بوتين كان واضحا في أجوبته، كان صارما في كلماته، بشأن القضايا التي بدأ من خلالها الشرخ، والتي بسببها بادر (جو) إلى لقاء الأمس، فعم الصمت الجانب الأمريكي، مقابل سلاح استراتيجي روسي زعزع أركان واشنطن.
ومع أنه من الطبيعي أن يدافع الرؤساء والوفود كل عن مصلحة بلاده، ولكن الاختلاف كان بأن بوتين فعل ذلك بعقلانية، أما بايدن لم ينجح، بالرغم من اصطحابه لـ"أوراق الغش" التي شغلت منصات التواصل الاجتماعي، استهزاءً وليس إعجابا، أثناء اللقاء.
من لا يذكر كلمات الرئيس الأمريكي بحق الزعيم الروسي عندما نعته "بالقاتل"، الأمر الذي استدعى الناطقة الصحفية باسم البيت الأبيض للتوضيح، هل فعلا بايدن يعي ما قاله؟ .. بايدن عن بعد أجاب بأن بوتين سيحاسب، وعن قرب كانت أغلب أجوبته لأسئلة الصحفيين مفادها جملتين "اتفقت مع بوتين .. تحدثت مع بوتين".
وعن "مزاعم" واشنطن حول "تهديد الأمن الأوكراني"، ومناجاة زيلينسكي الناتو ليقوم بكبح "عدائية روسيا" قال بوتين: روسيا لديها التزاما واحدا فقط حيال أوكرانيا.. وهو تنفيذ اتفاقيات مينسك إذا كانت كييف جاهزة.
ويضيف الزعيم الروسي في هذا الصدد: روسيا تجري تدريبات عسكرية على أراضيها تمامًا مثل الولايات المتحدة لكن روسيا لا تجري مناورات وتسحب معداتها إلى حدود الولايات المتحدة.
وبشأن مزاعم "حامية حقوق الإنسان" حول المخالفات للقانون ألكسي نافالني، والذي قام باختلاس أموال، وحملت واشنطن كاهل حمايته، قال بوتين: "إن سجن غوانتانامو لا يزال موجودا رغم أنه لا يلتزم بأي قوانين.. فهو قيد التشغيل، على الرغم من أنه لا يتوافق مع القانون الأمريكي أو القانون الدولي، ولا الإنساني".
وحول المصادر الأمريكية التي "أكدت" تدخل روسيا بالانتخابات الأمريكية، قال الزعيم الروسي: معظم الهجمات الإلكترونية في العالم تأتي من الولايات المتحدة.
وأضاف بوتين بشأن الهجمات الإلكترونية على خط أنابيب غاز في الولايات المتحدة: لماذا توجد روسيا هنا يجب التخلص من التلميح.
وفي صريح العبارة، وأمام الجميع قال بوتين: الولايات المتحدة أعلنت روسيا خصمها وعدوها عام 2017 وقررت دعم المنظمات السياسية في روسيا.
وتمنى بوتين بأن تصبح القضايا، التي نوقشت في القمة مع بايدن بما في ذلك القطب الشمالي والأمن السيبراني، موضوع اتفاقيات.
أي أن الرئيس فلاديمير فلاديميروفيتش كان واضحا وعازما على إيجاد الحلول، وقام بإعطاء الإشارات لكل موضوع ساخن بين القطبين، لا بل وقام بعقد اجتماع مع الرئيس السويسري، ولم يبخل على الصحفيين بأي معلومة، أرادوا الحصول عليها.
وهنا أريد أن أنوه إلى الموقف من الصحافة، الحرية التي أظهرها فلاديمير بوتين في قرابة ساعة من الوقت، لقد سمح لجميع الصحفيين الأمريكيين والروس بالتواجد في المؤتمر الصحفي الخاص به، بل وأعطى كامل الوقت للصحافة الأجنبية (عن روسيا) بطرح الأسئلة، وظهر ذلك مع صحفي أمريكي سمح له بطرح 3 أسئلة، وصحفية كندية سمح لها بإعادة السؤال أكثر من مرة بعد وجود خطأ تقني في جهاز الترجمة.
أما الرئيس الأمريكي بايدن، فقد ظهر وهو يغادر مقر انعقاد القمة مع الرئيس الروسي بوتين في جنيف، بعدما استمرت الاجتماعات بين الجانبين لمدة 4 ساعات ونصف الساعة.
وفي مؤتمره الصحفي الخاص، والذي لم يستطع الحديث فيه لأكثر من 30 دقيقة، بدا جليا أن الصحفيين الأمريكان لا يحترمون رئيسهم، أو قد يكون خيب آمالهم كما آمال الشعب الأمريكي بحسب المغردين الأمريكيين على "تويتر" فما هي الأمور التي حلها "طالب القمة" جو بايدن؟ ماذا قال بايدن.. أو بالأحرى كيف أجاب بايدن؟
بايدن: أخبرت الرئيس بوتين أن أجندة واشنطن ليست ضد روسيا بل لمصلحة الشعب الأمريكي
بايدن: حقوق الإنسان يجب أن تكون دائما على طاولة المفاوضات مع روسيا
بايدن: اتفقت مع بوتين على ما يجب أن يعتبر خطوطا حمراء
بايدن: اتفقت مع بوتين على العمل معا لمنع إيران من حيازة سلاح نووي
بايدن: اجتماعي مع بوتين كان إيجابيا ولم تكن الأجواء مشحونة وأرسينا أرضية واضحة لكيفية التعامل مع روسيا
بايدن: تحدثت مع بوتين حول سوريا وأن الناس هناك تموت جوعا... حسنا، أليس هو من يحاصر سوريا بعقوبات بلاده التي تقوم بسرقة النفط السوري، من خلال تواجد غير شرعي على أراضيها؟
لغة الجسد الرئاسية
وقف بوتين أمام المنصة منفتحا للحديث، لم يقبض ساقيه ولا ذراعيه، جاهزا لكل إجابة يحاول الصحفيون أخذها، غير مرتبك.. وهنا دراسة عميقة لعلماء لغة الجسد باختصاص "كيف يقف الرؤساء" تجلت نتاجها في جنيف.. وكانت النتيجة بأن بايدن، الذي أربك ساقيه وذراعيه، بدا وكأنه، بحسب لغة الجسد، ضحية غايتها الدفاع عن نفسها، بدلاً من دعم موقف شعبه وبلده، وهذا فعلا ما كتبه أغلب المحللين السياسيين العالميين، بالإضافة إلى شعوره بالحر، قال بايدن: أريد أن أخلع معطفي. يزيل النظارة الشمسية ويعيدها أكثر من مرة.. فلم يوضح ما يريده، ولا حتى ما أراده، واكتفى بكلمة "الإيجابية" من لقاء، فازت به موسكو، بحسب ما قاله سلفه دونالد ترامب، مضيفا بأن الولايات المتحدة لم تحقق أي شي في القمة.
بايدن ترك الإبهام على كل القضايا الحساسة، أوضح لبوتين أن وفاة نافالني في السجن ستكون عواقبها وخيمة على روسيا.. ولكن هل أمريكا قادرة على إزالة عواقب سياساتها الداخلية كي تهدد روسيا بالعواقب؟.. فعواقب وفاة جورج فلويد تحت ركبة الشرطي الأمريكي ما تزال تلوح في الأفق!!
أما الرئيس بوتين، فقد ذكر ووفده بوضوح أفكارهم وحججهم، وأثبتوا وأظهروا ماهية المشكلة بين البلدين، وطرق الحل "الوحيدة".
وكما قال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسي، دميتري بيسكوف: إن المباحثات بين بوتين وبايدن جرت كما كان يتوقعها الجانب الروسي إلى حد كبير.
وفي النهاية.. إن أجوبة الرئيس بوتين جاءت مثلما توقعتها، ودائما نتائج المفاوضات تميل للأقوى، وكما يقول بوتين في شعاره: "رئيس قوي يعني روسيا قوية".
(المقال يعبر عن رأي كاتبه)