فالرئيس التونسي قيس سعيد لوّح أكثر من مرة بعدم ختم تعديلات القانون الأساسي للمحكمة التي يرى فيها خرقا لمقتضيات الدستور، وهو ما فتح سجالا سياسيا ودستوريا جديدا في الأوساط التونسية، خاصة بعد تلميح شقيق رئيس الجمهورية، أول أمس، بفرضية عدم ختم القانون.
لا خيار سوى الختم
ويرى أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق المختار في تصريح لـ"سبوتنيك"، أنه دستوريا "لا خيار لرئيس الجمهورية سوى الختم على تعديلات القانون الأساسي للمحكمة الدستورية ولا شيء غير الختم".
وأكد أنه "خلافا لما ذهب إليه بعض النواب أو خبراء القانون الدستوري فإنه لا يمكن لرئيس الدولة الطعن في دستورية مشروع القانون لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين".
أما من الناحية السياسية فأشار المختار إلى وجود خيارين، أولهما انصياع الرئيس لنص الدستور، "وهي خطوة ستعزز موقفه كرئيس دولة محمول عليه احترام الدستور وضمان حسن تطبيقه، ولكنها ستضعف في المقابل موقفه السياسي باعتبار أن ما قام به نواب الشعب بتوفير أغلبية 141 نائبا هي حركة التفافية ذكية جدا قلبت الموازين وجعلت رئيس الجمهورية في موقع احراج بدلا من البرلمان".
ويتمثل السيناريو الثاني في رفض رئيس الجمهورية ختم مشروع تنقيح القانون الأساسي للمحكمة الدستورية وهو ما كان ألمح إليه.
واعتبر المختار أن هذا الخيار يمكن توقعه في ظل التنازع السياسي الكبير بين أطراف الحكم في البلاد، قائلا "إذا ذهب رئيس الجمهورية في اتجاه الختم فإن ذلك سيعدّ خرقا منهجيا واضحا للدستور، وأظن أنه سيطور الأزمة الدستورية من أزمة في التأويل إلى أزمة في تطبيق النص الدستوري، وهو مستوى خطير جدا من الانسداد الدستوري الحاصل في البلاد".
ويرى أستاذ القانون الدستوري أن رئيس الجمهورية إذا بقي على هذه الوتيرة فإن شرعيته ومشروعيته ستصبحان على المحك.
فرضية الغاء القانون
بدورها، قالت أستاذة القانون الدستوري منى كريم لـ"سبوتنيك"، إن الخيارات التي في يد رئيس الجمهورية تقلصت، وأنه لم يعد بإمكانه التحرك خارج دائرة ختم مشروع القانون الذي أعاده إلى البرلمان وصادق عليه أعضاء مجلس نواب الشعب بأغلبية 141 صوتا.
وأضافت كريّم أنه "إذا لم يختم رئيس الجمهورية هذا القانون فإن الاشكال المطروح هو عدم وجود جزاء قانوني أو دستوري لعدم الختم في ظل غياب المحكمة دستورية التي تفصل في مثل هذه المواقف، مؤكدة أنه لا يمكن لأي طرف الطعن في قرار رئيس الجمهورية بما في ذلك البرلمان".
وبيّنت أن فرضية توجه رئيس الجمهورية إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين لم تعد ممكنة "لأن الطعن لم يقع في المرة الأولى ولا يمكن أن يقع في المرة الثانية خاصة وأن النواب أبقوا على مشروع القانون دون تعديلات".
وشددت كريّم على أن حديث رئيس الدولة عن انقضاء آجال ارساء المحكمة الدستورية غير جائز، قائلة "صحيح أن الدستور وضع آجالا ولا بد من احترامها ولكن إرساء هذا الهيكل الدستوري بصفة متأخرة أفضل من أن لا يتم ارسائها بتاتا.
خروقات في التصويت
ويبدو أن مسألة ختم الرئيس لهذا القانون من عدمه ليست المعضلة الوحيدة التي تحيط بهذا الملف، إذ تصاعد الحديث في الوسط البرلماني عن وجود خروقات بالجملة وتجاوزات شابت عملية التصويت على تعديلات المحكمة الدستورية، وثّقتها منظمة بوصلة التي تعنى بمراقبة العمل البرلماني.
وقال النائب عن الكتلة الديمقراطية نبيل حجي لـ "سبوتنيك" إن "الجلسة العامة كانت بمثابة عملية تحيّل على القانون وعلى النظام الداخلي للبرلمان".
وأضاف حجي أن "الخرق الثاني يتعلق بعقد الجلسة العامة برمتها، موضحا أن الاجراءات الاستثنائية لمجابهة فيروس كورونا تقتضي برمجة الجلسات العامة من طرف خلية الأزمة بموافقة ثلثيْ أعضائها وليس من طرف مكتب المجلس".
وبيّن أن "الترويكا البرلمانية التي تقودها حركة النهضة تجاوزت خلية الأزمة التي لا تمتلك فيها الأغلبية، على عكس مكتب المجلس الذي يسيطر عليه حلفائها".
وأشار إلى أن "رئيسة الجلسة سميرة الشواشي قررت في سابقة اجرائية التصويت على القانون برمته عوضا عن التصويت عليه فصلا بفصل، وهو خرق اجرائي للدستور وفقا للحجي الذي لفت أيضا إلى وجود تجاوز غير منطقي لمهلة التصويت على القانون التي كانت في حدود الساعة".
وقال حجي "حركة النهضة حكمت سبع سنوات ولم تسعَ يوما إلى إرساء المحكمة الدستورية، وهدف الترويكا البرلمانية ليس تمرير القانون بقدر ما هو مواصلة لمعركة كسر العظام مع رئيس الجمهورية وتهديده بغطاء وأسلحة قانونية ودستورية".
يذكر أن البرلمان التونسي قد صادق يوم الثلاثاء المنقضي الموافق لـ 04 أيار/مايو 2021، خلال جلسة ساخنة، على قراءة ثانية لمشروع تنقيح القانون الأساسي للمحكمة الدستورية بأغلبية 141 نائبا، وذلك بعد أن رفض رئيس الجمهورية القراءة الأولى.