مستشار قادة وأعيان وشخصيات العراق وعضو منظمة المنار العالمية لسفراء السلام بشير أحمد الصبيح، أجاب على هذا التساؤل قائلا إن: قانون الجرائم المعلوماتية المعروض على البرلمان هو قانون مسيس لتحجيم دور الصحافة وحرية الرأي، وبالتالي يقوم هذا القانون على حماية السياسيين من الملاحقة والمتابعة وهو قانون مقتبس من دول أجنبية لا يحاكي الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق.
وأضاف في اتصال مع "سبوتنيك"، : وتبين من الإلحاح على تشريع هذا القانون من قبل السياسيين، أن هناك عجز واضح بالنهوض بواقع حال العراق في الوقت الراهن، من عجز في الميزانية وعدم الاستقرار الأمني، وسوف يكون هذا القانون أداة يزج بها الكثير من المواطنين العراقيين في السجون، وهذا مايبحث عنه بعض السياسيين العاجزين عن إخراج العراق من الأزمات.
أهداف بغداد وأربيل
من جانبه، قال أمين عام الحزب الطليعي الناصري العراقي الدكتور عبد الستار الجميلي: في ظني أن الخشية ليست من القانون ذاته، فالقوانين في العراق كثيرة بلا تطبيق، لكن الخشية من دوافع وأهداف القانون من قبل كتل بغداد وأربيل، التي بات الاستبداد والفساد سمتهما الرئيسة.
وأضاف في اتصال مع "سبوتنيك"، أن: أكثر التخوفات تكمن في أن الكتل والمليشيات سوف تحول القانون إلى غطاء مشروع من أجل تكميم الأفواه ومصادرة حرية الرأي والتعبير، وممارسة الإرهاب القانوني على كل من يتكلم عن الفساد ويكشف ملفات الفاسدين، ما يعني تراجع الحقوق والحريات العامة والخاصة إلى سابق عهد الدكتاتورية، التي تصور البعض أنها انتهت بلا رجعة، وأن عصر مصادرة الحقوق والحريات وقمع المعارضين والآراء والأفكار انتهى.
وأوضح الجميلي أن الأمر يتطلب موقفا وطنيا موحدا لوأد مشروع هذا القانون، وسحب البساط من تحت أقدام من يقفون وراءه، عبر كل وسائل الضغط السلمية، شعبيا وسياسيا وإعلاميا وقانونيا.
ورأى أن العراق بدأ ينحدر حثيثا إلى الدكتاتورية الفجة وتقنين القمع والمصادرة، وبالتالي الدخول من جديد في دوامة النظام الشمولي، ومشروع القانون الحالي تجسيد مباشر لهذا المنحى الدكتاتوري، فاستحق هذا القانون أن يسمى "قانون قمع الرأي والتعبير".
يحمي السلطة
أما أمين عام اتحاد القبائل العربية بالعراق ثائر البياتي فقال، إن: قانون الجرائم المعلوماتية يخالف كل الأعراف الدستورية والإنسانية والشرعية والقانونية، وتشريع هذا القانون يعني إطلاق طلقة الرحمة على حقوق المواطن العراقي، فالقانون وفق الصياغة المتداولة حاليا يعني حكم ديكتاتوري يحمي السلطة، ويقيد حرية التعبير وكشف المآسي التي يعيشها المجتمع العراقي، بسبب سياسات السلطة الفاسدة والأحزاب والكتل السياسية المتسلطة على الحكم باسم العملية السياسية الفاشلة التي أوصلت البلاد إلى حالة الإفلاس.
وأضاف في اتصال مع "سبوتنيك"، أن: هذا القانون من مهامه أيضا حماية المافيات من الزعماء السياسيين وقادة المليشيات وتمويل الإرهاب الدولي، حيث أن مجمل فقرات القانون تركز على تكميم الأفواه وهو ما لم يحدث في أتعس الدكتاتوريات في العالم، ولم يسلم المواطن من الاستهداف بهذا القانون بل شمل وسائل الإعلام بكل صنوفها ومسمياتها.
خلق الأزمات
وتساءل البياتي، عن الغاية "من هذا القانون في الوقت الذي يتشدق فيه الجميع بمسمى الديمقراطية المستوردة التي فشلت بكل المقاييس، وما هو موقف الحكومة والدولة برمتها إن كان رد الفعل من قبل الشعب بتحدي القانون، فهل سيتم اعتقال كل الشعب أو أغلبه أو مليون شخص على أقل تقدير؟ وهذا متوقع".
واعتبر أن: "الحكومة الحالية هى أسوا حكومة مرت على البلاد منذ العام 2003 بل والأكثر فسادا، حيث أن كل سياساتها وبرامجها تكمن في محاولات إرباك المجتمع وإشغاله من أجل إبعاده عن حقوقه الطبيعية والحياة الكريمة التي يستحقها بعد كل المآسي التي عاشها، حكومة مصطفى الكاظمي هي حكومة خلق الأزمات والتنصل من المسؤولية والواجب المكلفه به وهو خدمة الشعب وحماية البلاد."
الحيادية والإنصاف
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة النهرين العراقية الدكتور قحطان الخفاجي، إن المخاوف ليست من صدور قانون الجرائم المعلوماتية بقدر ما هى من آلية التعامل المهني الرسمي مع القانون، هل يتم التعامل معه بحيادية وإنصاف ومهنية أم يتم الأمر بانتقائية وحسب مزاجية الجهة القائمة على التنفيذ.
وأضاف في اتصال مع "سبوتنيك": ونظرا لأن القضاء بالعراق غير منضبط والجانب السياسي هو المسيطر عليه، وإن تم الادعاء بعملية الفصل بين السلطات، فإن التطبيق الانتقائي دائما هو سيد الموقف.
وتابع أستاذ العلوم السياسية: عندما يظهر مؤخرا مثل هذا القانون وما يسمى بقانون "الجرائم المعلوماتية"، هذا القانون سيكون مسلط على الأشخاص كما قلنا يتغاضون عمن يريدون ويطبقونه على من يريدون، فإذا أردت أن أنتقد جهة بعينها سياسية أو غيرها وللصالح العام، سأكون معرض للطعن من أي الجهات وتقديمي للمحاكمة وفقا لتفسيرهم وتأثير ما قلت على الناس، وبالتالي هم لا يريدون تنوير الناس وتنمية وعيهم.
ورأى الخفاجي أنه:" منطقيا أن الكلام والنشر يجب أن يكون مدعم بالأدلة على صحته ويجب أن يكون محايدا، لكن لو أردنا تطبيق هذا بشكل حقيقي، نجد أن العراق مسروق ومطلوب الآن والوضع مأساوي ولا بد أن تسأل عليه الجهات الرسمية التي تسلمت مناصب عليا وأدارت البلد وأضاعتها، وعندما نتهمها الآن سيقال لنا أين الدلائل، لذا فإن المخاوف هى من التطبيق السىء للقانون الذي سيستخدم لتخويف الآخرين، وللدولة الحق في إصدار أي قوانين تنظيم شؤونها في كافة المجالات، لكن يظل الخلل في كيفية التطبيق والقائمين عليه."
المرصد العراقي
وعبر المرصد العراقي للحريات الصحفية عن مخاوفه من التداعيات المحتملة لتصويت البرلمان العراقي على قانون جرائم المعلوماتية.
وقال المرصد في بيان اطلعت عليه "سبوتنيك" إن "المصادقة على القانون في ظروف سياسية واجتماعية مضطربة وغير مستقرة، وإقحام الصحفيين ووسائل الإعلام في مضمون القانون، من شأنه أن يهدد حرية التعبير ويعرض الكتاب والصحفيين والمدونين للمحاكمة والسجن".
وأكد المرصد أن "القانون لم يعرض على الشعب، ولم تجر مناقشته كما ينبغي مع منظمات معنية بحرية التعبير وحقوق الإنسان"، مؤكدا أن هذا القانون "قد يضع نصف الشعب في السجن".
وفي عام 2006، قامت لجنة الأمن والدفاع النيابية بصياغة مشروع قانون جرائم المعلوماتية، الذي كان هدفه الأساس مجابهة تنظيم القاعدة على شبكة الإنترنت، ولكن القانون لم يتم تمريره في البرلمان حتى الآن رغم تعاقب الدورات النيابية عليه، ولأسباب سياسية وأخرى مرتبطة بالحريات المدنية، إذ أن صيغة القانون أثارت مخاوف من تحوله إلى سلاح لمراقبة الشعب وتقييد حرية التعبير عن الرأي.
وفي مطلع العام الجاري، قام مجلس النواب بالقراءة الأولى لقانون جرائم المعلوماتية، على أن يقرأ قراءة ثانية ويخضع للتصويت خلال الفصل التشريعي الحالي، حيث يتضمن 23 مادة بفقرات عدّة، نصت على عقوبات متفاوتة تصل إلى السجن 30 عاما وغرامات تصل إلى 50 مليون دينار، فيما ركّزت تلك الفقرات على المعلومات الإلكترونية، وجعلتها في دائرة الخطر والمساس بأمن الدولة.
ويعرف البرلمان الجرائم المعلوماتية: "نشاط إجرامي إيجابي أو سلبي تستخدم فيه تقنية متطورة تكنولوجيا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كوسيلة أو كهدف لتنفيذ الفعل الإجرامي العمدي في البيئة المعلوماتية". كما قسم تلك الجرائم إلى ثمانية أنواع هي: "الجرائم التي تقع على بيانات وبرامج الجهاز المعلوماتي، وجرائم الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، وجرائم التزوير المعلوماتي، وجريمة التعدي على الأديان والمذاهب ومخالفة النظام والآداب العامة، و الجرائم الماسة بأمن الدولة، وجرائم الاتجار بالبشر وترويج المخدرات وغسل الأموال، وجريمة السب والقذف، وجريمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة".
وتثير الصيغة الغامضة لبعض فقرات القانون والعقوبات المشددة التي تصل إلى السجن المؤبد، قلق العديد من الناشطين خوفًا من استخدام القانون لأغراض سياسية مستقبلا، لا سيما في متابعة المنسقين للاحتجاجات والمعارضين من خلال آرائهم الناقدة للسلطة في العراق.