في الحقيقة لم تكن هذه النكسة موجعة للبنانيين وحدهم، فقد انفطرت قلوب العالم أجمع لها، لكن بطبيعة الحال ولأنها وقعت في هذا البلد، كان على اللبنانيين فقط أن يدفعوا ثمنها، والذي قدموه من دمائهم قبل استقرارهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
لسبب غير معلوم حتى الآن، انفجرت مئات الأطنان من نترات الأمونيوم المخزنة في أحد مستودعات مرفأ بيروت منذ سنوات، متسببة في غيامة دخانية تشبه تلك التي تخلفها الانفجارات النووية، ورغم فرق التأثير، فإن الخسائر كانت فادحة.
تسبب هذا الانفجار في مقتل 214 شخصا على الفور، بعضهم لم يستدل على أثره حتى، وإصابة 6500 شخص آخر، وتشرد 300 ألف مواطن، وامتد تأثير الانفجار إلى أغلب أحياء العاصمة اللبنانية حيث تضررت 73 ألف شقة.
وترتب عليه انفجارا آخر في الأوضاع السياسية والاقتصادية للبلد الذي يعني تدهورا من ذي قبل بالفعل. وفيما يلي استعراض لأهم الأحداث منذ وقوع الانفجار وحتى اليوم وفقا لصحيفة "ذا ناشونال".
التسلسل الزمني للأحداث
4 أغسطس 2020
وفقا لمؤشرات التحقيق الأولية، وقع الانفجار في العنبر 12 بمرفأ بيروت، وتسبب فيه 2750 طنا من نترات الأمونيوم المخزنة منذ عام 2014، في المرفأ.
8 أغسطس 2020
تظاهر الآلاف من المواطنين الغاضبين من قادتهم بسبب الانفجار، ووقعت اشتباكات مع قوات الأمن.
في اليوم التالي، تعهد المجتمع الدولي بحوالي 300 مليون دولار كمساعدات طارئة. ويتعهد بالوقوف إلى جانب لبنان، لكنه طالب بتوزيع المساعدات مباشرة على السكان وإجراء تحقيق شفاف في الانفجار.
10 أغسطس 2020
أعلنت حكومة رئيس الوزراء حسان دياب الاستقالة وتسيير الأعمال لحين تشكيل حكومة أخرى.
14 أغسطس 2020
عين مجلس القضاء الأعلى قاضي التحقيق العسكري فادي صوان لقيادة التحقيق في الانفجار.
17 أغسطس- 2 سبتمبر
أمر صوان باعتقال 25 من موظفي الميناء ومسؤولين من رتب متوسطة إلى منخفضة.
الأول من سبتمبر 2020
زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان، والتقى عددا من المواطنين والشخصيات العامة والمسؤولين، وتعهد بمساعدة بيروت، مطالبا القادة السياسيين بتجاوز خلافاتهم ووضع حدا لانهيار الدولة.
كما حدد خطة لإنقاذ البلاد تتضمن إجراء تحقيقات موسعة في المخالفات وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية.
22 أكتوبر 2020
تم ترشيح رئيس الوزراء سعد الحريري مرة أخرى لقيادة الحكومة، التي وعد بتشكيلها من الخبراء لوقف الانهيار الاقتصادي.
25 نوفمبر 2020
طالب صوان البرلمان بالتحقيق مع 12 وزيرا حاليا وسابقا لدورهم في الانفجار ثم إحالتهم إلى محكمة خاصة لمحاكمة الرؤساء والوزراء. لكن رئيس مجلس النواب نبيه بري رفض.
2 ديسمبر 2020
حث ماكرون السياسيين اللبنانيين على تشكيل حكومة. وبعد يومين، وضع المانحون الدوليون خطة استجابة للانفجار بقيمة 2.5 مليار دولار على مدار 18 شهرا، لكنهم حثوا على "إحراز تقدم موثوق في الإصلاحات" أولا.
10 ديسمبر 2020
اتهم صوان رئيس الوزراء المؤقت حسان دياب ووزير المالية السابق علي حسن خليل ووزيري الأشغال العامة السابق غازي زعيتر ويوسف فنيانوس بالإهمال.
رؤساء الوزراء السابقون، ومفتي لبنان، الذي يعد أعلى مرجعية دينية سنية في البلاد، وحزب الله، أعلنوا دعمهم السياسيي للمتهمين.
رفع زعيتر وخليل دعوى قضائية أمام محكمة النقض لإبعاد صوان من التحقيق، بدعوى أنه لم يكن محايدا ولا موضوعيًا. أوقف صوان تحقيقاته بالفعل.
18- 19 فبراير 2021
أمرت محكمة النقض بإبعاد صوان من التحقيقات. واستبدلته محكمة العدل العليا بالقاضي طارق بيطار، رئيس محكمة جنايات بيروت.
رفض بيطار المهمة عندما عُرضت عليه قبل ذلك في أغسطس، لكنه لم يقدم مزيدا من المعلومات في ذلك الوقت.
15 أبريل 2021
أمر بيطار بالإفراج عن ستة رهن الاعتقال السابق للمحاكمة.
23 يونيو 2021
أمر بيطار بالإفراج عن محتجزين اثنين آخرين، ليظل 17 شخصا رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة، والذي ليس له حد زمني.
2 يوليو 2021
طلب بيطار من البرلمان رفع الحصانة عن النواب والوزراء السابقين خليل وزعيتر ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق. لم يستجب البرلمان بعد وطلب المزيد من الأدلة من بيطار الذي رفض ذلك.
وطلب بيطار من وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي الإذن باستجواب اللواء عباس إبراهيم، رئيس الأمن العام، كما طلب من دياب استجواب رئيس أمن الدولة، طوني صليبا. واجهت طلباته إما رفضا أو تجاهلا.
14 يوليو 2021
أعلن الرئيس ميشال عون الرابع من أغسطس يوم حداد وطني.
15 يوليو 2021
تنحى رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري بعد تسعة أشهر من تكليفه بتشكيل الحكومة، حيث فشل خلال هذه الفترة في التوصل إلى اتفاق مع الرئيس عون حول الحكومة الممكن تشكيلها، ليبدو المشهد في لبنان مقبلا على مزيد من التأزم.
19 يوليو 2021
وقع ما لا يقل عن 28 نائبا من الأحزاب السياسية أمل وحزب الله وتيار المستقبل عريضة تسمح للبرلمان بتولي التحقيق من خلال إحالة المشتبه بهم إلى محكمة خاصة لمحاكمة الرؤساء والوزراء. عائلات الضحايا وبختهم عبر الإنترنت.
26 يوليو 2021
اختيار الملياردير ورئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي رئيسا جديدا لوزراء لبنان.
27 يوليو 2021
قال الحريري إنه يجب رفع الحصانة من الملاحقة القضائية عن رئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزراء والقضاة. وهذا يتطلب تعديل الدستور.
28 يوليو 2021
بناء على طلب بيطار، رفعت نقابة المحامين في بيروت الحصانات عن زعيتر وخليل. كما رفعت نقابة المحامين في طرابلس الحصانة عن فينيانوس.
لا يكفي ذلك للسماح بمقاضاتهم لأنهم أعضاء في البرلمان وما زالوا محميين بالحصانة البرلمانية. لكن قال نواب من التيار الوطني الحر إنهم سيطلبون من بري رفع الحصانة البرلمانية.
30 يوليو 2021
قدر تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالي اطلعت عليه وكالة "رويترز" أن كمية نترات الأمونيوم التي انفجرت في الميناء كانت 552 طنا، وذلك أقل بكثير من 2754 التي وصلت في عام 2013.
وقال الرئيس ميشال عون للنائب العام غسان عويدات إنه مستعد للإدلاء بتصريح بشأن انفجار الميناء وقال "لا أحد فوق القانون مهما كان ارتفاعه".
تبنى الاتحاد الأوروبي إطار عمل للعقوبات على السياسيين اللبنانيين لتقويضهم الديمقراطية وحكم القانون.
3 أغسطس 2021
قال زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل، وهو أيضا صهر الرئيس عون، إنه يجب رفع الحصانة البرلمانية عن النواب.
لبنان يصارع الجوع
لا تحل الذكرى السنوية الأولى لكارثة مرفأ بيروت، دون محاسبة المتسببين في هذا الخطأ الفادح أو حتى الكشف عنهم فحسب، وإنما تأتي واللبنانيون يعانون مر الحاجة بعد انهيار قيمة عملتهم وافتقار البلاد لاحتياجاتها الأساسية من السلع، ناهيك عن الخلاف السياسي الحاد.
تشهد لبنان بالفعل تدهورا اقتصاديا منذ عام 2019، وصفه البنك الدولي بأنه الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، حسبما ذكرت شبكة "فرانس 24"، ثم جاء الانفجار والأزمة السياسية المصاحبة له ليعمقان التدهور.
أكثر من نصف اللبنانيين باتوا تحت خط الفقر، وفقدت العملية المحلية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، وارتفعت أسعار المواد الأساسية بأكثر من 700% خلال عامين، وتواجه البلاد نقصا في توفير المواد البترولية والأدوية، علاوة على أزمة تحويل الأموال أو الحصول على الدولارات.
حذرت "اليونسيف"، الشهر الماضي، من أن أزمة المياه والمواد الغذائية ستكون الأسوأ إذا لم يضع السياسيون حدا للانهيار. قدرت المنظمة أن "معظم محطات ضخ المياه ستتوقف تدريجيا في مختلف أنحاء البلاد في غضون أربعة إلى ستة أسابيع".
دعت فرنسا إلى مؤتمر دولي، بالتعاون مع الأمم المتحدة، بهدف جمع 350 مليون دولار لتوفير حاجة سكان لبنان الأساسية والعاجلة، في ظل تدهور أوضاع البلاد.
عام من اللا شيء
قالت منظمة العفو الدولية في بيان لها بالتزامن مع الذكرى السنوية للانفجار، إن السلطات اللبنانية أمضت العام الماضي "دون خجل" في عرقلة بحث الضحايا عن الحقيقة والعدالة في أعقاب الانفجار الكارثي في الميناء في بيروت.
وأضافت في بيانها:
وعدت السلطات اللبنانية بإجراء تحقيق سريع. وبدلا من ذلك، قاموا بوقاحة بإعاقة وعرقلى العدالة عند كل منعطف.
وتابعت أن الحكومة اللبنانية "فشلت بشكل مأساوي" في حماية أرواح شعبها، تماما كما فشلت لفترة طويلة في حماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأساسية.
وأردفت "عبر صد محاولات القاضي لاستدعاء المسؤولين السياسيين، وجهت السلطة اللبنانية ضربة أخرى للشعب. بالنظر إلى حجم هذه المأساة، من المدهش أن نرى إلى أي مدى السلطات اللبنانية مستعدة للذهاب لحماية نفسها من التدقيق".
من جانبه قال مصطفى الطوسة، المحلل السياسي المقيم في فرنسا لـ"سبوتنيك" إن إيصال المساعدات للشعب اللبناني عبر المنظمات غير الحكومية سيكون عنوان المرحلة المقبلة، مع تنامي الغضب وخيبة الأمل والامتعاض الفرنسي والأوروبي من الطبقة السياسية اللبنانية.
وأشار إلى أن هذه الطبقة أظهرت عجزها وعدم قدرتها على تشكيل هذه الحكومة التي ينتظرها الكل من أجل تنفيذ الإجراءات الإصلاحية، وإعطاء الضوء الأخضر للدعم الدولي الحقيقي للبنان والاقتصاد اللبناني، على حد وصفه.
الحقيقة الغائبة
بعد عام لم يكن أقل مرارة من ألم الكارثة، لا زال اللبنانيون يبحثون عن إجابات لأسئلة؛ "لماذا مات أبناؤهم" و"من المذنب" و"لم التلكؤ"، آملين على جانب آخر في أن تكون هناك نهاية للتدهور والمعاناة.
لهذا يعول الجميع على رئيس الوزراء الجديد نبيل ميقاتي، في أن يكون القائد المناسب لهذا الاتجاه الإصلاحي، الذي من شأنه تخفيف غضب الشارع المشحون، لكن في ظل التركيبة السياسية المتشابكة في البلاد، من غير الواضح ما إذا كانت هذه المسيرة ستدوم أو ستنطلق من الأساس.