لكن ما يميز الفنانين أن هذه الصعوبات و العراقيل تتحول في بعض الأحيان إلى جزء من العمل الفني الذي ينتجونه، الفنان التشكيلي التونسي عمار بالغيث حول كهفا في منطقة الدهماني من محافظة الكاف في اقصى الشمال الغربي إلى معرض لإنتاجاته الفنية ورغم ما تعانيه المنطقة من تهميش اقتصادي و ثقافي إلا أن المشروع أصبح مزار الكثيرين منذ سنوات.
تخرج عمار بالغيث في أواخر سبعينات القرن الماضي من المعهد العالي للفنون التشكيلية والهندسة المعمارية بتونس، عمل في العديد من المشاريع لكنه في النهاية عاد إلى الفن التشكيلي.
على الرغم من الخبرة التي اكتسبها بالغيث في مجاله إلا أن المعارض التي قدمها للتونسيين كانت قليلة مقارنة بالمعارض التي شارك فيها خارج تونس، ففي سنة 1996 قرر بالغيث استثمار جميع طاقته في إطلاق مشروع ثقافي يرتكز على مزاج الجهة الثقافي والخبرة التي غنمها على مدى سنوات.
مركز ثقافي بنمط جديد
على غير عادة المراكز الثقافية والتي عادة ما تكون في شكل عقار بأبواب وشبابيك ودهن اختار بالغيث الابتعاد عن هذه الصورة النمطية واستغلال أحد الكهوف التي كانت تقبع في أرض تعود ملكيتها له.
قضى عمار بالغيث أكثر من 15 سنة خارج البلاد تنقل فيها بين بلدان شرق أسيا لى غرار الصين الشعبية وتايلندا والفلبين واندونيسيا قبل أن يقرر العودة إلى الوطن، يقول بالغيث أن المركز على مدى هذه السنوات خلق نوعا من الوفاء لدى الزائرين ويضيف في حديثه لوكالة "سبوتنيك" هناك الكثير من الزائرين الذي يأتون للمركز واستثنائية المركز أنه يقع في كهف جعلت العديد من الزائرين يأتون لمعرفة هذا الموقع وبالعكس الموقع عرف بالمدينة الأثرية "ألتيبيروس" ويوجد الكهف في جبال "سراورتان" من منطقة "المدينة" التابعة لمعتمدية الدهماني بمحافظة الكاف، على بعد بعض أمتار من الموقع الأثري "ألتيبيروس"، اسم الامبراطور الروماني الثاني.
بدأ الحديث عن هذا المركز في وسائل الإعلام بداية من سنة 2002 و لكن تطور وسائل التواصل الإجتماعي عرفت أكثر بالمشروع وجعلت شهرته تصل إلى فئة الشباب.
يحتوي الكهف على عدد من المنتجات الفنية التي تعتمد فنا تشكيليا خاصا، يقول عمار بالغيث مفسرا هذا النوع من الفن "لقد إعتمدت"هناك نوع خاص من الرسم إشتغلت عليه خلال إقامتي خارج البلاد في السعودية وفي مدن شرق آسيا مثل الفلبين وتايلندا، هذا النوع من الرسم أسميته "اللانهاية " أو "اللوحة التي لا تنتهي" ويعتمد على فلسفة اللانهاية " و يعتمد هذا الفن عن إعتماد لوحتين ، يتم رسم اللوحة الأولى والبداية في اللوحة الثانية ثم يأتي رسام آخر ينهي الثانية و يبدأ في الثالثة وهكذا دواليك، ثم بعد ذلك يتم إنتاج لوحات تنتمي لبعضها البعض.
مسار سياحي متكامل
بعد سنوات من العمل تمكن صاحب مركز الفنون من خلق مسار سياحي كامل يبدـأ بالمركز الفني ويمر عبد المدينة الأثرية "ألتيبيروس"، لكن رغم المجهودات الفردية لمواطنين وفنانين أمثال عمار بالغيث لإضفاء الحركية و خلق حياة إقتصادية و ثقافية في المناطق المهمشة إلا أن دور الدولة يبقى غائبا في النهوض بهذه المناطق.
في تقييمه للحياة الثقافية في محافظة الكاف وتحديدا منطقة الدهماني يرى بالغيث أن الفن في جميع الدول الإسلامية يعاني مصاعب كبيرة بسبب موجة التكفير التي يعانيها منذ عقود مضيفا " في تقديري الوضع لا يختلف كثيرا بين المحافظات و المناطق، طالما لم تتغير نظرة المجتمع إلى الفن" .
في المقابل يرى بالغيث أن محافظة الكاف أرض خصبة ومعروفة تاريخيا بالإنتاج الثقافي على المستوى الوطني كما أنها أنتجت الكثير من الوجوه الفنية والثقافية في تونس.
مبادرات كثيرة أطلقها مواطنون و فنانون تونسيون من أجل تسليط الضوء على مناطق عانت و تعاني إلى اليوم تهميشها ممنهجا من الدولة منها المركز الثقافي جبل سمامة بمحافظة القصرين و كهف الفنون بمنطقة الدهماني، لكن هذه المبادرات تبقى ضعيفة أمام موجة التهميش التي تعيشها هذه المناطق و التي تجعلها خارج كل مخططات التنمية وهو ما يجعل تدخل الدولة أمرا مهما و عاجلا على الاقل لشجيع مثل هذه المبادرات على المضي قدما لخلق نوع من الحركية الثقافية التي تنتج غالبا حركية إقتصادية.