وأخيرا تنبه أهلها إلى ضرورة إدارة شؤونهم بأنفسهم وشكلوا "مجلس الأعيان"، فهل ينجح هذا التشكيل في الهروب من تلك العقبات والوصول بالمحافظة إلى بر الأمان؟
كركوك تختلف
يقول ثائر البياتي أمين اتحاد القبائل العربية بالعراق، إن كركوك بطوائفها ومكوناتها تختلف عن بقية المحافظات، فمركز المدينة ذات الطابع التركماني، وشمالها الكردي وجنوبها العربي، والمسيحيين أصلاء المدينة وقلعتها العريقة يسكنها اليهود، وفيها مرقد النبي دانيال.
ويضيف لـ"سبوتنيك"، كركوك تعوم على بحر من النفط، وكل المحاولات للتغيير الديموغرافي فيها فشلت عبر عقود من الزمن والحكومات المتعاقبة، وعندما تحدثنا مع ممثل الأمم المتحدة في كركوك وضعنا خارطة طريق لأبعاد كركوك عن التناحر والصراعات، تتمثل في جعل كركوك إقليم مستقل لا يمكن أن ينضم إلى أي إقليم آخر، ويكون ارتباطه بالمركز
اضطهاد كبير
يتابع أمين اتحاد القبائل، إن سبب مشاكل المدينة هي تطلعات الأحزاب، وصراعات النفوذ على مقدراتها وثرواتها، ولو ترك الأمر لأبناء كركوك وحدهم بدون تدخل، سيجدون الحل الأمثل للتعايش في مدينة جمعتهم منذ مئات السنين.
من جانبه يقول المحلل السياسي العراقي عبد القادر النايل، إن سكان كركوك يتعرضون إلى اضطهاد كبير ومن جميع مكوناتها العربية والتركمانية والكردية، ومن المؤكد أن أبناء محافظة كركوك متعايشين بشكل سلمي بينهم، ولاتوجد أي خلافات بين جميع المكونات وهم يشكلون فسيفساء العراق المصغر، لكنهم تعرضوا إلى تغييب مقصود من الخارج.
ويضيف لـ"سبوتنيك"، لم يؤخذ برأي أهل كركوك في مستقبل المحافظة الغنية بالنفط، والقادمون إليها طامعون بثرواتها على حساب سكانها، وأصبحت منطقة صراعات بين حكومة المركز وحكومة الإقليم من جهة، ومن جهة أخرى أضحت ضحية لصراع دولي عليها بين تركيا التي تستقبل النفط منها، وبين إيران التي تريد تحويل النفط من خلالها، لذلك دفعت الدولتين باتجاه تقوية من ينفذ مصالحهم في كركوك.
وتابع المحلل السياسي:
"الضحية من تلك الصراعات هم سكانها بين التغير الديموغرافي والاغتيالات، لأجل إشاعة الفوضى الطائفية والقومية بين مكوناتها، واستمرت هذه التجاذبات بسبب غياب سكانها الأصليين عن المشهد السياسي والاجتماعي وتحكم أطراف من خارجها وفق أجندات مقصودة لا تراعي مصالح التعايش السلمي".
وحول أسباب تكوين مجلس الأعيان في المحافظة من مختلف الطوائف قال النايل، للأسباب التي ذكرناها تداعت العشائر والمكونات الاجتماعية في كركوك لعقد وثيقة بين مكونات المحافظة، حيث وضعت الأحزاب السياسية وقت كتابة الدستور الذي يعترض عليه أغلب العراقيين مادة جعلت للمحافظة وضع خاص وأنها متنازع عليها وفق المادة 140 من الدستور، وفي الأصل هذه المادة لا تمثل أبناء كركوك الأصلاء، فهم يرون أنفسهم مواطنون عراقيون ولا يرغبون في أن تنفذ عليهم الأجندات الخارجية أو أن يكون هناك أوصياء على مستقبلهم ومستقبل اجيالهم القادمة.
التغير الديموغرافي
وأكد المحلل السياسي أن محاولة تشكيل مجلس أعيان هي خطوة ايجابية، تحرج جميع اللاعبين على أوتار الأوراق الطائفية والعنصرية والإقليمية، وتكشف تفاهم أبناء كركوك بينهم، وهنا لابد من إثارة المخاوف حول هذه الخطوة، هل ستصمد أمام خداع ومكر الأحزاب والقوى الطامعة في كركوك الغنية بالنفط، وهل يدعمون ويتركون لتنظيم مدينتهم ويديرون دفتها بما يناسب مصالحهم ومستقبلهم، أنا لا اتوقع أن يٌمنحون هذه الفرصة، لاسيما أن هناك قوى كردية تتحرك للسيطرة على كركوك، وهناك مليشيات الحشد تتوغل في كركوك، والتي أصبحت فاحشة الثراء بسبب تهريب النفط لإيران.
وأشار النايل إلى أنه يجب على أهالي كركوك الاصطفاف بشكل أوسع ويسطروا وثيقة مستقلة بينهم تدعم جماهيريا وتكون أقوى من تحركات من يريد السيطرة على مدينتهم من خارجها، وهنا لابد من الاشارة المهمة إلى أن جميع مكونات كركوك الأصليين الكردية والعربية والتركمانية، تعرضت إلى استهداف مباشر وقدموا تضحيات جسيمة إلا أن المكون التركماني تعرض إلى أبشع اضطهاد، وإلى تهجير واغتيالات ممنهجة وهم غالبية سكان كركوك، كان الهدف منه التغير الديموغرافي واستبدالهم بسكان آخرين.
معاناة التركمان
ودعا المحلل السياسي الشعب العراقي إلى الوقوف ضد ما يتعرض له التركمان من استهداف خطير وهم أبناء العراق الغيارى، الذين كان لهم دور وحضور في بناء وطنهم والشعب العراقي يحبهم كثيرا، وهم يحبون أبناء العراق، إلا أن الاستهداف لهم وبكل أسف دولي وإقليمي.
أعلن شيوخ قبائل محافظة كركوك تشكيل مجلس أعيان للمحافظة يضم مختلف القوميات العربية والكردية والتركمانية وبقية الأطياف في كركوك، لتتولى دراسة مشاكل جميع الأطراف في المحافظة ووضع الحلول لها.
مدينة كركوك هي مركز محافظة كركوك وخامس أكبر مدن العراق من حيث عدد السكان البالغ حوالي 900 ألف نسمة حسب إحصاء 2014، وتعتبر إحدى أهم المدن النفطية في العراق، ومدينة كركوك الحالية هي المدينة التاريخية القديمة ارابخا (عرفة)، التي يقدر عمرها بأكثر من 5000 سنة وكانت كركوك عاصمة لولاية شهرزور إبان حكم الدولة العثمانية.