يرى مراقبون أن المجلس الانتقالي كان يعلم جيدا قبل الدعوة أنها لن تجد قبولا أو رفضا مطلقا، وأنه أراد من ورائها إظهار قيادته لبعض المناطق في الجنوب وأنه الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه في المعادلة السياسية اليمنية، لذا لا يمكن الحكم على الدعوة بالفشل أو النجاح، لأن أهدافها السياسية أكبر بكثير من تحقيق المكاسب على الأرض، الأمر الذي يعني أن الانتقالي بدأ يجيد فن اللعب على أوتار السياسة العالمية، خصوصا بعد تجمد المعادلة السياسية مع الشرعية المتمثلة في اتفاق الرياض.
رئيس اللجنة السياسية في مجلس الحراك الثوري الجنوبي باليمن، الدكتور محمد عبد الهادي، يرى أن دعوة المجلس الانتقالي القوى الجنوبية للحوار، جاءت عبر رسائل الواتس آب ولم تكن دعوات رسمية بالمعنى المتعارف عليه، ونحن في الحراك الثوري طلبنا منهم إرسال دعوة رسمية تشتمل على نقاط محددة، من بينها آلية الحوار وسقفه الزمني ولم يتم الرد، وكما علمنا هناك الكثير من الأحزاب والمكونات السياسية رفضت أو اعتذرت، وبعضها طرح أسباب عدم المشاركة.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": إذا كنا نريد حوارا ناجحا لا يلحق بالحوارات السابقة، هناك أمور أساسية يجب توافرها من بينها، وضع أهداف ومرتكزات وآلية وسقف زمني لهذا الحوار، أما الحوار المفتوح من أجل الحوار وبدون سقف زمني، هذا أمر غير مجدي، بل قد يساعد في زيادة عمليات الاحتقان القائمة بين القوى الجنوبية والمجلس الانتقالي لاحقا.
وتابع رئيس اللجنة السياسية: الآن بدأ التشكيك من قبل بعض المكونات السياسية في عدن عبر بيانات أصدروها، بأن المجلس الانتقالي يريد إرسال رسالة للمنطقة والعالم بأنه صاحب الدعوة والممثل الوحيد للجنوب وأن باقي الكيانات والأحزاب السياسية تابعة له، وعلى الجانب الآخر يرى البعض أن الانتقالي من خلال دعواته للحوار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أثبت صراحة بأنه ليس ممثلا وحيدا للجنوب، طالما يريد من الأطراف الأخرى الاشتراك معه في الحوار.
وتساءل عبد الهادي، عن الإجراءات التي قام بها المجلس من أجل تهيئة المناخ لهذا الحوار، بأن قام بإبداء حسن النية عن طريق إطلاق سراح المختطفين والمعتقلين قسرا ولم يقدموا لمحاكمات عادلة حتى الآن، ومصير عسكرة مدينة عدن ونهب وسرقة الأراضي تحت سمع وبصر المجلس، علاوة على ذلك، ماذا قدم المجلس للخدمات داخل عدن، لا أعتقد أن هناك شىء من الأمور السابقة تحقق حتى الآن.
وأكد أنه: "إذا كان الانتقالي يريد من الحوار أن يكون لافتة يحقق من ورائها أهدافا بعينها، فنحن لسنا مع هذا العمل، لا أحد ينكر الحوار الذي هو سمة حضارية وتحل كل الأمور في النهاية عن طريقه، هذا بالإضافة إلى أن الدعوة غير رسمية، فقد لا تكون الجهات الرسمية المصرية على علم بهذا الحوار، لأن معظم المدعوين مقيمين على أرض مصر، ونكرر أننا إلى الآن مع الحوار في حال استلام دعوة رسمية بها المحددات السابق ذكرها".
فشل ونجاح
من جانبه يرى رئيس مركز جهود للدراسات، الدكتور عبد الستار الشميري، بأنه يمكن القول بأن دعوة الانتقالي للحوار "الجنوبي- الجنوبي"، قد فشلت جزئيا ونجحت جزئيا أيضا، حيث أن الكثير من الشخصيات المنفردة غير الكيانات قد استجابوا لدعوة المجلس، كما أن الكثير من الكيانات السياسية والحزبية قد رفضوا تلك الدعوة، لكن الدعوة للحوار في حد ذاتها هى حالة إيجابية.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن: المجلس الانتقالي الآن أصبح حالة وظاهرة موجودة، وهو المعبر الأقوى وليس الوحيد، لكن لا يوجد كيان قوي يشابهه أو يوازيه في الجنوب ولا يمكن تجاوزه، صحيح أن هناك أشتات من قوى سياسية أخرى لا تزال بعيدة عن ظلاله، لكنها لن تستطيع تخطيه على كل المستويات المحلية والإقليمية، لذلك عندما يطلق المجلس مثل تلك الدعوات، أعتقد أنه يحسن صورته وأنه منفتح على الجميع وأن القضية الجنوبية في احتياج للكل.
وأكد الشميري أنه: "رغم كل التباينات والاختلافات والتفاصيل والتعقيدات الموجودة بين القوى السياسية الجنوبية، إلا أن المجلس يظل الرقم الصعب، لذلك يمكن القول أن هناك عدم رغبة لدى البعض للتعاطي مع دعوته للدخول في حوار، ومع ذلك هناك نوع من الإيجابية بأنه سوف يظل يطرق هذا الباب، وفي كل مرة سوف يكسب أنصارا جدد من الذين سوف ينضوون تحت لوائه، لأنه بدأ صغيرا بأفراد ومجموعات ووصل إلى ما هو عليه الآن من قوة سياسية أو عسكرية".
دعوة مكررة
أما رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية "الحراك الجنوبي السلمي"، عبد الكريم سالم الساعدي، فيرى أن دعوة الانتقالي مكررة وليست جديدة، وهذه تقريبا اللجنة الثالثة التي يشكلها الانتقالي، وللأسف تتكرر فيها نفس الأخطاء التي تفشلها وهي في المهد.
وتابع في حديث سابق لـ"سبوتنيك": "تأتي اللجنة الثالثة الجديدة في ظل ظروف سياسية معقدة على مستوى المشهد العام، وفي ظل صراع جنوبي- جنوبي يعلن عن نفسه في كل لحظة، و ظروف يمر بها مكون الانتقالي، تنوعت ما بين الاستقالات والانسحابات والانقسامات الداخلية، المبنية على أسس الرفض لانزواء هذا المكون في زوايا المناطقية المُظلمة، وكذلك الرفض لسياسات هذا المكون وكذلك الرفض للاستسلام المُذعن للدور الإقليمي الذي يُمارس على بعض شخوص قياداته".
وأكد الساعدي: "نحن في الحراك الجنوبي السلمي تجمع القوى المدنية الجنوبية، كنا ومازلنا ننادي بضرورة الحوار الوطني الجنوبي، وقد أوضحنا الأسس والثوابت والآليات التي يجب أن يقوم عليها هذا الحوار، والمتمثلة في ترك ممارسة القوامة على الحوار وتصحيح الأخطاء التي تساهم في خلق الفرقة الجنوبية على الأرض، والقبول بالتمثيل الوطني العادل لمحافظات الجنوب".
وتابع أنه: "وفقا للمساحة والسكان وسنظل متمسكين بهذه الشروط، لأننا سبق لنا في الجنوب وجربنا الاستقواء بالخارج ضد بعضنا، وفشلنا وحولنا وطننا إلى حديقة خلفية لمن استقوينا بهم ضد بعضنا، وجربنا اختطاف التمثيل والقرار الجنوبي عنوة وتصادمنا وتقاتلنا، وفي نهاية الأمر أيضا فشلنا، ولم يعد أمامنا اليوم، سوى أن نجرب التوافق فيما بيننا والقبول ببعضنا".
وأشار رئيس تجمع القوى المدنية، إلى ترحيبهم بالحوار الجنوبي المبني على الشروط التي تضمن له النجاح، وليس على أساس تشكيل اللجان الخاضعة لأمزجة ومشاريع الأحزاب والمكونات المتصارعة.
وتقود السعودية، منذ مارس/ آذار 2015، تحالفا عسكريا من دول عربية وإسلامية، دعما للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، في سعيها لاستعادة العاصمة صنعاء ومناطق واسعة في شمال وغرب اليمن، سيطرت عليها الجماعة أواخر 2014.
وبالمقابل تنفذ جماعة "أنصار الله" هجمات بطائرات بدون طيار، وصواريخ باليستية، وقوارب مفخخة؛ تستهدف قوات سعودية ويمنية داخل اليمن، وداخل أراضي المملكة.
واجتمعت أطراف النزاع في اليمن في ديسمبر/كانون الأول 2018، لأول مرة منذ عدة سنوات، على طاولة المفاوضات، التي نظمت تحت رعاية الأمم المتحدة في ستوكهولم. وتمكنت من التوصل إلى عدد من الاتفاقيات المهمة، لا سيما بشأن تبادل الأسرى، ووقف إطلاق النار في مدينة الحديدة الاستراتيجية ووضعها تحت سيطرة الأمم المتحدة.