هل يتحقق شيء من تلك الزيارات ولماذا لم تضغط واشنطن على أديس أبابا إذا كانت جادة في حل الأزمة؟
يرى الباحث المصري في العلاقات الدولية، الدكتور أيمن سمير، أن التحركات الإقليمية التي تجري الآن في المنطقة والمتعلقة بأزمة سد النهضة، هي في غاية الأهمية، لأن دولتي المصب مصر والسودان تراهنان على المفاوضات، حيث اعتمدت القاهرة طوال السنوات العشر الماضية سياسة النفس الطويل والصبر الاستراتيجي في المفاوضات مع إثيوبيا.
تعنت إثيوبي
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن مصر قدمت في آخر جولة من المفاوضات، التي جرت في الكونغو 15 مقترحا للحل، لكن جميع المقترحات رفضت من الجانب الإثيوبي، في المقابل وافقت مصر على كل الأطروحات، التي قدمت من أطراف محايدة مثل وثيقة واشنطن في فبراير/ شباط 2019، التي قدمها البنك الدولي بالشراكة مع وزارة الخزانة الأمريكية.
وتابع خبير العلاقات الدولية، أنه رغم كل الإخفاقات والفشل، الذي منيت به كل جولات التفاوض السابقة بشأن سد النهضة إلا أن مصر لا تزال تؤمن بالديمقراطية والدبلوماسية والحوار وطاولة المفاوضات، وبالتالي مصر تراهن على أن تدرك إثيوبيا جدية المخاطر، التي تتعرض لها دولتي المصب، وأن تنحى منحى مختلف خلال الأسابيع القليلة القادمة، والتي تسبق مرحلة الملء الثاني للسد بصورة منفردة من جانب إثيوبيا.
المحاولة الأخيرة
وقال سمير، "من ناحيتي وعلى المستوى الشخصي، لا أعتقد أن إثيوبيا سوف تتراجع عن الملء الثاني، وربما تستخدم أديس أبابا ما تبقى من وقت قبل الملء الثاني في لغة إعلامية أكثر مرونة دون أن تنفذ شىء على الأرض، حيث أن إثيوبيا من وجهه نظري وضعت سياسة تقوم على فرض الأمر الواقع، والقيام بإجراءات أحادية، وضرب بأي مقترحات أو ضغوط عرض الحائط، وقد شاهدنا دول لهها علاقات خاصة مع إثيوبيا وطلبت منها التوقيع على اتفاق ملزم مع مصر والسودان، لكنها رفضت".
أكثر تعقيدا
من جانبه قال الخبير السوداني في شؤون المياه ودول حوض النيل الدكتور إبراهيم الأمين، أن موضوع سد النهضة أصبح أكثر تعقيدا مع مرور السنوات وظهرت أشياء لم تكن في الحسبان في بداية عملية التفاوض.
وأضاف الأمين في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "طبيعة الإثيوبيين أنهم لا يتراجعون عن الشىء الذي يقومون بعمله، لكن الضغوط يجب أن تستمر عليهم، لأنه يجب أن تكون هناك حلول تفاوضية في النهاية، مشيرا إلى أن الجهة الوحيدة التي تستطيع عمل شيء وإنجاح المفاوضات هى الولايات المتحدة الأمريكية".
وأكد الخبير السوداني، أن الحديث عن الجانب القانوني في أزمة سد النهضة هو جانب غير مضمون، لأنه لا توجد استراتيجية ثابتة لكل أحواض الأنهار الموجودة في العالم، واتفاقية 1997 تتحدث عن أشياء فضفاضة، لذا فإن القوانين الدولية الخاصة بالمياه تحمل عدة أوجه، مؤكدا على الحدوث القطعي للملء الثاني لسد النهضة بصورة منفردة من جانب إثيوبيا، وسوف يؤثر ذلك على هيبة كل من مصر والسودان، وأنها نفذت ما وعدت في الملء الثاني.
المبعوث الأمريكي
هذا ويصل اليوم، الأربعاء، إلى القاهرة المبعوث الأمريكي الخاص لمنطقة القرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، في مستهل جولة في المنطقة تشمل أيضا السودان وإثيوبيا وأريتريا، في مسعى قد يكون الأخير قبل إقدام إثيوبيا على عملية الملء الثاني لسد النهضة بشكل أحادي دون التشاور مع مصر والسودان بصفتهما دولتي المصب لنهر النيل.
تأتي جولة فيلتمان الإفريقية في الوقت الذي وصلت فيه أزمة سد النهضة للحافة، بإعلان إثيوبيا إصرارها على إتمام عملية الملء الثاني للسد بغض النظر عن التوصل لاتفاق مع دولتي المصب، مصر والسودان. وهو ما استدعى تصعيد في الخطاب وصل إلى تهديد السودان بالمطالبة بعودة إقليم بني شنقول، الذي يضم منطقة سد النهضة إلى السيادة السودانية.
حديث السفير زهران الذي سبقه مقال نشره في مجلة (فورين بوليسي) تضمن نفس المطالبة للولايات المتحدة، بدور أكبر في أزمة سد النهضة، معتبرا إياها الوحيدة القادرة على تحقيق اختراق للأزمة.
المحاولة الأمريكية قد تكون الأخيرة قبل الملء الثاني للسد، ولكنها ليست الأولى، فقد سعت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب الرعاية مفاوضات بين إثيوبيا ومصر والسودان، انتهت مطلع عام 2020 برفض إثيوبيا التوقيع على الاتفاق، الذي أسفرت عنه المفاوضات.
ومع اقتراب الملء الثاني لسد النهضة اتخذت مصر، التي تعاني أصلا من شح مائي، مجموعة من التدابير لترشيد استهلاك المياه، تحسبا لنقص محتمل في مواردها، حيث توسعت الحكومة المصرية في مشاريع تحلية المياه، وإعادة تدوير مياه الصرف الزراعي وتبطين الترع لمنع تسرب المياه في التربة، وتصل نسبة الفاقد في المياه في مصر إلى أكثر من 28 %، وتسعى الحكومة لتخفيضها، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وفشلت كل جولات المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا في التوصل لاتفاق حول قواعد ملء وتشغيل السد.
وكان أبرز تلك الجولات تلك التي عقدت في برعاية أمريكية، بدون توقيع اتفاق بين الدول الثلاثة، حيث رفضت أثيوبيا توقيع الاتفاق الذي توصلت إليه المفاوضات.
كما فشل الاتحاد الأفريقي على مدى ثلاث دورات برئاسة كلا من مصر وجنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية على التوالي، في دفع الدول الثلاث لإبرام اتفاق.
وبدأت إثيوبيا إنشاء سد النهضة عام 2011 على النيل الأزرق، وحاولت مصر خلال السنوات الماضية التوصل لاتفاق يحفظ حقوقها المائية عبر سلسلة من المفاوضات ضمت مصر وأثيوبيا والسودان بدون جدوى.
وتهدف إثيوبيا من بناء السد توليد طاقة كهربية لإتمام مشاريع تنموية، فيما تخشى مصر من أضرار السد بحصتها من مياه النيل والتي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنويا، تحصل على أغلبها من النيل الأزرق، بينما يخشى السودان من عدم انتظام تدفق مياه النيل ما سيؤثر على السدود التي أقامتها على مجرى النيل وقدرتها على توليد الكهرباء.