وأوضحت بقولها إنه باتت كل الدول تتابع باهتمام ما يحصل في السودان خلال الفترة الانتقالية التي تم تمديدها سابقاً، وحتى الدول الغربية تتابع، وهناك توقعات وتكهنات معينة حول مصير السودان بعد انتهاء الفترة الانتقالية المتمثلة بحكم المجلس السيادي، الذي هو الآن عبارة عن شراكة بين المكون المدني من جهة وفي مقدمته قوى الحرية والتغيير المعروف اختصاراً بـ(قحت) والمكون العسكري من جهة أخرى وهو قادم من المجلس العسكري الذي تولى زمام السلطة في السودان بعد الاطاحة بعمر البشير في عام 2019.
يترأس المجلس السيادي الانتقالي حالياً الفريق عبد الفتاح البرهان، والذي كان على رأس المجلس العسكري قبل ذاك، وقبلها كان ضابطاُ في الاستخبارات العسكري ابان حكم البشي، مما جعله ذو سمعة سيئة في الأوساط الشعبية السودانية، ولكن نظراً لموقعه الهام اليوم في هرم السلطة في السودان، فأعين الدول الغربية ومخابراتها وحتى صحافتها من الطبيعي أن توجه الى البرهان وتراقبه.
وصفت مجلة الإيكونوميست البريطانية رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، بأنه الرئيس الفعلي للسودان، وقامت بمقارنته مع أعضاء فاعلين اخرين في السلطة السودانية مثل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وكذلك نائب رئيس المجلس السيادي وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بلقب حميدتي.
وكانت الصحيفة قد أجرت سابقاً مقابلات مع هؤلاء معتبرةً اياهم أقوى الشخصيات في السودان الذي من المحتمل ان يتحول الى دولة ديمقراطية يوما ما، بحسب الصحيفة، ووصفت الصحيفة محمد حمدان دقلو بانه شخص ذو طموحات سلطوية ويعد من المنافسين الأساسيين على السلطة في السودان، وهذا التنافس سيحدد ما ان كان السودان سيتحول في نهاية المطاف الى دولة ديمقراطية ام لا.
وسلطت المجلة الضوء على التوترات العميقة الكامنة وراء التصريحات الجميلة ومظاهر الصداقة الحميمة بين كل من البرهان وحميدتي وحمدوك، وأشارت الصحيفة الى ان عبد الله حمدوك يشكل الحلقة الأضعف من بين المتنافسين وذلك على الرغم من مكانته الرسمية الهامة كرئيس للوزراء ووقوف الغرب خلفه داعماً، وعزت الصحيفة ضعف حمدوك الي عاملين أساسيين، وهما الانقسام الحاد جدا بين القوى المدنية التي خرج حمدوك منها، والتناحر والصراع السياسي بين الأحزاب وكذلك الى قوة العسكر المفرطة والتوافق فيما بينهم.
ووصلت الصحيفة إلى استنتاج مفاده أن عبد الفتاح البرهان هو الأقوى من بين الاطراف الثلاثة المتصارعة في الخفاء، وجائت بامثلة على قوته، ومن بينها عمله المؤثر على السياسة الخارجية للسودان، رغم ان مهمة العمل الدبلوماسي تقع على عاتق حمدوك وحكومته، وذكرت الصحيفة بدور البرهان في التقارب بين مصر والسودان واتصالاته بالمسؤولين المصريين وخصوصا ضباط الجيش المصري.
كما استطاع البرهان تأمين الحدود مع إثيوبيا التي تشهد اليوم نزاعات مسلحة وحرب أهليه، كما انه بحسب الصحيفة لعب دورا كبيرا في اعادة الهيبة للجيش السوداني، وكل هذه العوامل دفعت الصحيفة الى توقع أن يكون البرهان رئيساً مقبلاً للسودان وفق سيناريو يشبه السيناريو المصري، حيث يأتي البرهان بمظهر المنقذ للشعب من الأزمات الاقتصادية بعد فشل الحكومة المدنية. ونقلت المجلة عن ياسر عرمان قوله أن عبد الفتاح البرهان جنرال متمرس لعب على عامل الوقت من أجل تعزيز مكانة الجيش، وانه بات الآن أقوى من أي وقت مضى.
وبالتالي بات واضحاً أن الغرب ينظر للبرهان على أنه أحد الشخصيات المرشحة لتولي رئاسة السودان، بعد انتهاء فترة الحكم الانتقالي، لكن هذا الأمر يعني بقاء العسكر في الحكم الى أجل غير مسمى، وهذا أيضا يطرح تساؤلات كثيرة حول مصير ودور القوى المدنية مستقبلاً، وخصوصا أنها تستمر بإظهار نفسها أمام الغرب وأمام الشعب السوداني على أنها قوى مبتعثرة كل ما يهمها هو الصراع على السلطة والتناحر والكيد السياسي، وبالتالي تثبت القوى المدنية فشلها وعدم اهليتها للحكم بنظر الصحافة الغربية والتي تعكس النظرة العامة في الغرب.
وعلى ضوء ذلك من الطبيعي أن يظهر البرهان كمرشح لتولي الرئاسة مستقبلاً في السودان، ويبقى القرار الأخير بيد الشعب السوداني هل سيقرر المضي قدما ببناء دولة مدنية ديمقراطية ام سيقبل باستمرار الحكم العسكري الممثل بعبد الفتاح البرهان.