"سعادتي لا توصف وأتمناها لكل إنسان، فنصف آلامي ونصف وجعي كانت بسبب غربتي عن بيتي وعن حارتي".. هكذا وصف سمير الكبرا عودته إلى منزله في (ساحة الريجة) وسط (مُخيّم اليرموك)، بينما تمتد يده لتطال مفتاح بيته، مضيفا في حديثه لـ "سبوتنيك": "عندما عدت، شعرت أن نصف الحلم قد تحقق، وشعرت أن الحياة عادت مجدداً إلى المكان رغم الدمار".
الكبرا، وهو فلسطيني سوري عاش معظم حياته في المخيم، اضطر في إحدى ليالي عام 2012 للنزوح من منزله عنوة بعدما اجتاحت المجموعات المسلحة الحي الذي يقطنه.
في حديث لـ "سبوتنيك"، يصف سمير ذلك اليوم، قائلا: "لم يخطر ببالي يوماً أن اضطر للنزوح من مخيم اليرموك.. في ذلك اليوم، بعدما قامت الجماعات المسلحة بطردنا من منزلنا، ظننا أن فصلاً جديداً من رحلة شتات شعبنا قد بدأت".
وخلال الحرب، اعتمدت التنظيمات المسلحة تكتيكا خاصا لاجتياح الأحياء المكتظة عبر حفر جدران المنازل المتلاصقة على طول الأحياء لتجنب المواجهة المباشرة مع جنود الجيش السوري المنشرة في الشوارع، مخيم اليرموك، لم يشذ عن هذه القاعدة.
يقول سمير: "بدأ المسلحون بحفر الجدران حتى وصلوا إلى منزلي، وقالوا لي ماذا تفعل أنت هنا؟ لماذا لم تخرج من المنطقة إلى الآن؟ أجبتُهم: ولماذا أخرج؟ هذا بيتي، فأعطوني مهلة حتى الصباح للخروج، وأنا لدي أربع فتية في ريعان الشباب فبدأ الخوف يساورني عليهم، وهددوا بقتلي أنا وعائلتي في حال لم نخل لهم المنزل. اضطررت إلى الخروج برفقة عائلتي من منطقة الريجة إلى داخل أحياء المخيم".
وبجملة "مخيم اليرموك قبل الحرب كان الخزان الاقتصادي للعاصمة السورية" وصف غسان اللبني أحد سكان المخيم لـ "سبوتنيك" الأهمية الاقتصادية التي كان يتمتع بها المخيم قبل الحرب، ويعلّل أسباب عودته بالقول "الذي دفعني للعودة إلى المخيم رغم هذا الدمار والخراب هو غلاء آجار البيوت في مدينة دمشق، الذي أنهك كاهلنا وزاد علينا الأعباء الاقتصادية بشكل لا يُطاق"، ويضيف واصفاً الوضع داخل المنطقة "الحمد لله الجهات المُختصّة المسؤولة عن المخيم سمحت للأهالي بالعودة وقدمت التسهيلات اللازمة لذلك، ومنطقتي التي أسكن فيها وهي حارة الفدائية أُعيد تخديمها بالكهرباء والمياه وباقي الخدمات والأمور تتحسن شيئا فشيئاً".
واضطر سكان مخيم اليرموك من لاجئين فلسطينيين ومواطنين سوريين، للنزوح منه إلى أحياء دمشق وغيرها بعد اجتياحه من قبل المسلحين أواخر 2012، ليتحول إلى ساحة قتال بين التنظيمات الإرهابية المتناحرة من "جبهة النصرة" و"داعش" (المحظورَين في روسيا) وغيرهما من التنظيمات التي عاثت في المخيم قتلاً وتدميراً على مدى سنوات، ما تسبب بتضرر أجزاءٍ واسعة من أحيائه، إلى أن تمكن الجيش العربي السوري بالتعاون مع الحلفاء والقوات الرديفة من تحريره عام 2018 بعد معارك ضارية مع المسلحين.
وعن التسهيلات التي قدمتها الحكومة السورية إلى أهالي المخيم لمساعدتهم على العودة يقول غسان "الجهات المسؤولة وعدت بمساعدة أي شخص يريد أن يفتح مشروعا تجاريا صغيرا داخل المخيم يساعد في تأمين أمور الحياة اليومية للأهالي.. واليوم وفي ظل ما تعانيه البلاد من حصار اقتصادي، لا يوجد أمامنا سوى أن نضع يدنا بيد بعض، لنساعد الدولة في جهودها ودعهما للنهوض بمنطقة المخيم وإعادة الحياة لها".
ويشير غسان إلى أنه كان أحد الأوائل الذين عادوا إلى حارته داخل المخيم، أما اليوم فأصبح عدد العائلات العائدة ثمانية، مؤكداً أن العائلات التي تعود إلى بيوتها تزداد يوماً بعد يوم، حيث بدأت الحياة تنبض من جديد في حارات وشوارع مخيم اليرموك.
ويعتبر مخيم اليرموك من أكبر المخيمات الفلسطينية في الشتات، حيث أنشئ عام 1956 ووصل تعداد ساكنيه حتى عام 2011 إلى حوالي المليون ومئتي ألف غالبيتهم من السوريين، وشكل أحد أهم أسواق العاصمة دمشق ومركزا للنشاط التجاري إلى جانب القيمة السياسية والرمزية التي يحملها.