ويأتي هذا الإعلان بعد جدل واسع أثير خلال الأيام الماضية حول مهلة أمريكية للخرطوم للتطبيع مع إسرائيل، علاوة على الحوافز الاقتصادية التي قيل أنها قدمت للبرهان أثناء لقاءه مسؤولين أمريكيين بالإمارات.
يرى مراقبون أن قرار ترامب يشبه قرار أوباما قبيل الانتخابات الأمريكية التي جاءت بترامب، عندما قرر رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان ومرت السنوات ولم يتغير أي شيء على أرض الواقع، ويعتبرون أمريكا تريد إخضاع السودان واحتواءه بشكل كامل في الوقت الراهن، ولن تقدم خطوات لإخراجه من واقعه الاقتصادي وأزماته، وأنه يجب على نظام الحكم أن يكون حذرا في كل خطواته وألا يتخذ قرارات مصيرية ليست من صلاحياته قبل تشكيل المجلس التشريعي.
وعود زائفة وتكرار سيناريو أوباما
قال المحلل السياسي السوداني الدكتور ربيع عبد العاطي، إن القرار الأمريكي بشأن رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب مقابل دفع التعويضات لأسر الضحايا هو مزيد من الإهانة والإذلال للسودان، ولن يتحقق شيء من تلك الوعود الزائفة، وقد سبق وأن رفع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما العقوبات الاقتصادية عام ولم نر أي أثر لها.
وأضاف لـ"سبوتنيك": "جربنا أمريكا كثيرا في السابق وهى اليوم ترفع العصا وتطالب السودان بدفع غرامات، وهذا الأمر هو مزيد من الإهانة. فكيف للسودان أن يقوم بدفع غرامات في ظل الظروف التي يعيشها، وما هى الاستفادة التي سيحصل عليها بعد ذلك؟".
وحول الضغوط الأمريكية من أجل التطبيع مع إسرائيل مقابل الرفع من القائمة السوداء قال عبد العاطي: "كل هذه وعود لا فائدة منها فقد تلقت البلاد وعودا منذ عقود حال تطبيق السلام الشامل وهو الأمر الذي لم يحدث أيضا، وأعتقد أن هذا التصريح أو القرار هو استمرار للوعود الكاذبة، وإن ارتبط هذا الأمر بالضغوط من أجل التطبيع مع إسرائيل".
وكان على السودان أن يسأل نفسه: ماذا جنت الدول التي طبعت مع إسرائيل بدون ذكر أسماء؟. لم تجن تلك الدول سوى الضعف والفقر والصراعات، وها هي العراق التي تنتج ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميا، فارقتها الرفاهية والاستقرار. ولذا أرى أن كل ما يتم الآن من وعود أمريكية وإماراتية هو من أجل إذلال السودان ومن يهن يسهل الهوان عليه.
وأشار المحلل السياسي إلى أن تلك الوعود الأمريكية تكررت من جانب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما والذي أعلن في نهاية حكمه رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان وإلى الآن لم نر أي أثر لهذا القرار.
لكن التصريح أطلق لمساندة مرشح حزبه قبيل الانتخابات الأمريكية، وتصريح الإدارة الأمريكية الآن برفع اسم السودان الآن قبيل الانتخابات لاعلاقة له بالعقوبات على السودان ورفع اسمه بقدر ما هو مرتبط بالداخل الأمريكي.
وتعليقا على الأخبار التي تحدثت عن اجتماعات بين الحكومة ومجلس السيادة لمناقشة التطبيع قال عبد العاطي: "هناك نوع من الاستغراب لدى الشارع الذي يمر بأزمة طاحنة لم يسبق لها مثيل في تاريخ السودان، ويكاد يكون هناك جوع يسيطر على كل ربوع السودان وليس في العاصمة فقط.
هذا بجانب عدم وجود الوقود بشكل تام في العاصمة وليس شح أو ندرة، وترى الطوابير أمام محطات الوقود لأيام وأسابيع انتظارا لوصول أي شحنات، وفي الوقت ذاته ترى الحديث عن التطبيع أو غيره وكأن القائمين على الأمر لا يرون تلك المعاناة، وأي حكومة بعيدة عن نبض الجماهير ومعاناتهم، هى حكومة محكوم عليها بالفناء والموت وإن لم يكن اليوم فسوف يكون غدا.
حمدوك والشارع... تحولات كبرى
قالت المحللة السياسية وخبيرة الشأن السوداني لنا مهدي، إن "تحولات سياسية كبرى سبقت الساعات التي تفصلنا عن مليونية 21 أكتوبر/ تشرين الأول، والحدث الأبرز هو انتصار الإرادة الوطنية السودانية. هذا الانتصار الدبلوماسي والاختراق التاريخي بموافقة السودان على دفع 335 مليون دولار عوضا عن المليارات لضحايا السفارتين والمدمرة، ومقابل ذلك سيتم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبالتالي رفع العقوبات الأمريكية على السودان.
وقالت: "رفع العقوبات عن السودان إنجاز يحسب للحكومة الانتقالية ولفريق التفاوض مع المبعوث الأمريكي الذي أحرز هدفا قاتلا في مرمى خصوم الثورة، بعد أن ظنت الدولة العميقة أن المسيطرين على سدة الحكم في السودان الآن، والمتمثل في قوى الحرية والتغيير (قحت) ومجلسي الوزراء والسيادة سيبتلعون رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
وتابعت مهدي: "من الواضح أن فريق التفاوض مع الأمريكان كان ممتاز وماهر ومقتدر، ففي التفاوض يعتمد الكسب السياسي في المقام الأول على حنكة واقتدار الفريق المفاوض، وأن يكون للحكومة السودانية لسان واحد لا عدة ألسنة بشأن القضية محط التفاوض، وهو ما تم تداركه مؤخرا، ولو انحاز رئيس الوزراء عبد الله حمدوك للشارع ومطالبه لتحقيق متطلبات الثورة سيتخلص من كل تلك الفوضى الراهنة الآن، وستيغلب على كل من يريدون إسقاط حكمه، خاصة وأنه بعد توقيع اتفاق سلام جوبا كاملا، ستتغير المعادلة وهياكل السلطتين المركزية والولائية.
التطبيع والجنائية الدولية وصلاحيات الحكومة
وأوضحت مهدي أن "هناك أمر هام للغاية وهو زيارة المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، بالتزامن مع الإعلان عن مليونية 21 أكتوبر، فتلك الزيارة التاريخية للسودان لها تداعياتها على الواقع السياسي، فهدف الزيارة المعلن هو إجراء مباحثات مع الحكومة السودانية حول التعاون بين المحكمة الجنائية الدولية والسودان في الجرائم المرتكبة في دارفور خاصة قضية المتهم "علي عبد الرحمن"، لجمع الأدلة بشأن هذا الأمر.
ولكن هناك أجندات أخرى لا أستبعد مناقشتها تحت الطاولة، مرتبطة بمسألة التطبيع مع إسرائيل والتي يبدو أن الحكومة السودانية نجحت وبذكاء في فصلها عن قضية رفع العقوبات.
ولفتت المحللة السياسية إلى أن بعض المراقبين ربطوا بين زيارة بنسودا ومليونية 21 أكتوبر، رغبة من الحكومة السودانية في إفشال المليونية أو على الأقل صرف الأنظار عنها، لكنه تحليل لا يقف على ساقين، فالحكومة أمامها حل من اثنين، السماح بالمليونية والاستجابة لمطالب الشارع أو السماح بالمليونية وعدم إحداث تغييرات جذرية لتحقيق مطالب الثوار وتجاهلها والمماطلة في تنفيذها، واستبعدت قمع السلطات للمليونية، فهي لا تريد أن تكون كـ "البصيرة أم حمد" في الموروث الشعبي السوداني التي انحشر رأس بقرتها في إناء ماء فخاري فقطعت رأس البقرة لتخرجه من الإناء عوضا عن أن تكسره وتخرج البقرة سليمة".
وقال المحلل السياسي السوداني خضر عطا المنان، إن "مسالة التطبيع ليست من اختصاص المرحلة الانتقالية، وكان رد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك على وزير الخارجية الأمريكي بومبيو واضحا جدا".
وأضاف في حديث سابق لـ"سبوتنيك" أنه "كان ضمن الأجندة الأساسية في رحلة بومبيو إلى السودان الضغط على الحكومة الانتقالية من أجل التطبيع مع إسرائيل، حيث طلب من حمدوك أثناء الاجتماع معه في الخرطوم أن يتصل بنتنياهو في تل أبيب، فرفض حمدوك هذا الطلب لأنه رئيس لحكومة جاءت بعد ثورة شهد لها التاريخ".
أولويات واشنطن والاختبار الصعب
وتابع المنان أن "مسألة التطبيع مع إسرائيل سوف تظل من أولويات الإدارة الأمريكية في علاقتها مع السودان، لكن تلك المسالة مستعصية جدا في هذا الظرف، على الأقل في المرحلة الانتقالية، والشىء الآخر أن الشعب السوداني منقسم على ذاته فيما يتعلق بالتطبيع، حيث يرى البعض أنه لابد أن نقوم بعمل علاقات مع كل الدول بندية واحترام ومصالح متبادلة، حيث إنه في العلاقات الدولية ليست هناك خصومات دائمة بل تظل المصالح دائما هى الباقية".
وأكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن إدارته مستعدة لإزالة السودان من قائمة "الدول الراعية للإرهاب" فور استلام تعويضات مطلوبة من الخرطوم.
وترتبط التعويضات، التي تبلغ قيمتها 335 مليون دولار، بهجمات شنها تنظيم القاعدة منها تفجير سفارتي واشنطن في تنزانيا وكينيا عام 1998.
وتفتح هذه التطورات الباب أمام الاستثمارات الخارجية في السودان، علاوة على إمكانية حصول الخرطوم على قروض لدعم الاقتصاد.
وفي كلمة متلفزة، قال رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إن رفع السودان من قائمة الإرهاب سيمكنه من العودة إلى النظام المصرفي العالمي والاندماج فيه.
وأوضح حمدوك أن قرار حذف اسمه من القائمة سيفتح المجال أمام إعفاء ديون تبلغ قيمتها أكثر من 60 مليار دولار.
وأضافت واشنطن السودان إلى قائمة الدول الراعية لـ"الإرهاب" عام 1993 إبان حكم الرئيس السابق عمر البشير، وبعد الإطاحة به العام الماضي حاولت الحكومة الحالية تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.
وكانت واشنطن تتهم حكومة البشير بتوفير ملاذ لجماعات إرهابية شاركت في عملية تفجير السفارة الأمريكية في دار السلام ونيروبي وتفجير المدمرة كول.
ويستطيع الرئيس الأمريكي حذف اسم دولة من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأمام الكونغرس 45 يوما للاعتراض على القرار.
وفي وقت سابق، أفاد تلفزيون السودان الرسمي بأن حمدوك أكد تحويل مبلغ التعويضات الذي طالب به ترامب، وأوضح رئيس الوزراء في كلمته أن مبلغ التعويضات تم توفيره من الموارد الذاتية، مشيرا إلى أنه من عائدات تصدير الذهب.
وأبدى رئيس الوزراء السوداني خلال تغريدة له على موقع تويتر تطلعه إلى إخطار الكونغرس بالقرار، وقال إن الخطوة تعتبر بمثابة أكبر دعم للتحول الديمقراطي في البلاد.
ومنذ 21 أغسطس/ آب من العام الماضي، يشهد السودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري، وقوى "إعلان الحرية والتغيير"، قائدة الحراك الشعبي.