على يقين أنه سيأتي اليوم الذي يتم فيه احترام إرادة الأغلبية التي تم سحقها أو حاول الكثيرون تزوير إرادتها ومن يعتقد أنه فوق القانون فهو واهم، ومن يعتقد أنه يقدر على شراء الذمم فهو واهم ولن أتسامح مع أي إن كان افترى وكذب وادعى ما ادعاه، وأكثر من هذا فتح دارا للفتوى ليفتي في الدستور ويتحدث عن تركيبة جديدة للحكومة".
وعود كاذبة
وأردف سعيد "سيأتي يوم اتحدث فيه بكل صراحة عن الخيانات والاندساسات والوعود الكاذبة وعن الارتماء في أحضان الصهيونية والاستعمار".
وصوت مجلس النواب التونسي أمس الثلاثاء، على منح الثقة لحكومة المشيشي بـ134 صوتا موافقا، مقابل 67 رافضا، في جلسة طويلة استمرت حتى بعد منتصف الليل، وشهدت تجاذبات سياسية حادة بين القوى والأحزاب السياسية داخل البرلمان.
ورغم هذه التجاذبات حصل المشيشي على "أغلبية مريحة" من الأصوات، إذ كان يلزم منحه الثقة تصويت 109 نائبا، فيما صوت له 134 نائبا.
الكاتب الصحفي التونسي، فرح شندول، أوضح في تصريح لوكالة "سبوتنيك"، إن "هذه الحكومة، حكومة الكفاءات، أرى أنها سلاح ذو حدين، فهي تبقى دائما رهينة البرلمان ورهينة قوى فقط في البرلمان وحتى حزامها السياسي المكون من 134 نائبا الذين صوتوا لها لا أراه آمنا طالما أنها لا تستند إلى قوة سياسية في البرلمان"، مؤكدا "مهما كانت التحالفات، ستبقى دائما رهينة، مما يفتح الباب أمام صفقات قد تكون تحت الطاولة بين الأحزاب الممثلة في البرلمان والحكومة".
سيناريو إعادة الانتخابات
وأضاف شندول "أعتقد أن الأحزاب [بتصويتها للمشيشي] حاولت تجنب سيناريو إعادة الانتخابات، وكانت هذه هي الفرصة الأخيرة بالنسبة لها لتزكية هذه الحكومة حتى تنأى بنفسها عن انتخابات جديدة وعن خسارة المكاسب التي قد تكون حصلت عليها في الانتخابات الماضية".
وكان رفض النواب لحكومة المشيشي يفتح الباب أمام الرئيس قيس سعيد لحل البرلمان وفقا للمادة 89 من الدستور، والتي تخوله صلاحية حل المجلس في حال تجاوز الآجال محددة لتشكيل الحكومة والدعوة لانتخابات جديدة.
وحول الخلافات السياسية داخل البلاد، قال شندول إن "التجاذبات السياسية ستبقى ما دام البرلمان موجودا بهذه الشكل"، مضيفا "لا أرى بدا من تغيير القانون الانتخابي لنحسم أمرنا في تونس، إن كنا نريد نظام برلماني أن نحكم بنظام برلماني كما هو موجود في كل العالم، أو نحكم بنظام رئاسي كما هو موجود في العالم أيضا في إطار نظام ديمقراطي تضمنه المحكمة الدستورية والمؤسسات الدائمة والمؤسسات الديمقراطية، لكن طالما القانون بقى بهذا الشكل من الاعتماد على الأغلبية النسبية والانقسام الكبير، ستتواصل الازمة السياسية على اعتبار أنه لا يوجد حزب قادر على تشكيل حكومة وحدة، وقادر على الدفاع عنها في البرلمان".
وشدد شندول على أنه "سنبقى في هذه الصراعات بين البرلمان والحكومة والرئاسة، ولابد من تغيير القانون الانتخابي".
حكومة تكنوقراط
أما المحلل السياسي كمال بن يونس، فقال لوكالة "سبوتنيك" إن "منح الثقة لحكومة التكنوقراط بقيادة وزير الداخلية السابق هشام المشيشي، وعضوية عدد كبير من الخبرات قد يكون منطلقا لحكومة تعطي الأولوية للملفات الاقتصادية والاجتماعية التي زادت تعقيدا بعد أزمة كورونا وتعثر قطاعات السياحة والخدمات والتجارة، وبعد غلق حدود تونس مع جارتيها الجزائر وليبيا كما تسبب في حرمانه من حوالي 5 ملايين سائح وآلاف التجار الذين يوفرون عادة أكثر من نصف دخل البلاد من العملات الأجنبية".
وأشار إلى أن الاحزاب السياسية قد تستفيد من منح الثقة لحكومة غير سياسية، حيث قال إن "وقد تستفيد الأحزاب من عدم وجود قياداتها في الحكومة في مرحلة قد تضطر فيها إلى اتخاذ قرارات مؤلمة وغير شعبية حتى تتحكم في عجز الميزانية".
لكنه في المقابل، يرى أيضا أن الخلافات السياسية ستزداد، إذ يوضح أن "الخلاف بين البرلمان ورأس السلطة التنفيذية قد يستفحل بعد تبادل البرلمانيين ورئيس الجمهورية وقيادات حزبية الاتهامات بالخيانة والغدر، بما يعني أن بعض الأطراف السياسية قد تعطل سير العمل العادي لحكومة التكنوقراط".
وقبل التصويت لحكومة المشيشي، تباينت آراء القوى والأحزاب السياسية في البلاد، فكتلة النهضة وقلب تونس وتحيا تونس أعلنوا دعمهم لحكومة المشيشي قبل التصويت، في حين أعلنت كتل الكرامة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب رفضهم للحكومة، وأحاط الغموض بموقف كتل أخر مثل الحزب الدستوري الحر ونواب المجلس المستقلين.
أخطاء منهجية
النائب عن التيار الديمقراطي، أنور بن الشاهد، قال في تصريح لوكالة "سبوتنيك"، إن "تقديرنا كان أن المشيشي ارتكب أخطاء منهجية منذ أن بدأ في تشكيل حكومته وتجاهل الأحزاب، فقد كانت اللقاءات مع الأحزاب مجرد جلسات شكلية لم تخض في أولويات الحكومة وبرنامجها والحال أننا في نظام برلماني، الحكومة تستمد شرعيتها من البرلمان أي من الأحزاب التي خاضت انتخابات لإقناع برامجها ففازت بمقاعد لتمثيل الشعب"، مضيفا "الآن وقد مرت [الحكومة] فإننا نلتزم بصف المعارضة وليتحمل كل من منحه الثقة المسؤولية سواء إيجابيا إن نجحت الحكومة أو سلبيا إن لم تنجح".
وتابع ابن الشاهد "ضعف البرنامج وعموميته وهو ما يؤكد لنا عدم قدرة هذه الحكومة على الإقلاع بتونس وأن إدراك الاستقرار السياسي يمر حتما بحكومة سياسية أو بإعادة تشكيل المشهد السياسي عبر انتخابات مبكرة لذلك صوتنا ضدها".
وكان المشيشي قد تعهد أمام البرلمان أمس بالتعاون مع كافة الأحزاب السياسية، وأعلن أن برنامجه قائم على 5 أولويات، هي وقف نزيف المالية العامة وإصلاح الإدارة والقطاع العمومي واستعادة الثقة ودعم الاستثمار والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن وحماية الفئات الهشة ومساندتها حتى نهاية جائحة كورونا.
وتراجع نمو الاقتصاد بأكثر من 21 بالمئة في الربع الثاني هذا العام بسبب تداعيات فيروس كورونا.
فيما يقدر حجم العجز في الميزانية في النصف الأول من هذا العام بنحو 3.847 مليار دينار تونس (نحو 1.4 مليار دولار) خلال النصف الأول من السنة الحالية، إذ قدر حجم هذا العجز بنحو 3.847 مليار دينار تونسي (حوالي 1.4 مليار دولار)، مقابل 2.453 مليار دولار خلال الفترة نفسها من السنة الماضية.