في السنوات الأخيرة، لوحظت ظاهرة مثيرة للقلق تتمثل في حدوث انخفاض كبير في الخصوبة في جميع أنحاء العالم الغربي، ونحو 15 في المئة من جميع الأزواج غير قادرين على الوصول إلى الحمل التلقائي.
تتنوع أسباب ذلك، وتشمل، من بين أمور أخرى، التعرض لمجموعة واسعة من المواد الكيميائية من مصادر مختلفة، تعطل النشاط الهرموني في الجسم.
وجدت دراسة إسرائيلية جديدة أن مجموعة واحدة من هذه المواد الكيميائية - الفثالات، الموجودة حولنا في جميع الأوقات في البلاستيك ومستحضرات التجميل وغيرها من المنتجات الاستهلاكية، حتى يكاد يكون من المستحيل تجنبها تماما - وجدت طريقها إلى مبايض المرأة، على ما نقل موقع "واللا" العبري.
الفثالات هي عائلة من المواد الكيميائية الاصطناعية تم تطويرها في القرن الماضي لاستخدامها في صناعات تصنيع البلاستيك (بشكل أساسي للتليين وزيادة المرونة) والمذيبات ومنتجات العناية، وبالتالي فهي موجودة في مجموعة واسعة من المنتجات التي نستخدمها يوميا، مثل البلاستيك التعبئة والتغليف (بما في ذلك تغليف المواد الغذائية)، ومنتجات التجميل، ومواد البناء، ومنتجات التنظيف، والمبيدات الحشرية، والعطور، ولعب الأطفال، والدهانات، والطلاء، والأجهزة الطبية والمنسوجات.
في الواقع، الفثالات شائعة جدا لدرجة أنها أُطلق عليها اسم "المادة الكيميائية في كل مكان".
تعتبر الفثالات مركبات معطلة للغدد الصماء (EDCs)، وهي مواد تحاكي أو تثبط نشاط الهرمونات المختلفة في جسم الإنسان، وبالتالي تعطل النشاط الهرموني الطبيعي في الجسم وتضعفه، من بين أمور أخرى، خصوبة الذكور والإناث.
على مر السنين، تراكمت الأدلة العلمية على أن الفثالات لها مجموعة متنوعة من الآثار السلبية على صحتنا جميعا، بدءا من التجارب التي أجريت على حيوانات المختبر، حيث وجد أنها تسبب مجموعة متنوعة من الاضطرابات الهرمونية (ضعف نمو الجهاز التناسلي الذكري، والتشوهات الخلقية للجهاز التناسلي والأعضاء التناسلية، وانخفاض مستويات هرمون التستوستيرون في مراحل البلوغ، البلوغ المبكر عند الإناث وانخفاض عدد الحيوانات المنوية لدى البالغين وكذلك انخفاض الوزن عند الولادة والولادة المبكرة.
التأثير السلبي للفثالات على الخصوبة
في السنوات الأخيرة، تراكمت المعرفة حول التأثير السلبي للفثالات على خصوبة الإناث.
في دراسة سابقة أجريت في عام 2017 في مستشفى شيبا قرب تل أبيب، من قبل باحثين أجرى بعضهم أيضا الدراسة الحالية، والتي شملت 136 امرأة خضعن لعمليات التلقيح الصناعي، تم العثور على أدلة لوجود 17 مستقلبا مختلفا من الفثالات (الفثالات التي تعرضت لتفكيك معين في الجسم) في بولهن.
ووجد أن كمية البويضات التي نضجت كجزء من العلاج التحضيري للتخصيب، وكذلك كمية البويضات التي تم تخصيبها بنجاح والأجنة السليمة الناتجة عن التلقيح الصناعي كانت أقل، كلما زاد تركيز ثلاثة من نواتج التحلل من الفثالات في بول المرأة المختبرة.
في الدراسة الجديدة، التي نُشرت مؤخرًا في المجلة العلمية Human Reproduction، حاول الباحثون أن يفهموا بالضبط كيف تؤثر الفثالات على خصوبة الإناث.
الدراسة عبارة عن تعاون دولي للباحثين من مركز شيبا الطبي ومركز روبين الأكاديمي وجامعات هارفارد وكولومبيا في الولايات المتحدة، وأدارتها البروفيسور رونيت ميتشتنغر، وهي طبيب أول في وحدة أطفال الأنابيب في مركز شيبا الطبي، والدكتور زوهار برنت يتسحاقي من كلية الهندسة ومركز أبحاث المعلومات الصحية في مركز روبين الأكاديمي.
بحث الباحثون عن أدلة على وجود الفثالات في السائل الجريبي (Follicular Fluids) التي تحيط بالبويضة قبل الإباضة.
واعتمدوا على عينات تم جمعها من 105 امرأة خلال عمليات التلقيح الصناعي في شيبا.
لم تكن النتائج مشجعة: من بين 12 نوعا مختلفا من مستقلبات الفثالات التي تم اختبارها، تم العثور على 11 نوعا في عينة واحدة على الأقل.
في السائل الجريبي لما لا يقل عن 76 في المئة من النساء، تم العثور على 7 أنواع مختلفة من مستقلبات الفثالات في وقت واحد، وفي 5 من الحالات، تم العثور على ما لا يقل عن 10 مستقلبات مختلفة من الفثالات. فقط في 2 من الحالات لم يتم العثور على مستقلبات الفثالات في السوائل الجريبية.
يقول برنت يتسحاقي: "من المفترض أن تزعجنا نتائج الدراسة جميعا... تم العثور على مادة كيميائية من صنع الإنسان في واحدة من أكثر الأماكن حساسية في الجسم".
ووفقا له "يجب أن تكون المنطقة المحيطة بالبويضة نظيفة قدر الإمكان حتى تتمكن البشرية من الاستمرار في التكاثر بشكل صحيح وعدم الانقراض - وفي هذه الدراسة نجد الفثالات التي من المعروف أنها تؤثر على عمليات نضج البويضات وخصوبة الإناث".
كيف تصل الفثالات إلى أعماق الجهاز التناسلي للأنثى؟
"الفثالات من العديد من المنتجات الاستهلاكية (على سبيل المثال مستحضرات التجميل) التي نتعرض لها تخترق الجسم من خلال المنتجات الاستهلاكية أو من خلال الطعام أو الشرب أو من خلال الهواء الذي نتنفسه - الفثالات موجودة في الهواء وأيضا في الغبار" ، يشرح ذلك برنت يتسحاقي.
ويضيف: "عثرت دراسات سابقة على وجود الفثالات في الدم، والفرضية هي أنها تنتقل عبر مجرى الدم إلى أعضاء ومناطق مختلفة في الجسم - بما في ذلك المبايض".