تتلقى تونس هذه الأيام الآلاف من جرعات اللقاح من عدة دول عربية وأجنبية في إطار مساعدتها على تجاوز أزمتها الصحية، فضلا عن مساعدات طبية تتمثل في تجهيزات وأسرة إنعاش وآلات أكسجين وكميات من الأدوية.
ويوم أمس، قدمت إلى تونس طائرتان عسكريتان فرنسية وأخرى مغربية محمّلتان بمعدات طبية وكميات من الأكسجين ومستلزمات لإنشاء مستشفى ميداني، وفقا لبيان صادر عن الرئاسة التونسية.
كما سبق وأن تلقت تونس مساعدات من مصر والسعودية والإمارات وقطر وتركيا وموريطانيا والجزائر، بينما تعهدت كل من الصين وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بتوفير نحو مليون و700 ألف جرعة في الفترة المقبلة.
وكان وزير الصحة التونسي فوزي مهدي قد صرّح بأن تونس حصلت على حوالي 4 مليون جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا متأتية من المساعدات الدولية التي قدمتها البلدان الشقيقة والصديقة، وأن هذه اللقاحات ستسهم في تسريع عملية التطعيم ومجابهة الموجة الوبائية الرابعة التي باتت تحصد أرواح مائتيْ مواطن تونسي يوميا وتصيب الآلاف منهم.
زيادة متوقعة في نسق التلقيح
أكدت عضو الحملة الوطنية للتلقيح إيناس فرادي لـ"سبوتنيك" أن الدولة التونسية تلقت 500 ألف جرعة لقاح من دولة الإمارات العربية المتحدة و250 ألف جرعة من دولة الجزائر و50 ألف جرعة من دولة تركيا.
وبيّنت أن تونس تلقت وعودا من عدة دول أخرى عربية وأجنبية للحصول على كميات هامة من اللقاحات، مضيفة أن وزارة الخارجية التونسية في متابعة متواصلة مع هذه الدول.
وقالت فرادي إن هذه المساعدات أتت في الوقت المناسب وستسهم في تسريع عملية التطعيم، بالتزامن مع الشراءات والمفاوضات التي أجرتها للحصول على كميات أخرى من اللقاح المضاد لكورونا.
وأفادت بأن تونس حصلت أمس على 198 ألف جرعة من لقاح فايزر في إطار الشراءات المباشرة، وأن البلاد ستستقبل ما بين 250 ألف و300 ألف جرعة كل أسبوع بهدف الحصول على 2 مليون جرعة بحلول شهرأغسطس/ آب أو سبتمبر/ أيلول القادم.
وأشارت إلى وجود 4 ملايين و300 ألف جرعة كتعهد من منظومة كوفاكس إزاء الدولة التونسية، من ضمنها 324 ألف جرعة من لقاح أسترازينيكا قدمت إلى تونس اليوم من الدولة الفرنسية في إطار كوفاكس. وأكدت فرادي أن هذه الكميات ستكون كافية لتطعيم نحو 20 بالمائة من الشعب التونسي.
وأكدت فرادي أنه سيتم التسريع حاليا في عملية التلقيح نظرا لارتفاع نسق التزود، مشيرة إلى أنه تم تطعيم 42 ألفا و933 مواطنا يوم أمس و27 ألفا و423 مواطنا اليوم إلى حدود اللحظة.
وتتوقع فرادي ارتفاعا ملحوظا في عدد الملقحين في الأيام المقبلة، خاصة مع تكثيف الفرق المتنقلة التي جابت محافظات سليانة وتطاوين بقيادة عناصر الجيش الوطني، مؤكدة أنه سيتم تكثيفها في محافظات أخرى.
مواصلة الدعم
وفي تصريح لـ"سبوتنيك"، ثمّنت وزيرة الصحة السابقة، رئيسة قسم الأمراض الصدرية في مستشفى الرابطة، سميرة مرعي، المد التضامني الواسع الذي حظيت به تونس، قائلة إن "الشعب التونسي الذي يخوض حربا قاسية ضد الوباء كان في أمس الحاجة إلى هذا التعاون الدولي".
وتوجّهت مرعي برسالة إلى الدول العربية والأجنبية من أجل مواصلة دعم تونس في مجابهة أزمتها الوبائية الحادة خاصة في ظل تزايد نسق الوفيات بوباء كورونا وارتفاع عدد الإصابات الذي بات يفوق طاقة استيعاب المستشفيات العمومية.
وبيّنت أن هذه المساعدات ستسهم في تخفيف عدد الوفيات وتمكّن القطاع الصحي من التعهد بعدد أكبر من المصابين بالكوفيد خاصة وأن المنظومة الصحية العمومية تعاني من نقص فادح في التزود بالأكسجين الذي ارتفع الطلب عليه يوميا.
وأشارت مرعي إلى أن المستشفيات الميدانية التي تم تركيزها في عدد من المناطق وخاصة منها الداخلية تفتقر إلى التجهيزات الطبية اللازمة للتكفل بالمرضى.
واستنكرت الدكتورة تأخر الدولة التونسية في جلب اللقاحات، قائلة إن الانقسامات والصراعات السياسية عطّلت مقاومة الجائحة وأخرت عملية التطعيم، حيث تلقى 6 بالمائة فقط من الشعب التونسي التلقيح، وهو ما اعتبرته مرعي فشلا ذريعا في إدارة الأزمة الوبائية.
ودعت المتحدثة الحكومة التونسية إلى إقرار حجر صحي شامل لمدة أسبوعين على الأقل لكسر حلقات العدوى وتمكين الطاقم الصحي من التقليص في مستوى الضغط على أقسام الانعاش والاستعجالي.
تقصير رسمي
يرى عميد الأطباء السابق سليم بن صالح، أن الوضع الوبائي الذي بلغته البلاد أكثر من كارثي وأن تونس تتجه نحو الهاوية، مشيرا إلى أن جل المستشفيات تعاني من نقص فادح في التزود بالأكسجين وهو ما يعرّض حياة المواطنين للخطر.
وأضاف محدثنا لـ"سبوتنيك" أن هذا الوضع ورغم خطورته البالغة لم يقابله التزام من المواطنين بالبروتوكول الصحي وبالإجراءات الوقائية، ولم يجابه بتدخلات صارمة من الدولة.
وتابع "للأسف حياة الشعب التونسي باتت رهينة لمساعدات دولية لا نعرف متى تصل وإلى أين يتم توجيهها ومتى يتم البدء في استخدامها"، مستنكرا عدم تلقي الآلاف من المواطنين ممن تزيد أعمارهم عن الخمسين سنة اللقاحات إلى حد اليوم في حين أن بلدانا أخرى بدأت في تلقيح فئة الشباب والأطفال وعادت تقريبا إلى الحياة الطبيعية.
وقال ابن صالح "إذا توفرت الأربعة مليون جرعة تلقيح المتأتية من المساعدات الدولية فإنها ستسهم بلا شك في تخفيف وطأة الوباء على المواطنين وخاصة إنقاذ أرواح الفئات العمرية المتقدمة في السن، لكن ذلك لا يمنع حاجة الدولة إلى حجز كميات من اللقاحات لتطعيم فئة الشباب والأطفال الذين أصبحوا بدورهم عرضة للخطر بعد دخول سلالة دلتا إلى البلاد".
كما انتقد ابن صالح بطء الدولة التونسية في توفير اللقاحات بحجة أن بعضها مازال في طور البحث، مشيرا إلى أن دولا أخرى على غرار اسرائيل اشترت اللقاحات حتى قبل المصادقة عليها من الهيئات الرسمية المختصة ودفعت 40 بالمائة من ثمنها.
وأضاف "الحكومة التونسية فضلا عن كونها لم تقم بواجبها في توفير اللقاحات لمواطنيها فهي رفضت أيضا تدخلات رجال الأعمال الذين أعربوا عن نيتهم في شراء اللقاحات للشعب وأكدت أن لديها الامكانيات المادية لذلك".
ويرى ابن صالح أن الاشكال لا يكمن فقط في اللقاحات وإنما في نقص العناصر البشرية الطبية، مشيرا إلى أن عدة مستشفيات تواجه صعوبات يومية في إيواء المصابين بفيروس كورونا ممن تعكرت حالتهم، وأن الدولة طلبت تطوع إطارات طبية دون أن توفر لهم مقابلا ماديا أو حتى وسائل حماية.
ووفقا لآخر الأرقام الرسمية التي نشرتها وزارة الصحة التونسية بتاريخ أول أمس، فقد بلغ عدد الوفيات بفيروس كورونا 17 ألفا و354، فيما ارتفع عدد المصابين إلى 540 ألفا و798 حالة مكتشفة.
ولم يتجاوز عدد التونسيين الذين تلقوا اللقاح المضاد لفيروس كورونا عتبة 2 مليون و304 أشخاص، استكمل منهم 755 ألفا و428 الجرعتين، بينما تلقى 109.383 تونسيا جرعة واحدة من اللقاح.