حيث أحدثت هذه الإجراءات الرئاسية شرخا واضحا في صفوف حركة النهضة التي طالما قدمت نفسها على أنها الحزب الأكثر تنظيما واستجابة لقرارات مكاتبه ومؤسساته المركزية. ووصلت الخلافات داخل النهضة حد مطالبة عدد من أعضائها بتغيير قيادات الحركة وتحميلها مسؤولية الفشل في الاستجابة لمتطلبات الشعب التونسي.
حزب "قلب تونس" لم ينجو هو الآخر من عاصفة الانقسامات، فبعد استقالة نائب رئيس الكتلة شيراز الشابي، التحق الناطق الرسمي باسم الحزب محمد الصادق جبنون بركب المنسحبين من قلب تونس، مكتفيا بالقول في تدوينة نشرها على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "أعلن عودتي مستقلا عن المجال السياسي".
خلاف في وجهات النظر
وصرّحت القيادية المستقيلة من حزب "قلب تونس"، شيراز الشابي، لـ"سبوتنيك"، أن أسباب انسحابها من الحزب تعود بالأساس إلى اختلاف في وجهات النظر مع قياداته.
وبيّنت أن هذا الخلاف يتعلق بطريقة إدارة الأزمة وتقييم أولويات المرحلة والتعامل مع أحداث 25 يوليو، مجددة مساندتها لإرادة الشعب التونسي.
وقالت الشابي إن الشعب بلغ درجة من الغضب على المكونات السياسية أوصلته إلى مهاجمة مقرات حزب حركة النهضة، مضيفة: "أصبح السلم الاجتماعي في خطر وكان من الممكن أن نصل إلى مرحلة لا تحمد عقباها".
واعتبرت القيادية السابقة في حزب "قلب تونس" أن رئيس الجمهورية اضطر إلى اتخاذ جملة من الاجراءات الاستثنائية لإيقاف تيار العنف رغم تعسفه في قراءة الفصل 80 من الدستور.
واعتبرت الشابي أن تحالف حزب قلب تونس مع حركة النهضة بني على أساس تكوين حزام سياسي صلب لحكومة هشام المشيشي التي هي في الأصل حكومة الرئيس، وأشارت إلى أن الحزب الذي كانت تنتمي إليه لم يشترك مع حركة النهضة في أي برامج.
تغير في الخارطة الجيوسياسية
ويرى المحلل السياسي، فتحي الورفلي، في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الاستقالات التي عصفت بحزب "قلب تونس" هي نتاج طبيعي للتحالفات المتناقضة التي أبرمها هذا الحزب مع بعض المكونات السياسية.
وأضاف: "حزب قلب تونس قدم نفسه للناخبين على أنه بديل للأحزاب التقليدية التي فشلت في ترجمة متطلبات الشعب الاجتماعية والاقتصادية ومن بينها حركة النهضة، ثم سارع إلى عقد تحالف معها بناء على مصالح ذاتية".
وقال الورفلي إن تونس ستشهد تغيرا ملحوظا في الخارطة الجيوسياسية بعد أحداث 25 يوليو، وأن العديد من الأحزاب ستفقد شعبيتها بعد أن عبر الشعب التونسي عن غضبه من المنظومة القديمة ورغبته في القطع معها.
وبين الورفلي أن منسوب الثقة في بعض الأحزاب لن يتراجع فقط على مستوى الناخبين وإنما حتى على مستوى أعضائها وقياداتها، مستدلا على ذلك بالانشقاقات التي عصفت بحركة النهضة والتي أفقدتها العديد من الوجوه البارزة.
واعتبر المتحدث أن على الأحزاب السياسية سواء التي كانت في السلطة أو المعارضة أن تراجع سياساتها وخياراتها وأن تلتقط الرسالة التي أفصح عنها الشعب في احتجاجات يوليو.
مخاض حزبي عسير
بدوره، قال المحلل السياسي، بولبابة سالم، لـ"سبوتنيك"، إن أحداث 25 يوليو ستلقي بظلالها على الأحزاب السياسية التي تعيش مخاضا عسيرا كشفته الخلافات الأخيرة التي شقت صفوفها.
واعتبر سالم أن أحداث 25 يوليو كشفت عن طبقة انتهازية من السياسيين الذين دخلوا مجال السياسة من أجل المناصب وخدمة المصالح الضيقة بدلا عن المصلحة الوطنية، مشيرا إلى أن بعض القيادات الحزبية غيرت موقفها من قرارات الرئيس بعد أن كانت تصفها بالانقلاب وذلك إما بحثا عن تموقع جديد أو خوفا من المحاسبة.
ويرى بولبابة أن الأحداث الأخيرة لن تؤثر فقط على الحزام السياسي الذي كان يدعم الحكومة وإنما أيضا على أحزاب المعارضة، على غرار حركة الشعب التي ساندت الرئيس مساندة عمياء وتحولت إلى ناطق رسمي باسمه دون النظر تبعات إمساك الرئيس بجميع السلطات.
وتابع: "تبعات أحداث 25 يوليو ستنسحب أيضا على الحزب الدستوري الحر الذي بنى موقفه المساند للرئيس على فرضية عداء هذا الأخير مع حركة النهضة في حين أن توجّه الرئيس يقوم على إلغاء جميع الأحزاب أو تجاهلها تماما سلطة ومعارضة".
وفي هذا الصدد، قال الكاتب والمحلل السياسي، فاضل الطياشي، إن عزل الأحزاب سياسيا قرار غير صحي للتجربة الديمقراطية، وأن الأحزاب يجب أن تواصل لعب دورها في الساحة السياسية مع مراجعة خياراتها مراجعة عميقة.
وأضاف لـ"سبوتنيك" أن الأحزاب التي كانت مسيطرة على المشهد السياسي ستجد صعوبة في استعادة ثقة الشعب التونسي الذي يصنفها على أنها تغرد خارج سرب اهتماماته وتغلب مصالحها الشخصية وحساباتها الحزبية على الأفكار والبرامج الإصلاحية.
ويرى الطياشي أن المكونات السياسية باتت مطالبة أكثر من أي وقت مضى ببذل جهود كبرى لاسترجاع أنصارها وقواعدها الانتخابية إذا ما كانت ترغب في البقاء في المشهد السياسي المقبل، خاصة وأن الفكرة التي بدأت تتشكل في ذهن التونسيين هي أن الدولة يمكنها أن تمسك بزمام الأمور اقتصاديا واجتماعيا دون الحاجة إلى برلمان أو أحزاب.