لقد كان الفيروس يتحور أمام أعينهم.
وبحسب "بي.بي.سي"، يقول رافيندا غوبتا، استشاري الأمراض المعدية في المستشفى والأخصائي في علم الأحياء الدقيقة في جامعة كامبريدج، وهو الذي حلل عينات المريض: "لقد رأينا بعض التغيرات الواضحة في الفيروس. رأينا طفرات تشير إلى أن الفيروس يظهر علامات على التكيف، ويتجنب الأجسام المضادة المستخدمة في المعالجة ببلازما النقاهة. كانت هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها شيئا كهذا يحدث لشخص أمامنا مباشرة".
وعندما تفحص غوبتا وفريقه عملية الحذف من البروتين الشوكي عن كثب، توصلوا إلى نتائج مقلقة. يقول غوبتا: "لقد أجرينا بعض تجارب العدوى باستخدام فيروسات اصطناعية، وأظهرت أن الطفرة الجديدة تزيد من قدرة الفيروس على العدوى بمقدار الضعف". ودفع هذا الباحثين إلى البحث في البيانات الجينية الدولية الخاصة بفيروس كورونا، فوجدوا أن ما يحدث فعلاً هو أمر أكثر إثارة للقلق.
يقول غوبتا: "أردنا أن نعرف ما الذي يحدث في أنحاء العالم، وقد عثرنا على هذه المجموعة واسعة الانتشار من السلالات في المملكة المتحدة". ويضيف: "عندما نظرنا عن كثب، وجدنا أن هناك تحوراً جديداً من الفيروس تسبب في تفشي المرض بشكل كبير".
ومع ذلك لا يوجد دليل واضح على أن النسخة الجديدة للفيروس قادرة على الانتقال بسهولة أكبر أو التسبب في أعراض أكثر خطورة أو جعل اللقاح غير ذي فائدة، لكن الأمر الذي يثير دهشة العلماء هو الطريقة التي تحور بها الفيروس.
ويقول البروفيسور نك لومان، الخبير في مؤسسة كوفيد 19 جينومكس بالمملكة المتحدة إن الفيروس "لديه عدد كبير من الطفرات بصورة مدهشة، أكثر مما كنا نتوقع، وبعضها يبدو مثيرا للاهتمام".
وكان مصدر القلق هو أن الأجسام المضادة المأخوذة من دماء الناجين كانت أقل فعالية في مهاجمة هذه النسخة من الفيروس.
ويقول البروفيسور آلان ماك نالي الأستاذ في جامعة برمنغهام "نعلم أن هناك نسخة جديدة، لكننا لا نعلم شيئاً عما يعنيه ذلك من الناحية البيولوجية. من السابق لأوانه أن نقوم بأي استنتاج بشأن أهمية هذا الأمر من عدمها".
ووفق خبراء "إمبريال كوليدج لندن"، فإن السلالة المتحولة قد تجعل كوفيد-19 قابلا، للانتقال بين البشر بشكل أكبر بنسبة 70 في المئة.
وخرج باحثون من مشفى هيوستن ميثوديست في الولايات المتحدة الأمريكية، بنتيجه مفادها أن الفيروس بتحوره أصبح أكثر قدرة على العدوى، وذلك بعدما قاموا بمقارنة عينات مختلفة من فترات زمنية متباعدة، إذ كانت النتيجة العثور على عدد أكبر من الخلايا المعدية في أجسام مصابي الموجة الثانية.
والدراسة هذه هي واحدة من الكثير من الدراسات التي خرجب بنتيجة أن الفيروس المتحور هو أكثر قدرة على العدوى. ومنها دراسة بريطانية في مدينة شيفيلد التي أكدت أن المريض المصاب بفيروس كورونا المتحور يحمل عدداً أكبر من الخلايا المعدية في جسمه، بيد أن شدة المرض الناتج عن الفيروس المتحور لم تزداد ضراوة.
وعزا الباحثون السبب وراء قدرة الفيروس المتحور على العدوى بشكل أكبر إلى زيادة عدد الفيروسات في الحنجرة، ما يعني أن الفيروس المتحور أصبح أكثر خطورة على من يطلق عليهم المجموعة المعرضة أكثر من غيرها للخطر، أي من لديهم أمراض كالسكري والقلب وغيرها.
وحتى الآن، هناك القليل من الأدلة على ذلك، لكن العلماء بدؤوا في دراسة الكيفية التي يمكن أن يتحور بها فيروس كوفيد 19 في المستقبل، وإمكانية اتخاذ خطوات استباقية لمكافحته.
وهناك من قال إن التحور يعني ضعف الفيروس.
واعتبر الدكتور أمين سليم الرئيس السابق لمخبر تحاليل الجراثيم في مستشفى شارل نيكول، أنّ الدراسات التي تفيد بأنّ السلالات الجديدة لكورونا دليل على بداية ضعف الفيروس وأنّه في النهاية سيصبح أقرب للنزلة الموسمية، هي من بين السيناريوهات الكثيرة المطروحة لكنها تبقى غير مؤكّدة بنسبة المائة بالمائة، وفق قوله.
وأوضح أنّ الفيروس يحاول من خلال إعادة نسخ نفسه في سلالات جديدة ''تضليل'' جهاز المناعة للتسلّل والتغلغل في خلايا الجسم، مشيرا إلى أنّ المخابر تعمل على إدخال تغييرات على تركيبة التلاقيح المضادة لفيروس كورونا، حتى تتلاءم مع السلالات الجديدة.
لكن مسؤولي منظمة منظمة الصحة العالمية حذروا من عدم وجود دليل علمي يدعم ما يقال حول وجود سلالات جديدة أضعف من فيروس كورونا.
ويقول مارك كاميرون، الأستاذ المشارك في علوم السكان والصحة الكمية في كلية الطب بجامعة كيس ويسترن ريزيرف الأمريكية، إن الأمر قد يستغرق أجيالًا لإجراء تغير جيني كافٍ لإضعاف فيروس التاجي بشكل كبير.
الدكتور بوب لاهيتا، الأستاذ في جامعة نيويورك الطبية، ورئيس مستشفى سانت جوزيف الجامعي، قال في مقابلة خاصة مع "موقع سكاي نيوز عربية"، إن هناك "احتمالا كبيرا بأن تضعف الطفرات فعالية فيروس كورونا المستجد، لكن الأمر لا يزال موضع بحث ونقاش، فمن منظور تطوري تتحور الفيروسات لتصبح أقوى، وهذا ما يفسر اشتداد عدوى كوفيد-19" في مناطق اكتشاف الطفرات الجديدة".
ويقول الدكتور أمجد الحداد، رئيس قسم الحساسية والمناعة بالمصل واللقاح، إن تحور كورونا في الفترة الأخيرة جعله أقل قوة وانتشارًا، وإن الفيروس كلما انتقل من شخص لآخر فقد جزءًا من محتواه الجيني، وبالتالي يؤدي ذلك لضعفه.
ويقول الدكتور محمد أحمد أستاذ علم الفيروسات بالمركز القومي للبحوث في مصر، إن التحورات التي حدثت للفيروس لن تؤثر على استجابة الفيروس للأجسام المضادة الناتجة عن عمليات التحصين، مؤكدًا أنه ما زال الفيروس نوعا واحدا بل كل التأثير للطفرات هي سرعة الانتشار ولم يؤثر هذا التحور على الأعراض أو درجة الإعياء الشديد.