وفي تسجيل صوتي مسرب، انتقد وزير الخارجية الإيراني، هيمنة قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني الراحل قاسم سليماني على الدبلوماسية الإيرانية، واعترف (ظريف) بأن تأثيره شخصيا على السياسة الخارجية الإيرانية كان في بعض الأحيان معدوما.
وجاءت هذه التصريحات خلال مقابلة اعترفت وزارة الخارجية الإيرانية بأن ظريف أجراها في مارس/ آذار الماضي، لكنها تقول إنه تم تشويهها من خلال اقتباسات انتقائية.
وقالت الوزارة إنه خلال المقابلة "تحدث الوزير ظريف باحترام وتقدير عن الجنرال سليماني وخلفيته وعلاقاته الوثيقة معه، كما أشاد بدوره في السلام وتخطيطه الإقليمي وحكمته وشجاعته".
خلل داخلي عميق
في الأساس، لم يكن التسريب من مقابلة صحفية، وإنما من حوار يتم مع جميع مسؤولي الحكومة لحفظه في أرشيفها بهدف نقله للحكومة القادمة لأخذ الفائدة معلومات منه، وهو الأمر الذي أثار ضجة أكبر في طهران حيث كان التسريب داخليا على ما يبدو.
التسريب ترتب عليه ردود فعل واسعة، حيث قرر البرلمان الإيراني استدعاء ظريف لحضور اجتماع مزمع عقده خلال أيام، قائلًا إن ذلك بغرض توضيح ما ورد في التسجيل الصوتي المسرب، والذي تضمن انتقادات لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري، الذي قتل أوائل العام الماضي بقصف موكبه قرب مطار بغداد الدولي.
وعلق الرئيس الإيراني حسن روحاني، اليوم الأربعاء، على التسريبات الصوتية لوزير الخارجية محمد جواد ظريف، قائلا: إنها تهدف إلى إحداث بلبلة خلال المحادثات المتعلقة ببرنامج إيران النووي.
وقال روحاني، إنه كان من المقرر بث قسم من مقابلة وزير الخارجية محمد جواد ظريف، التي سربت، والاحتفاظ بجزء منها للتاريخ، لا يطلع عليه إلا بعض المسؤولين، معتبرا أن من سرب التسجيل الصوتي "معاد لإيران ومصالح الشعب الوطنية".
وعلى الفور، أعلنت السلطة القضائية الإيرانية، يوم الثلاثاء، التحقيق بشأن تسريب الملف الصوتي للوزير، واعتبر المدعي العام في طهران أن "التهمة الرئيسية" في هذه القضية هي نشر ووضع معلومات سرية للدولة تحت تصرف أشخاص غير مؤهلين.
وفي نفس الوقت، طالب روحاني، ووزير الاستخبارات والأمن في حكومته، محمود علوي، بالتحقيق العاجل في كيفية نشر وتسريب مقابلة وزير الخارجية السرية إلى وسائل إعلام أجنبية. وتعهدت الحكومة بمحاسبة من يقف وراء التسريب.
علقت ابنة الجنرال الراحل زينب سليماني على الانتقادات الموجهة لوالدها بشكل مقتضب، لكن تعليقها بدا كرسالة بليغة وغاضبة من أسرة القائد العسكري، حيث نشرت الصورة الشهيرة ليد والدها بعد قصفه (بها الخاتم الذي أكد هويته) وكتبت عليها "تكلفة الميدان في سبيل الدبلوماسية".
حاول ظريف تدارك الأمر بالقول في منشور إنه طالما أشاد في الداخل والخارج بشجاعة وثبات وإنسانية القائد قاسم سليماني وسعيه للسلام. وقالت الوزارة إن ظريف تحدث خلال الحوار باحترام وتقدير عن سليماني وإنه يجب النظر لكلامه ككل وليس بشكل انتقائي.
تاريخ من إثارة الجدل
في الحقيقة ليست هذه المرة الأولى التي يثير فيها ظريف صخبا سياسيا يستدعي ردودا من الرأي العام بهذا الشكل، ففي أغسطس/ آب عام 2019، هدد وزير الخارجية بالاستقالة من مصبه بسبب مسلسل إيراني أذاعه التلفزيون الرسمي.
مسلسل "غاندو" ضم شخصية الوزير ظريف، حيث صورت في المسلسل على أنها شخصية سياسية مخترقة، تميل للغرب، فيما أظهر المسلسل وزارة الخارجية كأنها جهاز يعمل ضد المؤسسات الأمنية والمصالح الوطنية الإيرانية.
وهددت الحكومة الإيرانية بتقديم شكوى ضد مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ومسلسل "غاندو" لما يحمل من اتهامات خطيرة أبرزها تهمة التجسس ضد مسؤولين مهمين في الدولة الإيرانية.
المسلسل من إعداد مؤسسة الشهيد "آويني"، التي تخضع لإشراف "بسيج الإذاعة والتلفزيون"، التي يتولى إدارتها مهدي طائب شقيق رئيس استخبارات الحرس الثوري حسين طائب.
وبعث وزير الخارجية الإيراني، إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، علي خامنئي، برسالة احتجاج على ما جاء في مضمون المسلسل، قائلا: "حتى لو كان هناك جزء مما جاء في المسلسل صحيحا، فأنا لا أستحق شرعا البقاء في منصب وزارة الخارجية".
وجاء رد المرشد على رسالة ظريف مقتضبا، وقال خامنئي: "أنا لن أكون راضيا بإطلاق أي إهانة ضدك".
استقالة واستياء
ولم تكن تلك المرة الأولى لاستخدام سلاح الاستقالة، حيث أعلن ظريف استقالته من منصبه في فبراير/ شباط عام 2019، وقال في رسالة: "شكرا جزيلا لكرم الشعب الإيراني الطيب والشجاع، ولسلطاته على مدى الـ67 شهرا الماضية. أعتذر بصدق عن عدم القدرة على مواصلة الخدمة وعن جميع أوجه القصور أثناء الخدمة".
هذه الاستقالة جاءت على الأرجح بسبب وصول الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران واجتماعه بالرئيس حسن روحاني دون علم أو حضور ظريف.
وهو ما رد عليه الرئيس الإيراني، حسن روحاني، برسالة يؤكد فيها رفضه الاستقالة، فيما علق قائد فيلق القدس الراحل، قاسم سليماني، بالقول إن تلقى الدعم من كبار المسؤولين وعلى رأسهم المرشد الأعلى علي خامنئي شرف كبير.
وأضاف أن لظريف "إنجازات قيمة لتأمين المصالح القومية الإيرانية على عدة مستويات وهو تمتع بالدعم الكافي في طريق مقارعة أعداء إيران".
بعد رفض استقالته، قال ظريف في أول ظهور علني له إن :هؤلاء المعجبين بالغرب لا يمكنهم المضي قدما في الحياة دون الغرب، بالمقابل لدينا الكارهون للغرب أيضا وكلاهما محور حياتهما حول الغرب".
استأنف الوزير نشاطه الدبلوماسي، بعدما تلقى رسالة رئيس البلاد، حسن روحاني، التي أكد فيها رفضه قبول الاستقالة. وقالت وسائل إعلام إيرانية، إن وزير الخارجية تراجع عن استقالته بعد ذلك.