المخاطر قائمة... ما حجم الضرر الذي لحق بآثار السودان جراء الفيضانات... صور

تعرض السودان خلال الأسابيع الماضية إلى أسوأ موجة أمطار وسيول وفيضانات في تاريخها الحديث، تسببت في أضرار مادية وبشرية جسيمة.
Sputnik

لم تسلم المناطق الأثرية في السودان والمصنفة ضمن التراث العالمي والتي تتجاوز أعمارها 4000 سنة قبل الميلاد، ومازال الخطر قائما على هذا الموروث الثقافي، ما مدى تأثر آثار السودان بالفيضانات وكيف تمت مواجهتها؟ 

أكبر عدد أهرامات في العالم

قال عالم الآثار السوداني بروفيسور عبدالرحيم محمد خبير "يعتبر السودان من أقدم  مراكز الحضارات في العالم القديم، حيث تذخر أراضيه بٱثار عريقة سواء أكانت شاخصة أو مطمورة في باطن الأرض، ويوجد بالسودان أكبر عدد من الأهرامات في العالم تربو عن 320 هرما، فضلا عن أنواع متنوعة من المعابد والقصور والكنائس والمساجد خلال العصور التاريخية المتلاحقة، وقد ظهرت الدولة لأول مرة في السودان منذ ما يزيد عن أربعة آلاف عام بظهور مملكة كوش الأولى" كرمة-2500-1500ق.م"، ثم مملكة كوش الثانية "نبتة- مروي 900 ق.م-350م".

المخاطر قائمة... ما حجم الضرر الذي لحق بآثار السودان جراء الفيضانات... صور

وأضاف لـ"سبوتنيك" "كشف عن  الآثار السودانية بصورة علمية لأول مرة خلال المسوحات والتنقيبات الإنقاذية بمنطقة النوبة "شمال وجنوب مصر" خلال المسح الٱثاري الأول "1907-1911" الذي ترافق مع بناء خزان أسوان بمصر فالمسح الآثاري الثاني "1929-1934"، ثم المسح الآثاري الثالث إثر بناء السد العالي بجنوب مصر"1959-1961" والذي أدى إلى إغراق مدينة وادي حلفا السودانية بأقصى شمال البلاد، وتعرضت منذ ذلك التاريخ وإلى يومنا هذه المواقع الأثرية بالسودان إلى مهددات ومخاطر أزالت بعضها من الوجود، سواء أكانت هذه المهددات بشرية  أو طبيعية".

المهددات والمخاطر

وتابع عالم الآثار "في هذه الأيام تعرضت البلاد لسيول وأمطار فاقت معدلاتها كل التوقعات وأحدثت أضرارا جسيمة بالبلاد والعباد، فلم تسلم الآثار السودانية من مخاطرها خاصة في العديد من المواقع التاريخية المميزة و المدرجة في "لائحة التراث العالمي" مثل موقع البجراوية  بمنطقة شندي "المدينة -Royal City"، حيث غمرت المياه المنطقة المحيطة بالحمام الملكي وهددت بقية المباني الأثرية، وقامت الجهات المسؤولة ممثلة في الهيئة القومية للآثار والمتاحف السودانية وإدارة السياحة بمنطقة شندي، فضلا عن عدد من الجامعات السودانية ومنظمات المجتمع المدني بعمل سواتر "تروس" ترابية وحجرية لصد المياه المتدفقة بقوة نحو أبنية المدينة الملكية، وتمكنت هذه الجهات من تقليل الخسائر، وتمت مناشدة المنظمات العالمية لتقديم المساعدة وبخاصة هيئة اليونسكو(UNESCO )".

المخاطر قائمة... ما حجم الضرر الذي لحق بآثار السودان جراء الفيضانات... صور

وأشار خبير إلى أن تهديد السيول والفيضانات لايزال قائما ليس فقط للمدينة الملكية المروية، بل لكل المواقع الأثرية سيما الاستثنائية والمصنفة في "لائحة التراث العالمي" لمنظمة اليونسكو، مثل مواقع منطقة مروي بالإقليم الشمالي للسودان "الكرو، نوري، جبل البركل، صنم أبودوم والزومة"،  وهذه المواقع تعرضت قديما ولاتزال لمخاطر عديدة تهددها بالزوال، من أبرزها العوامل الطبيعية "سيول وأمطار وتصحر وغيرها"، ولا يزال المسئولون يوالون العمل بقيادة وزارة الإعلام والثقافة رغم شح الإمكانات.

نقاط هامة

وطرح عالم الآثار مجموعة من النقاط الاسترشادية لتلافي أو تقليل خطورة السيول والفيضانات على المواقع الأثرية بالسودان منها، استكمال الخارطة الآثارية للسودان بصورة دقيقة، وتوفير الدعم المالي اللازم للهيئة القومية للآثار والمتاحف لحالات الطوارئ والإنقاذ والصيانة العاجلة والآجلة  للأثار، والشروع في "تسوير" المواقع الأثرية بصورة جيدة وتوفير مصدات المياه والرمال لوقف المخاطر الطبيعية والبشرية، مع توفير حراسات أمنية متكاملة للمواقع الأثرية لمنع التعديات وبخاصة من المشتغلين في التعدين الأهلي للذهب بالقرب من هذه المواقع، هذا بالإضافة إلى مراجعة وتعديل قانون الآثار السودانية للعام 1999,والمعمول به حاليا وتشديد عقوبة التعدي البشري على المواقع الأثرية وهذا البند ليس الأقل أهمية من البنود السابقة، بجانب تهيئة البنى التحتية للمواقع الأثرية واستغلالها سياحيا لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد .

جزيرة مروي

من جانبه قال دكتور محمود سليمان محمد بشير مدير مكتب الآثار الإقليمي بولاية نهر النيل، إن الموقع الذي تأثر بفيضان النيل هذا العام واحد من مجموعة مواقع التراث العالمي تحت مسمى  جزيرة مروي، وهو واحد من المواقع  المهمة في السودان وبحكم وجودها في الضفة الشرقية للنيل تأثرت بفيضان ٢٠٢٠ والذي عادة يتأثر ولكن تأثيرها كبيرا هذا العام،  مشيرا إلى وصول الفيضان لموقع الحمام الملكي.

المخاطر قائمة... ما حجم الضرر الذي لحق بآثار السودان جراء الفيضانات... صور

وأضاف محمود في بيان صحفي تلقت "سبوتنيك" نسخة منه، أن الوصول السريع للمواقع المتأثرة والجهود قللت من خطورة الفيضان على موقع الحمام الملكي وتمثلت المعالجات التي تمت في شفط للمياه بالطلمبات وإعادتها إلى المجرى الرئيسي، وثمن محمود الدور الكبير الذي قامت به المجموعات من أهل المناطق والقرى المجاورة فى الكعيك والبجراوية.

كما أشاد بوقفة الهيئة العامة الآثار والمتاحف ووزارة التعليم العالي ومنظومة الصناعات الدفاعية التي أمدت المنطقة بعدد كبير من الجوالات، وكانت في قلب الحدث منذ وقت مبكر، بالإضافة إلى جهود وزارة التعليم العالي وجامعة الخرطوم التي تعمل في موقع المدينة الملكية، وأثنى محمود بصفة خاصة على مبادرة العاملين بالهيئة العامة للآثار ومساهمة الأفراد.

المخاطر قائمة... ما حجم الضرر الذي لحق بآثار السودان جراء الفيضانات... صور

وأشار محمود إلى أن تجربة فيضان النيل هذا العام وتأثيرها على المدينة الملكية مرت بسلام ولكنها تنبه باتخاذ تحوطات جذرية، خصوصا بعد توجيه الوزير بالأخذ في الاعتبار التغييرات المناخية، والتي من الممكن أن تكون آثارها أكبر في الأعوام المقبلة، ولفت إلى أن منظمة  اليونسكو بادرت بوضع تصور لذلك، آخذين في الاعتبار ضرورة التنسيق بين الجهات ذات الصلة.

حالة الطوارئ

أعلنت السلطات السودانية خلال الأيام الماضية، حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر في مواجهة أسوأ فيضانات تضرب البلاد منذ قرن،، واعتبرت كل أرجاء البلاد "منطقة كوارث طبيعية"، مؤكدة تأثر أكثر من نصف مليون شخص من الفيضانات وعشرات الآلاف من المنازل، إلى جانب أضرار جسيمة في المرافق الخدمية.

واجتاحت الفيضانات 16 ولاية من أصل 18، أكثرها ضرراً ولايتا الجزيرة والخرطوم، فيما واصلت وزارة الري إطلاق التحذيرات من استمرار ارتفاع مناسيب المياه في الأنهار السودانية، مشيرةً إلى أنها وصلت إلى أرقام قياسية هي الأعلى منذ بدء رصد النهر في عام 1902.

المخاطر قائمة... ما حجم الضرر الذي لحق بآثار السودان جراء الفيضانات... صور

ونقلت وكالة الأنباء السودانية "سونا"، "الجمعة 4 سبتمبر/أيلول"، تصريحات لوزيرة العمل والتنمية الاجتماعية لينا الشيخ، عن حجم الخسائر الناجمة عن الفيضانات. وقالت الشيخ، إن الأضرار أسفرت عن "وفاة 99 مواطناً وإصابة 46 آخرين، وتضرر أكثر من نصف مليون نسمة، وانهيار كلي وجزئي لأكثر من 100 ألف منزل".

وعقد مجلس الأمن والدفاع، اجتماعاً طارئا ناقش فيه الأوضاع الأمنية في البلاد، إلى جانب تأثيرات الفيضانات والأمطار، وأصدر قرارا بإعلان حالة التأهب القصوى، واستنفار إمكانات الدولة والجهد الشعبي لتخفيف حدة الخسائر المحتملة .

وأعلنت عدد من الدول العربية عن تضامنها مع السودان، بإرسال مساعدات عاجلة للمتضررين، فيما أعربت القاهرة عن وقوفها جنبا إلى جنب مع الخرطوم "لمواجهة تداعيات السيول والفيضانات"، كما أعرب الأزهر عن تضامنه مع السودان.

مناقشة