وفي مكالمة استمرت قرابة الربع ساعة في 23 يوليو/ تموز، ناقش الزعيمان المساعدات العسكرية والاستراتيجية السياسية وتكتيكات الرسائل، لكن ذلك لم يمنع سقوط الدولة كاملة تقريبا في يد المتمردين بعد نحو 3 أسابيع من هذه المكالمة التي اطلعت وكالة "رويترز" عليها.
رفض البيت الأبيض التعليق على المكالمة. قالت "رويترز" إنها استمعت لتسجيل المكالمة للتحقق من المحادثة وراجعت نصها، مشيرة إلى أن مقدم المواد اشترط عدم الكشف عن هويته.
في المكالمة، عرض الرئيس الأمريكي جو بايدن تقديم المساعدة للحكومة الأفغانية بشرط أن يكون لدى غني خطة للسيطرة على الوضع المتصاعد في أفغانستان، كما نصح غني بالحصول على دعم الأفغان الأقوياء لاستراتيجية عسكرية، ثم تعيين "محارب" مسؤولا عن ذلك، في إشارة إلى وزير الدفاع الجنرال بسم الله خان محمدي.
وقال بايدن: "سنواصل تقديم دعم جوي وثيق، إذا عرفنا ما هي الخطة". وقبل أيام من المكالمة بالفعل، نفذت الولايات المتحدة الأمريكية ضربات جوية لدعم قوات الأمن الأفغانية، في خطوة قالت حركة طالبان إنها تنتهك اتفاق الدوحة للسلام.
أشاد بايدن بالقوات المسلحة الأفغانية التي دربتها ومولتها الحكومة الأمريكية، حيث قال لغاني:
من الواضح أن لديك أفضل جيش. لديك 300 ألف من القوات المسلحة جيدا مقابل 70-80 ألفا ومن الواضح أنهم قادرون على القتال بشكل جيد.
ورغم ذلك كان انهيار الجيش الأفغاني مدوٍ واستسلم الأفراد لعناصر "طالبان" دون مقاومة في كثير من المواقع، وبعد أيام من المكالمة، بدأت الحركة التقدم سريعا والسيطرة على المدن والمراكز الحيوية في ظل مقاومة لا تذكر من الجيش.
وبحلول الخامس عشر من أغسطس/ آب، وصل مقاتلو التنظيم المتشدد إلى أعتاب العاصمة كابول، وبدؤوا مفاوضات مع الرئيس الأفغاني لتسيلم السلطة دون قتال، لكن جميع الأطراف فوجئت بفرار غني خارج البلاد.
دخل عناصر "طالبان" إلى العاصمة وسيطروا على المواقع الحيوية فيها بما في ذلك مبنى التلفزيون والقصر الرئاسي، لكن المطار الدولي ظل خاضعا لإدارة وسيطرة قوات أجنبية، لإتمام عمليات الإجلاء التي شملت أجانب وعشرات الآلاف من الأفغان الخائفين من المتشددين.
في غضون ذلك، شهد المطار وقائع مفزعة، بدأت بتساقط الأفغان المتشبثين بالطائرات الأمريكية أثناء تحليقها خوفا من أن يتركوا لحكم "طالبان"، ومرورا بالتفجير الغادر الذي نفذه تنظيم "داعش" في محيط المطار وتسبب في سقوط نحو 200 قتيل بينهم 13 جندي أمريكي.
ومع ذلك، لم يتوقع بايدن في كلمته حدوث تمرد هائل وانهيار بعد 23 يوما كالذي حدث بالفعل، وقال: "سنواصل القتال بقوة، دبلوماسيا، وسياسيا، واقتصاديا، للتأكد من أن حكومتك لن تبقى فحسب، بل ستستمر وتنمو".
بعد المكالمة، أصدر البيت الأبيض بيانا ركز على التزام بايدن بدعم قوات الأمن الأفغانية والإدارة التي تسعى للحصول على تمويل لأفغانستان من الكونغرس.
وفي نفس السياق، قال غني لبايدن إنه يعتقد أنه يمكن أن يكون هناك سلام إذا تمكن من "إعادة التوازن إلى الحل العسكري"، لكنه أضاف: "نحن بحاجة إلى التحرك بسرعة".
وتابع بالقول:
نحن نواجه غزوا واسع النطاق، مؤلفا من طالبان، والتخطيط الباكستاني الكامل والدعم اللوجستي، وما لا يقل عن 10 آلاف- 15 ألف إرهابي دولي، معظمهم من الباكستانيين.
أشار مسؤولون حكوميون أفغان وخبراء أمريكيون باستمرار إلى الدعم الباكستاني لطالبان، لكن السفارة الباكستانية في واشنطن نفت هذه المزاعم، وقال متحدث باسمها لـ"رويترز": "من الواضح أن أسطورة عبور مقاتلي طالبان من باكستان هي للأسف ذريعة وفكرة لاحقة روجها السيد أشرف غني لتبرير فشله في القيادة والحكم".
جاء آخر بيان علني من غني، الذي يُعتقد أنه موجود في الإمارات، في 18 أغسطس/ آب، عندما قال إنه فر من أفغانستان لمنع إراقة الدماء.
وحول كواليس فراره، قال السفير الأفغاني لدى طاجيكستان، محمد زهير أغبار، إن الرئيس أشرف غني دعا إلى عقد اجتماع طارئ للحكومة يوم خروجه من البلاد، مؤكدا أنه هرب بينما كان المسؤولون ينتظرونه، ولم يكن أحدا من نوابه يعلم أنه يخطط للفرار.
وأضاف السفير: "بحسب وزير الدفاع في حكومة غني (تحدثت معه شخصيا قبل الفرار)، اتصل مستشار أشرف غني بوزارة الدفاع وقال إنه سيعقد اجتماعا في الساعة الرابعة عصرا، جهزوا للاجتماع وانتظروه، لكن في هذا الوقت أقلعت ثلاث طائرات من مطار كابول على متنهم غني وأقاربه".
وكشفت السفارة الروسية في كابول لوكالة "سبوتنيك"، أن الرئيس الأفغاني، هرب من كابول مع سيارات مليئة بالأموال، بقي بعضها في المطار لعدم تمكنه من نقل الأموال كلها.
وقال السكرتير الصحفي للبعثة الدبلوماسية، نيكيتا إيشينكو: "خلال هروب غني؛ كانت هناك أربع سيارات مليئة بالمال، وجزء آخر من الأموال حاولوا وضعه في مروحية، لكنها لم تستوعبها، فبقي جزء من الأموال ملقى على أرض مدرج الإقلاع".
وهو ما أكده زهير أغبار الأربعاء، حيث قال: "لم يكتف غني بالفرار تاركا رفاقه في الدرب تحت رحمة القدر، بل نهب أموالا من الميزانية، وسلب الشعب، ولم يكن أحد من نوابه يعلم أنه يخطط للفرار".
ومع ذلك، نفى غني في كلمته الأخيرة التي قال إنها من الإمارات، التقارير حول خروجه بأموال من البلاد. وقال: "خرجت بثيابي وأحذيتي وعمامتي.. جئت إلى البلد المستضيف بأيدي خالية".