وحررت وزارة الداخلية، في الفترة من مطلع مارس حتى نهاية نوفمبر من العام الجاري، نحو 8960 محضرا عن عمليات تنقيب غير شرعي عن الآثار في محافظات الصعيد، مقابل 4115 محضرا تم تحريره طوال العام 2019، حسبما صرح مصدر أمني مسؤول لوكالة أنباء "شينخوا" الصينية.
وتنتشر ظاهرة التنقيب السري عن الآثار أسفل المنازل لا سيما في محافظات الصعيد، وقادت هذه العمليات في بعض الأحيان وزارة الآثار إلى اكتشافات أثرية مهمة، بعد أن نجحت أجهزة الأمن في كشف هذه العمليات.
وأضاف المصدر المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن "الأجهزة الأمنية تتلقى يوميا بلاغات وإخطارات عن محاولات التنقيب غير الشرعي عن الآثار في محافظات صعيد مصر، خاصة في المناطق القريبة من المواقع الأثرية في محافظات الأقصر وقنا وسوهاج وأسوان".
وتابع أن "تسريح آلاف العاملين بالقطاع السياحي والعمالة الموسمية بسبب أزمة فيروس كورونا تسبب في زيادة محاولات التنقيب غير الشرعي عن الآثار، وذلك وفقا لأرقام المحاضر التي حررتها وزارة الداخلية منذ ظهور (كوفيد-19)".
وأوضح أن "القائمين على التنقيب غير الشرعي عن الآثار لديهم هوس البحث عن الثراء السريع، كما يلعب الدجل والشعوذة دورا كبيرا في إقناع الضحايا بالتنقيب أسفل منازلهم القديمة".
وأردف أن "أغلب عمليات الحفر داخل المنازل القديمة تسفر عن وقوع عشرات الضحايا والمصابين، خاصة أنها تتسبب في انهيار تلك المنازل والمنازل المجاورة لها بسبب الحفر العميق وغير المدروس من قبل المنقبين".
وشدد على أن "أعمال التنقيب غير الشرعي عن الآثار تعد جريمة ضد الحضارة المصرية، التي هي أغلى ما يملكه الشعب المصري"، مشيرا إلى أن "هذه العمليات تتاجر بالإرث الحضاري للمصريين، ما يتسبب في حزن شديد للشعب خاصة عندما يرى آثاره معروضة للبيع في المزادات بعد تهريبها بشكل غير شرعي للخارج".
وكثيرا ما طالبت وزارة الآثار المصرية، بوقف بيع قطع أثرية فرعونية معروضة في صالات مزادات في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ونجحت بالفعل في إعادة بعضها للقاهرة.
ويعد تهريب القطع الأثرية عبر الحقائب الدبلوماسية أشهر وسائل التهريب، وفقا للمصدر الأمني الذي أكد أن "وزارة الداخلية وأجهزتها لا تبخل بأي جهد لمواجهة جرائم التنقيب غير الشرعي وتهريب الآثار، بالتنسيق مع كافة المنافذ الجوية والبحرية والبرية، وذلك لمنع تهريب القطع الأثرية المصرية لخارج البلاد".
بدوره، قال اللواء عادل عبدالعظيم مساعد وزير الداخلية الأسبق لمنطقة جنوب الصعيد لـ"شينخوا" إن "المؤشر العام يوضح أن تفشي فيروس كورونا داخل مصر ساهم بنصيب كبير في زيادة معدلات التنقيب عن الآثار في محافظات الصعيد، بعد تسريح آلاف العاملين في القطاع السياحي".
وأوضح عبدالعظيم لـ"شينخوا"، أن "إحصائية وزارة الداخلية تؤكد أن هناك 3364 حالة تنقيب عن الآثار خلال شهر أغسطس الماضي فقط".
ورأى أن "الحلول الأمنية لوحدها لا تكفي لمواجهة هذه الظاهرة، لأن هناك قناعة لدي المجتمع المصري بأن التنقيب عن الآثار ليس جريمة"، ودعا إلى "ضرورة تغيير الخطاب الديني في ظل فتاوى التيارات السلفية المتشددة، التي ترى جواز الانتفاع بالمقابر الأثرية طالما تقع في ملكية صاحب الأرض".
وأكد أن "هناك تنسيقا بين وزارة الداخلية والإنتربول الدولي لاستعادة الآثار المسروقة والمهربة، التي خرجت من مصر بطرق غير شرعية".
من جهته، كشف عبد الحكيم الصغير مدير منطقة آثار دندرة بمحافظة قنا جنوب القاهرة عن أن "إغلاق المناطق الأثرية خلال أزمة فيروس كورونا شجع بعض المقيمين في محيط هذه المناطق على التنقيب غير الشرعي عن الآثار أسفل منازلهم خلال ساعات الليل المتأخرة".
وأوضح الصغير لـ"شينخوا"، أن "يقظة الأجهزة الأمنية نجحت في كشف المئات من تلك المحاولات"، مشيرا إلى أن "وزارة الآثار عملت خلال الفترة الأخيرة علي رفع الوعي الأثري من خلال التثقيف الشعبي بأهمية الحفاظ علي الآثار المصرية من خلال عقد ندوات توعوية بالجامعات والمدارس ومراكز الشباب".
ولفت إلى أن 99 % من حالات التنقيب عن الآثار لا تسفر عن العثور على أية آثار فرعونية، بينما ترتفع نسبة حوادث الانهيارات الداخلية بسبب الحفر العميق داخل الأرض، مخلفة قتلى وجرحى.
أما عادل رسلان وهو مفتش آثار بوزارة الآثار فرأى أن "انخفاض معدلات التعليم والوعي بين بعض طبقات المجتمع" وراء انتشار ظاهرة التنقيب عن الآثار في مصر.
وقال رسلان، إن "التنقيب الشعبي عن الآثار بات ظاهرة متزايدة ومؤرقة للأجهزة الأمنية.. ورغم تجريم التنقيب عن الآثار إلا أن قناعة المجتمع الصعيدي مازالت ترى أن التنقيب الشعبي عن الآثار حق مشروع لصاحب الأرض".