المنشور لم يكتف بهذا الربط فقط، ولكنه أشار إلى انخراط مجموعة "غلاكسو سميث كلاين" للصناعات الدوائية والمليارديران الأمريكيان بيل غيتس وجورج سورس وشركات تأمين ضخمة، في علاقة ومؤامرة كبيرة. وفي واقع الأمر، كانت كلها ادعاءات خطيرة كاذبة ولا أساس لها من الصحة.
يحاول مروجو هذا المنشور، اختلاق قصة مفادها أن هذه الأطراف انخرطت في مؤامرة ضخمة لتخليق فيروس كورونا المستجد ونشر الوباء عالميا، عبر الادعاء بوجود علاقة بين المختبر الصيني (الذي أشارت إليه الإدارة الأمريكية باعتباره مصدر ظهور العدوى) وبين باقي الأطراف المشار إليها.
بدأ تداول هذا المنشور، الشهر الماضي، بلغات مختلفة على منصات التواصل الاجتماعي، شملت الإيطالية والفرنسية والهولندية والألمانية والإسبانية، قبل أن يظهر باللغة العربية أخيرا.
رغم اتهامات الرئيس الأمريكي لمختبر ووهان خلال الموجة الأولى من الجائحة في الربيع الماضي، فإنه لم يقدم أية أدلة هو تسبب المختبر سواء عن عمد أو دون قصد تفشي المرض خارجه.
والمعروف أن هذا المختبر تم تأسيسه بمساعدة فرنسا التي ساهمت بالتصميم والخبرات والتدريب والتمويل المبدئي، ويتم تمويله حاليا من قبل السلطات الصينية، ومن غير الصحيح أنه تلقى تمويلا من أي من الأطراف المشار إليها، خاصة أنه تابع للحكومة الصينية.
في هذه الأثناء، لا تزال تحقيقات منظمة الصحة العالمية بهذا الشأن مستمرة، في أواخر الشهر الماضي، أبدى باحثوها، رغبة في إجراء تحقيق بشأن أصل منشأ فيروس "كورونا" المستجد.
وقالوا إنهم يرغبون في العودة إلى سوق المواد الغذائية بالجملة في مدينة ووهان الصينية لمتابعة الحالات الأولية لـ(كوفيد-19) التي ظهرت بها، والتحقيق في كيفية انتشار الفيروس لأول مرة من خلال الخفافيش.
وقال بيتر بن أمبارك، خبير أمراض الحيوان في منظمة الصحة العالم: "في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2019، لا نعرف حقا ما حدث، ولا نعرف كيف انتقل الفيروس من بيئته الطبيعية داخل جموع الخفافيش إلى البشر، وهذا هو الجزء من التاريخ الذي نحتاج إلى إعادة بنائه".
في الصيف الماضي، دافع الملياردير الأمريكي ومؤسس شركة "مايكروسوفت"، بيل غيتس، عن نفسه من بعض نظريات المؤامرة التي تنتشر عبر الإنترنت، والتي تتهمه بإحداث تفش لفيروس "كورونا" المستجد.
ووصف غيتس نظريات المؤامرة هذه خلال مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية بأنها "مزيج سيء من الوباء ووسائل التواصل الاجتماعي والأشخاص الذين يبحثون عن تفسير بسيط للغاية".
وقال في المقابلة إن مؤسسته الخيرية التي تحمل اسمه واسم زوجته ميليندا قدمت مبالغ مالية أكثر من أي مجموعة أخرى لشراء اللقاحات بهدف إنقاذ الأرواح. وتابع أنه يأمل في ألا تؤدي نظريات المؤامرة هذه إلى تنفير الناس من اللقاح عندما يتم التوصل إليه.
تعد مؤسسة "بيل وميليندا"، أكبر منظمة خيرية خاصة في العالم، وتسهم في مجالات عدة منها، توفير الدعم الصحي والتعليم في البلدان الفقيرة، كما تعد من أكبر الداعمين لمنظمة الصحية العالمية. وكان غيتس من أبرز الدعاة لتوزيع عادل للقاحات فور توافرها.
من بين الإشارات المضللة في المنشور، أن غيتس مساهما رئيسيا في شركة "فايزر" المطورة للقاح، ورغم أن مؤسسة الملياردير تبرعت بأموال طائلة لمختبرات "فايزر" لتطوير أدوية وتقديمها إلى البلدان النامية، فلا هو أو زوجته من المساهمين في الشركة.
وبالحديث عن الملياردير جورج سوروس، فهو واحد من بين آلاف المستثمرين في شركة "بلاك روك"، المساهمة في شركة "فايزر" حيث تمتلك فيها حصة قدرها 5% فقط، بحسب "سي إن إن بزنس".
في النهاية، لم تستند ادعاءات المنشور إلى أي معلومات موثقة أو رسمية أو منشورة في وسائل إعلام. وعلى ذكر المؤمرات المتعلقة بتحقيق المكاسب المالية، ورغم أنه من المتوقع تحقيق بعض الشركات مكاسب قوية نسبية من بيع اللقاح، فإن خسائر الجائحة تفوق هذه المكاسب مئات المرات ومن غير المنطقي أن تتهاون الحكومات مع مخطط كهذا.
على سبيل المثال، انكمش الاقتصاد الأمريكي بنسبة 32% في الربع الثاني من هذا العام (ما يعادل أكثر من 6 تريليونات دولار)، وخسر عشرات الملايين وظائفهم وأصبحت ملايين الأسر مهددة بالطرد من منازلها، واضطرت الحكومة لتقديم حزم مساعدات بقيمة تريليونات الدولارات، إضافة إلى مليارات الدولارات من التمويل والمساعدة للشركات التي تعمل على تطوير اللقاحات والأدوية.
الحال في أمريكا تشابه في بلدان عدة من اختلاف حجم الخسائر وفقا لحجم الاقتصاد ومدى تأثره بالأزمة. في الوقت ذاته، تشير تقديرات خبراء الاستثمار إلى أن مكاسب بعض الشركات من بيع اللقاح لن تتخطى بضعة مليارات على مدى القصير فقط، أي أنه ربما لا يحقق مكاسب تذكر بعد انقضاء الوباء.
من جانبه قال رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريشكين، الشهر الماضي، إن روسيا تنطلق من حقيقة أن فيروس كورونا المستجد جاء من فعل الطبيعة، مؤكدا أن روسيا لا تملك بيانات موثوقة تفيد بأن الفيروس تم تصنيعه.