توقيع 221 عقدا ضمن مبادرة "زواج التجربة"... فما رأي الشارع المصري؟

حالة من الجدل تتعلق بما سمي بـ"زواج التجربة" شغلت مواقع التواصل الاجتماعي بل وخرجت إلى حيز المؤسسات الرسمية المصرية التي ردت على الأمر.
Sputnik

الجدل المثار على مواقع التواصل بشأن المسألة خلق حالة من التباين بين من يرحب بالفكرة، ومن هاجمها وقال إنها تهدف للزنا والإيقاع بالفتيات وإنها تزيد من حالات الطلاق والفساد، بعكس ما قاله صاحب المبادرة، الذي عاد ليقول إنها مبادرة للصلح لا للزواج.

الإفتاء المصرية تطالب بتدخل المجتمع الدولي بوقف تهويد القدس

المبادرة التي أطلقها المحامي المصري أحمد مهران، تحت مسمى "زواج التجربة" يقول إنها تهدف للحد من حالات الطلاق في مصر، وإن 221 وقعوا على هذا العقد حتى الآن في إطار الصلح.

بحسب حديث مهران لـ"سبوتنيك"، فإن المبادرة تهدف للحد من الطلاق، والصلح بين الأزواج الذين وصلوا إلى مرحلة ما قبل الطلاق إثر الخلاف، وأن العقد بمثابة فرصة جديدة للزوجين لاستكمال الحياة بدلا عن الطلاق، حيث يحدد العقد مجموعة من الشروط والبنود التي يتم التوافق عليها وفي حال مخالفتها يثبت ذلك من خلال محاضر رسمية، يمكن أن يعتد بها في عملية الانفصال لمخالفة بنود العقد.

وشدد مهران على أن العقد لا يعتد به للزواج للمرة الأولى، وأنه حال رغبة الزوجين في كتابة بعض الشروط يمكن كتاباتها في العقد الشرعي، إلا أن هذا العقد هو للصلح بين الزوجين من أجل استمرار الحياة بينهما.

ويوضح بشكل تفصيلي أنه إذا وصلت الأزمة بين الزوجين للطلاق وجلس أهل الصلح مرة أخرى يكون هناك الكثير من التخوفات بشأن العودة مرة أخرى من أحد الطرفين، وأن العقد يمكن توقيعه في هذه الحالة لضمان استمرارية الحياة على الشروط المنصوص عليها، وفي حال مخالفة الشروط المنصوص عليها يعد الطلاق واجب النفاذ بمخالفة هذه الشروط، عوضا عن السنوات التي تستغرق في المحاكم في قضايا الطلاق.

ويؤكد في تمهيد عقوده أن:" الزوجين، قد تزوجا على يد مأذون ما يعني أنه زواج شرعي على سنة الله ورسوله وعلى مذهب أبي حنيفة النعمان، أي زواج شرعي مكتمل الأركان وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، على أن يكون الزواج أبدي غير محدد المدة."

كما يتضمن العقد بعض الشروط الخاصة بأنه يحق للزوجة طلب الطلاق دون انتظار المدة المتفق عليها في مقابل التنازل عن كافة حقوقها. وفي حالة حدوث أي خلاف يتم الاحتكام لبنود العقد والمستشار القانوني الذي وقع العقد.

الموقف القانوني

من ناحيتها قالت المستشارة القانونية دينا المقدم، إن العقد يعتد به من الناحية القانونية، إلا أنه يخالف العقد الشرعي للزواج ويخالف الناحية الدينية سواء في الإسلام أو المسيحية.

وأضافت المقدم في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن القانون لا يمانع أي عقود، إلا أن الشق الديني في الزواج يقتضي الاستمرارية، وفي حال وضع مدة محددة فإن الأمر يدفع نحو هدم الأسر والمجتمع بشكل أكبر.

وتابعت أن الترويج لهذه المبادرة يمكن أن يدفع بعض الشباب إلى القيام بمثل هذه التجارب، كما أنه يمكن تحديد المدد حسب أهوائهم، الأمر الذي يخرج الزواج من جوهره إلى ما يشبه زواج المتعة أو المسيار، وهو مخالف للهدف الأسمى من الزواج وهو بناء أسرة مستقرة.

دار الإفتاء المصرية تحسم الجدل وتصدر رأيها النهائي في "زواج التجربة"

وترى أن قول البعض بأنه محاولة لخفض نسب الطلاق في المجتمع غير صحيحة، حيث أن نسب الطلاق لن تتراجع إلا بالتوعية والمودة والرحمة وتحمل المسؤولية، وليس بعقد مدني يحول الزواج إلى علاقة تعاقدية بحتة مشروطة بمدة معينة.

حقوق المرأة

جواهر الطاهر مديرة برنامج الوصول للعدالة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، من جانبها قالت إن: المبادرة المطروحة ليست ذات أهمية وإن الهدف منها "الترويج" دون أي فعالية على أرض الواقع.

وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن الحد من الطلاق يكون من خلال تفعيل البنود الخاصة في العقد الشرعي للزواج لا من خلال عقد ملحق.

وترى أن هذا العقد المحدد بالمدة له الكثير من الآثار السلبية، وأن تحديد المدة لا يحل إشكالية الطلاق، في ظل احتمالية تجدد الأزمة بين الزوجين، خلال الفترة المحددة وهو ما سيطرح العديد من الإشكاليات.

وترى أن معالجة الكثير من الأمور الخاصة بأحوال الأسرة يمكن من خلال تعديل مواد القوانين المتعلقة بالطلاق وكافة أحوال الأسرة. وشددت على أنه لا يمكن أن يعتد به كعقد زواج، ولا عقد صلح.

رأي الشارع المصري

ابتسام جابر زوجة ولديها ثلاثة أبناء ترى أن المبادرة هي مجرد محاولة من المحامي لـ"الشهرة" وتصدر اسمه مواقع التواصل.

وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن هذا العقد لا يجب الانصات إليه أو العمل به، خاصة أنه يمكن أن يفتح الباب للكثير من المفاسد، إضافة إلى أنه لن يحل أي إشكالية خاصة بالطلاق، حيث أن الآليات الخاصة بمعالجة الأزمة لا تحكمها الشروط الموضوعة بل تحكمها المعاملة بين الطرفين.

من جانبها، تقول سارة فرج فتاة جامعية، إن: الفكرة قد تستهوي بعض الشباب، خاصة الفئة التي تتخوف من الزواج، إلا أنه في هذه الحالة سيتحول الأمر من فكرة الزواج إلى فكرة قضاء فترة بعينها مع بعضهم البعض بصورة قانونية.

وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن هذه المبادرة يمكن أن تكون مدخلا للإيقاع بالفتيات تحت مسمى الزواج وبشروط مختلفة أو مدد مختلفة، وهي قضاء وقت محدد معهم مقابل بعض الاشتراطات التي يرتضونها، وهو ما يساهم في إقامة علاقات غير مستقيمة تحت عقود قانونية لكنها مخالفة للشرع وجوهر عملية الزواج.

أما كريم سيلم وهو جامعي مصري، فيرى أن الأمر من المنظور الشخصي قد يتناسب مع البعض، كونه يمكنه وضع أي اشتراطات في العقد.

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أن الفكرة استهوته ويمكن أن يقبل عليها، إلا أن بعض النقاط الخاصة بمخالفة الشرع وجوهر الجواز هي المعضلة في الأمر، كما أن الأمر أشبه بزواج المتعة، وهو ما يقربه من الزواج الباطل، الذي يتنافى معه إقامة أسرة.

مواقع التواصل

مواقع التواصل تفاعلت مع الأمر على نطاق واسع، حيث يقول أحد الحسابات على تويتر:"زواج التجربة يعني تتزوج يومين وبأقصى خمس سنوات وتنفصل عادي، وسواء بمقابل مادي أو لا، بالاتفاق بين الطرفين، بمعني أوضح ممكن تتجوز يومين تلاتة مقابل 200 جنيه، وتطلق وتشوف غيرها يومين وتطلق (زنا بترخيص شرعي)".

مغردة ثانية تقول: "بالعكس سيزداد العدد أضعاف مضاعفة هذا أولاً، ثانيا من ترضى أن يكون جسدها محطاً لكل من تقدم لها تحت مسمى زواج التجربة فلتؤيد ومن يرضى أن يضيع عمره في تجربة فليؤيد الزواج، فالأصل هو علاقة مؤبدة، وإن استحال فهو الطلاق، أما دخول علاقة محتمل في بادئها الطلاق فما هي إلا لهو لا معنى له".

الرأي الشرعي

وفيما يتعلق بالجانب الشرعي شن العديد من رجال الدين هجوما كبيرا على صاحب المبادرة بأنها دعوات لمخالفة الشرع بل وصل وصف البعض لها بأنها دعوات للزنا.

على المستوى الرسمي أكد الأزهر الشريف أن تحديد مدة لعقد الزواج، أو المعروف إعلاميا مؤخرا بـ"زواج التجربة"، هو أحد أسباب بطلان العقد من أساسه.

وأصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى، يوم الأحد، فتوى تُبطل اشتراط أي مدة تحدد عقد الزواج، أو اشتراط عدم وقوع انفصال بين الزوجين لمدة معينة والمسمى بزواج "التجربة"، حيث أكد الأزهر بطلان مثل هذه العقود.

وقال المركز في بيان له، نشره على صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك"، إن "الزواج ميثاق غليظ لا يجوز العبث به، واشتراط عدم وقوع انفصال بين زوجين لمدة خمس سنوات أو أقل أو أكثر فيما يسمى بزواج التجربة اشتراط فاسد لا عبرة به، واشتراط انتهاء عقد الزواج بانتهاء مُدة معينة يجعل العقد باطلًا ومحرَّمًا".

رد دار الإفتاء

في إطار ردها الشرعي على المبادرة قالت دار الإفتاء المصرية، إن خلاصة ما توصلت في دراستها حول ما يسمى إعلاميًا بـ " زواج التجربة"، يتمثل في الآتي:

أولا: الزواجُ في الإسلام عقدٌ مَصونٌ، عَظَّمه الشرع الشريف، وجَعَله صحيحًا بتَوفُّر شروطه وأركانه وانتفاء موانعه، شأنه كشأن سائر العقود، فالعبرة فيه بالمسمَّى، لا بالاسم، أي: النَّظَر الشرعي لعقد الزواج يكون على مضمونِه لا على اسمه؛ فمِن أَجْل الحُكْم على عقد زواجٍ بالصحة أو البطلان لابد من تَصوُّرٍ صحيحٍ لمضمونه، دون إغراق النَّظَر لحَدَاثة اسمه.

ثانياً: ما يُسْمَّى إعلاميًّا بـ"زواج التجربة" مصطلح يحمل معاني سلبية دخيلة على قيم المجتمع المصري المتدين الذي يَأبى ما يخالف الشرع أو القيم الاجتماعية وتم استخدامه لتحقيق شهرة زائفة ودعاية رخيصة في الفضاء الالكتروني.

ثالثاً: تهيب دار الإفتاء المصرية بجميع فئات المجتمع عدم الانسياق وراء دعوات حَدَاثة المصطلحات في عقد الزواج التي ازدادت في الآونة الأخيرة والتي يَكْمُن في طَيَّاتها حَبُّ الظهور والشُّهْرة وزعزعة القيم، مما يُحْدِث البلبلة في المجتمع، ويُؤثِّر سَلْبًا على معنى استقرار وتَماسك الأُسْرة التي حَرَص عليه ديننا الحنيف ورَعْته قوانين الدولة.

رابعاً: إطلاقُ الناسِ على عقدِ الزواج أسماء جديدة لا يُؤثِّر على صحةِ أو فسادِ العقد؛ فإذا تَمَّ عقدُ الزواجِ بين رجلٍ وامرأةٍ خاليين من الموانع الشرعية مُسْتَكمِلًا لأركانه وشروطه –والتي منها عدم كون الزواج مُؤقَّتًا بمدة محددة-؛ فهو عقدٌ صحيحٌ ويستتبع آثاره وما يَترتَّب عليه من أحكامٍ.

الإفتاء المصرية: صلاة مصابي كورونا الجمعة "حرام شرعا"

خامساً: اشتراطُ مَنْعِ الزوج مِن حقه في طلاق زوجته في فترة معينة بعد الزواج؛ هو مِن الشروط الباطلة؛ لأنَّ فيه إسقاطًا لحقٍّ أصيل للزوج جعله الشرع له، وهو حق التطليق، فاشتراطُ هذا الشرط إن كان قَبْل عقد الزواج فلا مَحْل له، وإن كان بَعْده فهو شرطٌ باطلٌ؛ فيصح العقد ويبطل الشرط في قول جميع الفقهاء

سادساً: اشتراط ما فيه مصلحة لأحد العاقدَين مما سكت الشرع عن إباحته أو تحريمه ولم يكن منافيًا لمقتضَى العقد ولا مُخِلاًّ بالمقصود منه، ولا مما يقتضيه العقد أيضًا، بل هو خارج عن معناه، كأن تشترط على زوجها أن لا يُخرِجَها مِن بيت أبوَيها، أو أن لا ينقلها من بلدها، أو أن لا يتزوَّج عليها إلا بمعرفتها؛ فمثل هذا النوع من الشروط صحيحٌ ولازمٌ، وَفْق ما يراه بعض العلماء، وهذا هو الأقرب إلى عمومات النصوص والأليق بأصول الشريعة؛ وذلك لما رواه الشيخان عن عُقبَةَ بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَن تُوفُوا ما استَحلَلتُم به الفُرُوجَ»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «المُسلِمُون على شُرُوطِهم» (رواه أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه).

سابعاً: تَجَنُّب الخلافات الزوجية لا يكون مَسْلُكه وضع الشروط الخاصة والحرص على كتابتها تفصيلًا في وثيقة الزواج الرسمية، أو إنشاء عقدٍ آخرٍ منفصلٍ موازٍ لوثيقة الزواج الرسمية، بل سبيله مزيد من الوعي بمشاورة المختصين، والتنشئة الزوجية السليمة، والتأهيل للزوجين بكافة مراحله، وهذا هو ما تحرص عليه دار الإفتاء المصرية عبر إداراتها المختلفة في سبيل خَلْق وَعيٍ وإجراءات وقائية لضمان استمرار الحياة الزوجية، وذلك عن طريق عدة دورات متخصصة لتوعية المُقْبِلين على الزواج، وطُرُق حل المشكلات الأسرية.

مناقشة