تعيش "القبة الحديدية" التي أنشأتها إسرائيل في عام 2011 أقسى تجربة عملية تخوضها في تاريخها العسكري بالرغم من الترويج الكبير الذي رافق تأسيسها في وسائل الإعلام العالمية بشكل عام والإسرائيلية بشكل خاص.
القبة الحديدية تعيش "أزمة ثقة"
أشارت مصادر متخصصة بالشأن العسكري، إلى تسجيل إطلاق 1050 صاروخا من غرة بتاريخ 12 مايو/ أيار الماضي، رصدت القبة الحديدية 200 صاروخ منها فقط، في مؤشر كبير على "محدودية" عمل القبة، بحسب مجلة "militarywatch" المتخصصة بالشؤون العسكرية.
ونوهت المصادر إلى مشكلة أخرى أساسية تواجهها المنظومة تتمثل بالمشكلة المالية، حيث تبلغ تكلفة الصاروخ الواحد الخاص بها (أرض - جو) حوالي 40 ألف دولار، بمقابل تكلفة منخفضة جدا للصواريخ الفلسطينية، الأمر الذي يمثل عبئا ماليا كبيرا خصوصا أن القبة لا تستطيع الاعتراض بكفاءة 100%، بالإضافة إلى أن بعض الصواريخ الفلسطينية تتطلب عدة صواريخ لإسقاطها.
"تحييد جميع الصواريخ التي تم إطلاقها (بتاريخ 12 مايو أيار) سيكلف 42 مليون دولارا".
هل استغل الفلسطينيون "ثغرات القبة العمياء"؟
بحسب ورقة بحثية صدرت عام 2013، فإن رادارات القبة تحاول تقدير وجهة الصواريخ بعد انطلاقها، حيث أنها لا تستهدف الصواريخ التي تشير وجهتها إلى أنها ستسقط في مناطق مفتوحة، أي لا تسبب أضرارا، بحسب موقع "thehindu".
وأشار الخبراء إلى أن القبة الحديدية لديها "نقطة عمياء"، أو نقطة "التشبع" وتحدث عن تلقيها وابلا من الصواريخ المتواصلة.
"الصواريخ الإضافية التي يتم إطلاقها في وابل مزدحم يمكن أن تنجح في اختراق الدفاعات وإحداث أضرار".
ومن خلال تتبع الأحداث وطريقة عمل الفصائل الفلسطينية، يمكن ملاحظة رصد هذه الثغرات واستثمارها، من خلال اتباع سياسة "الاطلاق الجماعي" للصواريخ، أو حتى الصواريخ المتغيرة الوجهة، والتي قد يطلق عليها البعض بالصواريخ الفاشلة، حيث يمكن أن تعمل بمثابة "مشتت" لهذه المنظومة.
وبحسب المصادر، تعتمد حماس استراتيجيات أخرى مثل خفض مسارات الصواريخ (تطير بالقرب من سطح الأرض)، بالإضافة إلى الاستهداف المكثف والقصير، حيث لا تستطيع القبة التعامل مع الصواريخ المباشرة والقصيرة حيث يبلغ مدى القبة من 5 إلى 7 كيلومترا فقط.
استراتيجية الدوائر المتوسعة
تستخدم الفصائل الفلسطينية استراتيجية، أثبتت جدارتها سابقا، في عمليات تنفيذ الضغط العسكري المترافق مع الضغط السياسي، حيث يشير تتبع الأحداث إلى أنها تعمل وبشكل متسلسل على توسيع دائرة الأهداف من خلال الكشف عن صواريخ بنطاقات أوسع، في أسلوب مشابه للأسلوب الذي اتبعه حزب الله اللبناني عام 2006.
ونشرت شبكة "بي بي سي" صورة توضيحية أشارت فيها إلى نطاقات الصواريخ الفلسطينية وطرق توسعها، حيث تكشف الصور وجود 7 نطاقات أساسية بتمركز محورها في منصف غزة، لكنها في الوقت الحالي تغطي مساحة واسعة جدا حيث يصل الأخير إلى الحدود اللبنانية شمالا.
سوريا... رسالة "غامضة" على مرحلتين
اعتبرت مجلة "militarywatch" أن أول اختبار حقيقي واجهته القبة كان قبل أيام، عندما اخترق صاروخ أطلقته الدفاعات الجوية السورية، الذي وصف بـ"التائه"، القبة الحديدية ووصل إلى حدود مفاعل "ديمونا"، في حدث أثار موجة من التساؤلات في وسائل الإعلام الإسرائيلية، خصوصا عند الكشف عن فشل المنظومة بإسقاطه بعد عدة محاولات، لتبقى طبيعة الصاروخ "مجهولة" ومثيرة للجدل والتساؤلات.
ومع اندلاع المواجهات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، رصد تحركين عسكريين فقط من خارج الحدود، الأول أتى من الأراضي اللبنانية، أول أمس، عند انطلاق 3 صواريخ، لكن الرسالة الأخرى "الأكثر خطورة" (بالنسبة لإسرائيل) أتت من الجانب السوري، بعد إطلاق ثلاثة صواريخ أخرى.
وبالرغم من عدم صدور أي تصريح رسمي من الجانب السوري، بالنفي أو التأكيد، بعد مرور حوالي 24 ساعة على الحادثة، إلا أن الأمر يمكن اعتباره بمثابة الرسالة القوية التي وصلت، بالتأكيد، تل أبيب بعد سنوات من الاعتداءات على الجانب السوري، حيث تأتي الرسالة في الوقت الأكثر حرجا في الداخل الإسرائيلي.
تزامنت الصواريخ السورية، أمس، مع تصريحات أطلقها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج، خالد مشعل، حيث يمكن لمس المحاولات الحثيثة لإعادة العلاقات مع أحد أقوى الداعمين للقضية الفلسطينية عربيا، حين وصف مشعل فترة العلاقة مع دمشق بـ"الفترة الذهبية".
وبرغم العتب السوري الكبير بسبب موقف حماس من الأزمة السورية، وخصوصا موقف مشعل الذي منحته دمشق مكتبا ومنزلا في أرقى شوارع عاصمتها (أوتوستراد المزة بدمشق)، إلا أن محاولات الأطراف لإعادة المياه إلى مجاريها لم تتوقف (من إيران وحزب الله)، بحسب المعلومات التي نشرها موقع "npasyria" قبل شهر تقريبا. لكن دمشق لم تمنح بعد موافقتها لهذه العودة، فجرحها لم يلتئم بعد..
وقال مشعل في لقاء مع "روسيا اليوم": "مكثنا فترة في دمشق وكانت فترة ذهبية في الدعم الرسمي والشعبي، ونقدر ذلك لكن بعد الأزمة هناك، الظرف لم يعد متاحاً"، وتابع قائلا: "لكننا لا نعادي أحداً، ونتألم لما يجري في سوريا ونتمنى أن تبقى موحدة، وأن تستقر الدولة السورية لكل أبنائها، ولسنا طرفاً في أي أزمة".
المقال يعبر عن رأي كاتبه فقط