الباحث الأثري في عصور ما قبل التاريخ، الدكتور بسام جاموس، يروي لـ"سبوتنيك" أن "الإنسان الأول (الهومو اركتوس) سكن على ضفاف الأنهار الكبرى (الشمالي، الفرات، حوض البادية التدمرية)، ويحمل هذا الإنسان صفات بشرية فقامته تتراوح بين 150-170 سم، وحجم دماغه لا يتجاوز 1000 مم3، وكان سلوكه يختلف عن باقي الكائنات وخاصة تقنيات تصنيعه للأدوات الحجرية كالفؤوس والمكاشط واكتشافه لإشعال النار بواسطة الاحتكاك، إضافة إلى حياته الاجتماعية ونشاطه في الصيد والالتقاط من جهة وفنون النقش والرموز التصويرية والتجريدية التي تركها لنا في المغاور والكهوف وهذا ما جعل العلماء يطلقون عليه اسم الإنسان الصانع".
ويؤكد جاموس أن "آثار هذا الإنسان وجدت في سورية عند مصطبة نهر الكبير الشمالي قرب اللاذقية والذي يصب في البحر المتوسط في قرية ستمرخو الواقعة شمال مدينة اللاذقية على بعد حوالي 17 كم، حيث تم العثور على أدوات حجرية صوانية عبارة عن فؤوس حجرية لها وظائف حياتية كالدفاع عن النفس وصيد الحيوانات واستخدام بعضها في فنون النقش، وتعتبر هذه الأدوات هي الأقدم في العالم خارج القارة الأفريقية وتم تأريخها بمليون عام خلت".
ويضيف "أما الموقع الثاني الذي عثر فيه على أدوات هذا الإنسان، حسب جاموس، فهو موضع الخطاب على ضفاف نهر العاصي عبارة عن فؤوس ونوى وقواطع تعود للعصر الحجري القديم الأوسط (400,000 - 700,000 عام قبل الميلاد)"، مبيناً أن "تطور الاستيطان البشري وتطور التقنيات بالاضافة للتبدلات المناخية أدى إلى تسرع تنقلات هذا الإنسان واختيار الأماكن المناسبة للاستقرار".
أشهر المواقع التي تم العثور فيها على أدوات هذا الإنسان وآثاره، موقعي اللطامنة والقرماشي على ضفاف نهر العاصي في حماه، إضافة لوجود أثار تدل على وجود جماعات بشرية منظمة (الصيادون الأوائل) فبنوا الأكواخ وأوقدوا النار وطهوا الطعام واستخدموا الجلود في اللباس.
واستطرد "إضافة للموقعين السابقين، وجدت آثاره أيضاً في موضع البادية التدمرية وخاصة منطقة رنكوم- بئر الهمل في البادية السورية، حيث طور الإنسان أدواته فابتكر أدوات جديدة إلى جانب الفؤوس، كما ابتكر أدوات أكثر تطوراً من أدوات أسلافه، وخاصة أدوات الصيد كالحراب، وتم العثور على أدواته في مغاور يبرود في ريف دمشق وموقع أم التلال في تدمر ومغارة الديدرية في وادي عفرين بريف حلب ثم قرية الشير الواقعة شمال شرق اللاذقية على بعد 7 كم من مدينة اللاذقية وهي عبارة عن فؤوس صوانية قرب ضفة النهر لكن الاكتشاف العام في قرية الشير هي عبارة عن فؤوس وحراب أشهر أثار هذا الإنسان".
وتابع "أهم آثار إنسان "النياندرتال" في سوريا، بحسب جاموس، تعود لاكتشاف بعثة يابانية – سوريا في سبعينيات القرن الماضي وكان جاموس عضواً فيها، ثلاثة هياكل عظمية لأطفال ثلاث تتراوح أعمارهم بين(3_5) سنوات في كهف الديدرية في منطقة وادي عفرين بريف حلب أثارت ثورة معرفية في التاريخ".
وأضاف: "أهمية الاكتشاف تعود إلى أن الهياكل الثلاثة هي الأكمل من نوعها في العالم. ناهيك أنها أجابت على الكثير من التساؤلات حول مصير إنسان "النياندرتال" وعلاقته بإنسان "الهومواركتوس" والإنسان العاقل".
وقد تم تأريخ هذه الهياكل إلى مئة ألف عام خلت كونها الأقدم والأكمل من نوعها حتى الآن، واستمرت حياة إنسان "النياندرتال" حتى حوالي 40 ألف عام واختفى ليظهر بعدها الإنسان العاقل.
وأشار جاموس إلى أن "العالم الياباني تاكيروا آكازاوا الذي عمل في موقع الديدرية الى جانب العالم الباحث السوري الدكتور سلطان محيسن، نشر كتاباً حول نتائج اكتشافات الكهف، بيّن فيه أنه بعد دراسة هذا الاكتشاف والتحليل وإجراء الدراسات التحليلية والمخبرية في مخابر الجامعات اليابانية، تم التوصل إلى أن الإنسان العاقل عمره (70000 سبعون ألف عام من وقتنا الحاضر وتم تصحيح مسلمة تاريخية كانت تقول عمره 35000 عام".
وبين جاموس أن أهم "صفات إنسان "النياندرتال" أن حجم دماغه أكبر من "الهومواركتوس"، وتميز عنه بالذكاء، وعاش حياة اجتماعية منظمة واهتم بالفنون والمعتقدات، وكانت بنيته قوية، صياد ماهر، حجم دماغه أكبر من حجم دماغ الإنسان الحالي بنسبة10%، وكان له لغة للتفاهم بتراكيب معقدة".
وقبل الختام يقول جاموس: "فقد استفاد من النار وطور طرق وظائفها وخاصة طرق القدح والحك، وصنع المخارز، السكاكين، المقاحف، كما مارس عبادة بعض قوى الطبيعة وبعض الحيوانات كالدب".
وفيما لا يزال الجدل العلمي مثاراً حول تطور الإنسان الأول نحو الإنسان العاقل، يختم جاموس لـ"سبوتنيك": إن "نوعي الإنسان "النياندرتال" والعاقل تطورا من إنسان "الهومواركتوس" لأني اعتبره فرعا في العملية التطورية رغم تشابهه مع الإنسان العاقل بالطول، مضيفاً: الدلائل في المواقع السورية والفلسطينية والعراقية تؤكد وجود هذا الإنسان لكن بالنسبة لانحداره فإننا نحتاج للمزيد من التنقيبات والدراسات والمكتشفات، فأشهر، مواقعه في العراق شانيدار، وفي فلسطين مغارة الطابون والأميرة والزطية في جبال الكرمل، وفي إسبانيا موقع اتابوركا، وفي فرنسا موقع سان فاست".