مجتمع

عامر فرسو... سوري يكتب الفن بأسلوب خاص منبثق من روح التاريخ وسحر الطبيعة.. صور

كاتب وفنان تشكيلي ورسام، يطرح فكرة مع كل فن إبداعي يخلقه بأسلوبه المميز، والذي يطفيه على لوحات رسمها ليعطي من خلاله مجريات التاريخ بقراءتها، لا عبر الكلمات والحروف، بل عن طريق لوحة فنية مصنوعة بحرفية عالية ينبعث منها أصالة وقدم الماضي، من حضن الطبيعة المعطاء.
Sputnik

عامر فرسو.. سوري، من مواليد 1975، في مدينة عامودا التابعة لمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا.

عامر فرسو... سوري يكتب الفن بأسلوب خاص منبثق من روح التاريخ وسحر الطبيعة.. صور

التقت وكالة "سبوتنيك" مع الفنان فرسو، ليحدثها عن فنه وعن الأسلوب الذي تفرد به وعن حياته، وأهم إنجازاته، حيث يقول:

لعل صدفة عدم توفر آلة موسيقية في البيت لعبت دوراً في ذلك، ففي مرحلة الطفولة يتوجّه اهتمام الطفل إلى ما هو متوفّر في بيئته، ورغم حبّي للموسيقى فإن عدم وجود آلة موسيقية في البيت دفعني إلى الاهتمام بما توفّره البيئة من البقايا الطبيعية، التي من خلالها، كنت أشكّل أجساماً تحاكي ما أفكر به، أو ما أشاهده في بيئة الطفولة.

ويضيف: "فقد أخذ الصلصال يجذبني لتشكيل دمىً حيوانيّة – تعبيريّة، من دون الاهتمام بقواعد التشريح الفني، إضافة إلى الألوان التي كنت أصنعها من الورود والأزهار التي تجود به فصل الربيع في سهول الجزيرة، وهكذا تهيّأت، وتشكّلت الرغبة الفنيّة في عالم الطفولة، ومنها بدأت الخطوة الأولى.

عامر فرسو... سوري يكتب الفن بأسلوب خاص منبثق من روح التاريخ وسحر الطبيعة.. صور

ويتابع قائلا: "وفيما يخصّ الكتابة، والتأليف فإن توفّر مكتبة منزليّة احتوت على عشرات الكتب الأدبية والسياسية والتاريخية أتاحت لي التعرف مبكّراً إلى عالم الكلمة والخيال، فساهمت تلك البيئة في تشكيل القدرة التعبيريّة من خلال الكلمة، وحبك رؤى الطفولة في قصص تبلورت في مراحل الدراسة الأولى، ومن ثم بدأت بتأليف المسرحيات والقصص، والاحتفاظ بها؛ دون أن أحظى بفرص الطباعة والنشر، وخاصة في تلك السنين التي سبقت نهاية الألفية الثانية، لأسباب ذاتيّة، وأخرى موضوعيّة، من قبيل عدم توفّر حرية الفكر والتعبير، ولا سيّما أن الأفكار التي كانت ترد في تلك المسرحيات والقصص  كانت في أغلبها ذات أبعاد سياسية، من خلال الرمزية والإيحاء والتورية، التي ما كانت تعبر مقصّ الرقابة بسلام، إلا بصعوبة، وفيما ندر".

عامر فرسو... سوري يكتب الفن بأسلوب خاص منبثق من روح التاريخ وسحر الطبيعة.. صور

ويوضح: "بسبب عدم اهتمام  المناهج التعليمية بالقيمة الفنيّة والمعرفية للآثار والنقوش في مراحلها التصويرية، توجّهت إلى الاستعانة بالأختام الأثرية، والتي لا تتجاوز أبعادها 3 سم، وتحويلها إلى لوحة فنية بأبعاد تتجاوز مترين، وإبراز التفاصيل الجمالية للنقوش الظاهرة على تلك الأختام، مع الإضاءة المعرفية، من خلال البيانات المرفقة، وكذلك إعادة توثيق تلك النقوش بأمانة  للمحتوى العلمي والتاريخي للمادة، واخترت بداية تحويل النقوش والآثار المحيطة في البيئة الكردية التي أنتمي إليها إلى لوحات فنية، فاستعنت بالمراجع التاريخية، التي تقدّم صورا للآثار التي تنتمي إلى حقبة الحضارة الميديا، فنفذت 24 لوحة فنيّة، وهي حالياً مقتناة في متحف قه جاغ في مدينة دهوك – إقليم كردستان العراق، إضافة إلى تنفيذ عشرات اللوحات التي تعود إلى الفترة الهورية والميتانية، والتي تواجدت في أختام أوركيش – تل موزان، التي تتوسّط تقريبا المسافة ما بين مدينتي عامودا والقامشلي، في شرق سوريا، إضافة إلى بعض الرموز من تل براك، وواشوكاني – رأس العين، والتي تعود لذات الفترة الزمنية".

عامر فرسو... سوري يكتب الفن بأسلوب خاص منبثق من روح التاريخ وسحر الطبيعة.. صور

ويكمل: "توجهت في تنفيذ اللوحة الفنية إلى استخدام مواد وتقنية خاصة، أعتمد فيها على اللدائن الحرارية، وتشكيلها حسب خطوط الرسم التي أضعها أولا، ومن ثم العمل على تعتيق اللوحة بمواد بترولية تساعد على إظهار اللوحة كقطعة قديمة، وكذلك تمنح لها القدرة على مقاومة العوامل البيئية التي تؤثر في سطح اللوحة، وبالنتيجة تظهر اللوحة بخطوط ناتئة، أو نافرة، وتوحي بالقدم التاريخي، مع عدم إغفال الشرط الأساسي أثناء تنفيذ العمل، ألا وهو الأمانة التاريخية، من خلال عدم الزيادة، أو التعديل في خطوط الرسم".

عامر فرسو... سوري يكتب الفن بأسلوب خاص منبثق من روح التاريخ وسحر الطبيعة.. صور

وعن مشاركاته الفنية ومعارضه يقول فرسو: "شاركت في عدة معارض جماعية في مدينة عامودا والقامشلي، إضافة إلى معرض فردي في جمعية سوبارتو في القامشلي، سنة 2014، وكذلك معرض فردي في غاليري دهوك – إقليم كردستان العراق، سنة 2016، بلوحات تخصّ الحضارة الميديا في منطقة مزوبوتاميا، والتي اعتمدت في تنفيذها على كتاب "ميديا" للمؤلف الروسي دياكونوف - ترجمة د. وهبية شوكت محمد، كمرجع للمادة التاريخية وللرسومات، بعد مقارنتها ومطابقتها مع مراجع أخرى".

عامر فرسو... سوري يكتب الفن بأسلوب خاص منبثق من روح التاريخ وسحر الطبيعة.. صور

ويعتبر فرسو أن الأعمال الفنية في مناطقنا لا تقدم مردودا ماديا للفنان، ولا يمكن الاعتماد عليها، بسبب عدم توفّر ثقافة اقتناء اللوحة الفنية في المجتمع، ولسبب آخر، جدا مهم، وهو الأوضاع الاقتصادية المتردية لأغلب فئات المجتمع، في ظل الصراع الدائر منذ أكثر من عشر سنوات.

عامر فرسو... سوري يكتب الفن بأسلوب خاص منبثق من روح التاريخ وسحر الطبيعة.. صور

ويستطرد في هذا السياق: "نفذت كذلك عدة لوحات تعود للفترة الآشورية والبابلية، ولوحات تخصّ الحضارة المصرية القديمة، ولكن بسبب التكلفة المادية الكبيرة لتنفيذ اللوحات، ليس بالإمكان التوسّع في تنفيذ لوحات فنية تخصّ الحضارات المتعاقبة في سوريا، علماً أن مواقع أثرية مثل أوغاريت وتدمر وإيبلا وغيرها تستحق كل الاهتمام، والمتابعة الفنية، وإعادة التوثيق من خلال اللوحة، ولا سيما  بعد تعرّض أغلبها إلى التدمير والسرقة؛ بسبب إرهاب تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وما تعرّضت له مدينة تدمر والموصل خير مثال على ذلك".

عامر فرسو... سوري يكتب الفن بأسلوب خاص منبثق من روح التاريخ وسحر الطبيعة.. صور

عامر فرسو.. فبالإضافة إلى فن النحت والرسم الخاص به.. يؤلف الكتب والمسرحيات، حيث طبع مجموعة مسرحية بعنوان (الشاعر والجلّاد)، سنة 2010 بالإضافة إلى مجموعة قصص قصيرة جدا، بعنوان (سرّ البَقاء)، وهي المجموعة الفائزة بالمركز الأول في مسابقة ديوان العرب سنة 2016 في جمهورية مصر، ولديه عدة مخطوطات في القصة، والقصة القصيرة جداً، لم تطبع بعد. منها: (كواليس الحرب – دقيقة صمت - أمَّا بَعْدُ).

عامر فرسو... سوري يكتب الفن بأسلوب خاص منبثق من روح التاريخ وسحر الطبيعة.. صور

أما فيما يخصّ عدد اللوحات المنفّذة، فقد تجاوزت 100 لوحة، كان أهمها، على حد تعبير فرسو، لوحة فنية تظهر عربة للميديين، يجرّها فرس، من برسبوليس استيل – تعود للقرن الخامس قبل الميلاد، وطبعة ختم تعود للإله كوماربي، رئيس مجمع الآلهة في البانثيون الهوري، وهو يتجول في الجبال. عُثر عليها في أوركيش (تل موزان).

وعن الفنان السوري خصوصا، والواقع الذي يمر به، يقول فرسو موضحا: "قد تعود أسباب العزلة لدى الفنان السوري بشكل عام إلى حالة الصراع الدائرة، والتي تقصي وتهمّش الإبداع، وتبعده عن دائرة الاهتمامات والأولويات، إضافة إلى ما تخلفه آلة الحرب والقتل المستمرة على نفسية الفنان، وتداعياتها على شخصه ونتاجه الفني".

وفي الختام، يتمنى فرسو أن تحمل الكلمة حاملة القيم الإنسانية، وأن تكون سفيرة للسلام والمحبة بين مختلف لغات العالم ومجتمعاته، وأن تتحوّل اللوحة الفنية بما تزخر به من جمال إلى أهم المقتنيات التي تحيط بالإنسان، والتي تساهم في إذكاء روحه والارتقاء بها.

مناقشة