يرى مراقبون أن الوضع في اليمن يزداد تعقيدا مع مرور الوقت، ولن يجدي معه عمليات الترقيع، ويجب أن تكون هناك حلول لكل القضايا بالتوازي، ففي حال تركت الأمور كما هي فلن يعود اليمن سعيدا كما كان.
الخبير العسكري والإستراتيجي اليمني، العميد عزيز راشد، أكد أن الحديث عن الهدنة أو وقف إطلاق النار الذي يدور الحديث عنه ما هو إلا مناورة سعودية أمريكية، هناك فرق بين وقف إطلاق النار الفوري ووقف إطلاق النار للعمليات العسكرية البحرية والبرية والجوية، على سبيل المثال عندما صدر قرار مجلس الأمن 1701 والذي دعا لوقف إطلاق النار بين حزب الله والصهاينة "إسرائيل"، ترك الباب مفتوحا ولذلك استمرت العمليات الجوية والبحرية والأمر كذلك في سوريا والتي ما زال الكيان الصهيوني يخترق القرار الدولي وينفذ طلعات فوق الأراضي السورية.
الدروس المستفادة
وأشار راشد في حديثه لـ"سبوتنيك"، وبالتالي فإننا نعي الدروس جيدا، والجميع يعلم أن التحالف الذي تقوده السعودية فشل ولم يحقق أي من أهدافه بعد أن أطلق في العام 2015 ما سماه عاصفة الحزم ثم بعدها الأمل، وكانوا يرددون قادمون يا صنعاء، إذن الأهداف التي أعلنها ومنها الدخول إلى صنعاء وتغيير الواقع السياسي جميعها قد فشلت، واليوم يحاول دخول صنعاء بمشروع سياسي عن طريق المبادرة التي تقدموا بها، وأن يقوموا بتنفيذ ما خططوا له من مشروع الأقاليم الستة كما أراده السفير الأمريكي.
"لا تنازل عن الوحدة"
وأوضح الخبير الاستراتيجي، أن السعودية والإمارات ينظرون إلى الجنوب اليمني على أنه خارج أنصار الله وخارج الإرادة الثورية، وبالتالي هم اليوم يدعون إلى التقسيم ولكن القرارات الدولية وقرارات الأمم المتحدة تؤكد على وحدة اليمن، والشعب ما زال متمسكا بالوحدة، ولدينا أنصار في المحافظات الجنوبية وحتى سقطرى، فالمسألة معقدة جدا، فإن كانوا يدعون للسلام فنحن أحوج إليه منهم لإخراج اليمنيين من المعاناة التي يعيشونها، ونحن نرى أن ما هو بالسلم أفضل مما هو بالحرب.
ولفت إلى أن أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام وحزب البعث، لا نرضى بانفصال جزء من البلاد أو بما يسمى تقرير المصير، فعندما أراد البريطانيون تقسيم المملكة المصرية قاموا بوضع ما يسمى تقرير المصير قبل الجلاء ووافق المصريون على ذلك ولم يكونوا يعلموا أن السودانيين سوف يطالبون بالانفصال، فقد كان هناك اندماج وحدوي في دول وادي النيل، لن في النهاية انفصلت السودان عن مصر.
حلول مرفوضة
من جانبه وفي سياق معاكس قال، نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي الجنوبي، منصور صالح، إن أي توجه لفرض حلول للأزمة في اليمن على أساس بقاء الوحدة، ولو في أبسط أشكالها، لن يجد قبولا في الجنوب.
وأضاف لـ "سبوتنيك"، "طرح أي حلول على أساس بقاء الوحدة يجعل من خيار العنف والمواجهة خيارا قائما، ما يعني عدم تحقق حالة الاستقرار المنشودة في المنطقة".
وتابع: "الحديث عن المرجعيات الثلاث كأساس للحل في اليمن، لن يكون سوى تأسيس لمشروع حرب قادمة، فلا حل من وجهة نظر المجلس، سوى ذلك الذي يرتضيه شعب الجنوب ويقبل به، وأي شيء خلاف ذلك سيكون مضيعة للجهد والوقت وإطالة أمد الصراع".
وقال صالح: "إن المزاج الشعبي في الجنوب ضد الوحدة وهذا أمر يمكن ملاحظته بوضوح، بل إن مزاج واسع في الشارع الجنوبي يرفض حتى فكرة "يمننة" الجنوب، باعتبار أن هذا الأمر كان في الماضي القريب مدخلا لاحتلال أرضه، واستعباد شعبه، ونهب ثرواته باسم الوحدة".
"احتلال وليس وحدة"
وأشار إلى أن "اليمن لم يكن في يوم من الأيام دولة واحدة حتى يعتقد البعض أن حالة الاحتلال القائمة حاليا تمثل عودة لوضع طبيعي سابق، فكل ما تم في التاريخ القديم كان حالات احتلال لدويلات قوية، قامت في هذه الجغرافيا، لأخرى ضعيفة، وهكذا كلما شعرت دويلة بالقوة غزت جارتها، وفي كل ذلك لم يكن اسم اليمن موجودا، وفوق ذلك فإن مسمى اليمن لم يكن موجودا في الجنوب إلا بعد الاستقلال عن بريطانيا في ١٩٦٧، بفعل خطأ سياسي قاتل وعوامل لاعلاقة لها بالتاريخ".
ونوه صالح إلى أن:
"ما عاناه الجنوبيون خلال سنوات الوحدة مع اليمن، أحيا فيهم شعورا بأهمية التمسك بهويتهم الجنوبية العربية، وأن جيل جنوبي جديد، هو المولود في زمن الوحدة والاحتلال بات أكثر تشددا في التمسك بالهوية الجنوبية من الجيل السابق، وهو من يتزعم مشروع الرفض لأي شكل من أشكال ربط بلدهم باليمن باسم الوحدة التي علقت في أذهان الجنوبيين بكونها وحدة القتل والظلم والإقصاء والإفقار المتعمد الذي أعاد الجنوبيين عقودا طويلة إلى الوراء".
وأوضح القيادي الجنوبي: "على الرغم من الصعوبات والعراقيل والتحديات التي تواجه مشروع استعادة دولة الجنوب بهويتها العربية، إلا أن صعوبة فرض الوحدة على الجنوبيين من وجهة نظره تبدو أكبر، لأن الأخوة من النخب السياسية اليمنية، لم يتركوا مجال للجنوبيين في إمكانية التعايش معهم في بلد واحد يقوم على احترام حقوقهم، وخصوصيتهم وتميزهم ثقافيا واجتماعيا، بل مارست معهم سياسة القتل والنهب والإقصاء والاستعلاء".
وحول جهود المجتمع الدولي لوضع حلول للحرب والأزمة في اليمن قال القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي: "الحلول المطروحة لا تزال بعيدة عن فهم جوهر المشكلة واستيعاب الوضع في الجنوب، وكلها تصب في اتجاه وقف الحرب، وإبقاء الوضع على ماهو عليه، مع تعديلات طفيفة على الأرض بما يحفظ مصالح الدول والشركات العظمى التي تكونت في ظل سلطة الفساد اليمنية، التي اشترت الموقف الدولي الداعم للوحدة بمنحه امتيازات من ثروات الجنوب".
الأهداف الحقيقية
وتابع: "كل تلك الحلول لن تحقق سلاما دائما لا في الجنوب ولا في اليمن، ولا تخدم الشعبين الجارين اللذين واجها معاناة كثيرا من الحروب والظلم من قبل قوى النفوذ التي تشن الحروب باسم الوحدة، في حين أن أهدافها الحقيقية هي الثروات التي تعود مواردها الهائلة إلى جيوب الفاسدين من القيادات وأمراء الحرب"، مضيفا: "حتى الشعب في اليمن "الشمال" لم يستفد منها".
واعتبر القيادي الجنوبي أن المرحلة ملائمة جدا لأن يقف المجتمع الدولي موقفا داعما لحق الجنوبيين في استعادة دولتهم، وإعلان إنهاء الوحدة اليمنية التي قامت في مايو/ أيار 1990، بعد أن انتهت على الواقع، وأن تستعيد الدولتان السابقتان وضعهما القانوني، ويقيما علاقة طيبة تقوم على حسن الجوار والتعاون، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية من أجل تحقيق السلام، والانطلاق نحو البناء والتنمية، والاستفادة من الثروات والموارد الهائلة الموجودة في جغرافية البلدين".
وطمأن القيادي الجنوبي الشركات والدول الكبرى، بأن مصالحها في الجنوب بعد الاستقلال ستكون محفوظة ومحمية بالقانون وبعيدة عن كل أشكال الابتزاز والفساد التي كانت وما زالت قائمة حتى اللحظة، وأن الاتفاقات التي وقعتها هذه الشركات ستظل سارية طالما هي في إطارها القانوني السليم ومع مؤسسات الدولة".
ووقعت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي اتفاق مصالحة بوساطة سعودية بعد الأحداث الدامية بين الجانبين في أغسطس/ آب عام 2019، التي راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح، غادرت على إثرها الحكومة اليمنية العاصمة المؤقتة عدن.
وجرى التوقيع على الاتفاق في العاصمة السعودية الرياض، في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، برعاية الملك سلمان بن عبد العزيز، وحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي.
وبعد عدة أشهر تشكلت حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، إلا أن الخلافات دبت بين الطرفين مجددا حول العديد من الملفات وعلى رأسها سلطة اتخاذ القرارات.
وتقود السعودية، منذ مارس/ آذار 2015، تحالفا عسكريا من دول عربية وإسلامية، دعما للحكومة اليمنية المعترف بها، في سعيها لاستعادة العاصمة صنعاء ومناطق واسعة في اليمن، سيطرت عليها الجماعة أواخر 2014، وبالمقابل تنفذ "أنصار الله" هجمات بطائرات دون طيار، وصواريخ باليستية، وقوارب مفخخة؛ تستهدف قوات سعودية ويمنية داخل اليمن، وداخل أراضي المملكة.