أطلق الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، يوم أمس، مشروع "إعادة إحياء جدة التاريخية" ضمن برنامج تطوير جدة التاريخية. وفي هذا التقرير نرصد ملامح المشروع الجديد، وما تحمله جدة من أهمية تاريخية.
تحمل جدة تاريخا طويلا، يمتد لآلاف السنين، ويرجع بعض المؤرخين تأسيسها إلى ما يقارب 3000 سنة، حيث تشير بعض الدراسات التي أجراها علماء الآثار إلى إلى وجود سكان في هذه المنطقة منذ العصور الحجرية، إذ وجدت بعض الآثار والكتابات الثمودية في وادي بريمان شرقي جدة ووادي بويب شمال شرقي جدة.
بينما يرجع مؤرخون إلى أن تأسيس جدة يعود إلى قبيلة تسمى "بني قضاعة"، سكنوا هذه المنطقة بعد انهيار سد مأرب عام 115 ق.م، بل ويرجع بعض المؤرخين تسمية جدة إلى أحد أبناء القبيلة والذي كان اسمه جدة بن جرم ابن قضاعة.
هناك من يذهب إلى أنه قبل انتقال بنى قضاعة إلى هذه المنطقة، سكنها بعض من صيادي الأسماك في البحر الأحمر وكانوا يعتبرون المنطقة مركزا لانطلاقهم للبحر ومقصدا لراحتهم.
وتشير روايات أخرى إلى أن تاريخ جدة يعود إلى ما قبل الإسكندر الأكبر الذي زارها ما بين عامي 323 و356 ق.م.
ومع ظهور الإسلام وفرض شعيرة الحج على المسلمين زادت أهمية المدنية عندما اختارها عثمان بن عفان حاكم المسلمين في عام 647 كميناء رئيسي لدخول مكة المكرمة والوصول إليها عن طريق البحر وسميت في ذاك الوقت باسم بلد القناصل.
ورغم هذا الاختلافات حول تأسيس جدة ونشأتها إلا أنها تؤكد جميعها على أن هذه المدينة تحمل تاريخا طويلا، وقد وصفها المؤرخون بأنها مدينة ذات طراز معماري بديع. ووصف الرحالة المقدسي البشاري، المدينة بأن "غلب عليها الفرس، لهم بها قصور عجيبة، وأزقتها مستقيمة، ووضعها حسن"، بينما وصفها الرحالة الفارسي ناصر خسرو، الذي زارها عام 1050 م بأنها "مدينة كثيرة الخيرات مزدهرة بالتجارة باسقة العمران"، ووصف أسواقها بأنها "نظيفة وجيدة".
ومع مرور الزمن تعرضت جدة في أوائل العهد العثماني للعديد من غارات الأساطيل البرتغالية في القرن السادس عشر الميلادي ثم لغارات القراصنة الهولنديين في القرن السابع عشر الميلادي، وخلال هذه الفترة كانت طرق التجارة البحرية في العالم قد ملكت من قبل البرتغاليين والهولنديين والإنجليز الأمر الذي جعل قيمة جدة الاقتصادية تنحدر وتقل، ويذهب بعض المؤرخين أنه لولا وفود الحجيج والمعتمرين لما عاشت أو استمرت.
واليوم تسمى جدة بعروس البحر الأحمر؛ وتعرف بالمدينة التي لا تنام، ونتيجة لاختلاف من مروا عليها وكأغلب المدن الساحلية تشتهر بثقافاتها المتنوعة وشواطئها البديعة الجمال وأسواقها الشعبية التي تحمل عادات أهل جدة القدامى وفولكلورها الجذاب وأكلاتها الشعبية الشهية.
وكذلك تضم جدة أول منزل سكن به الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في عام 1925، الذي اتخذ من بيت نصيف سكنًا له لمدة عشر سنوات إبان فترة توحيد الحجاز وضمها للدولة السعودية.
يأتي مشروع إعادة إحياء جدة التاريخية ضمن برنامج تطوير جدة التاريخية، وهو المشروع الكبير الذي يهدف إلى تطوير المنطقة التي لا مثيل له في المملكة.
وبحسب التصور الموضوع سيعمل المشروع على "إبراز المَعالم التراثية التي تحفل بها المنطقة".
وتحتوي المدنية، وفقا لحساب برنامج تطوير جدة التاريخية على تويتر، 650 موقعا تاريخيا، منها أكثر من 600 مبنى تراثيا، و36 مسجداً تاريخياً، وخمسة أسواق تاريخية رئيسة، إلى جانب الممرات والساحات العريقة.
وسجلت المدنية في قائمة التراث العالمي لدى اليونسكو عام 2014.
ويشير البرنامج إلى أن هناك أيضا مواقع ذات دلالات تاريخية مهمة مثل الواجهة البحرية القديمة التي كانت طريقاً رئيسة للحجاج. ووفقا لمخطط التطوير سيُعيد المشروع بناءها لتحكي لزوار جدة التاريخية القصة العظيمة للحج منذ فجر الإسلام.
يخطط القائمون على عملية تطوير مدينة جدة التاريخية خلق بيئة متكاملة فيها تتوفر فيها مقوّمات طبيعية متعددة تشمل واجهات بحرية مطورة بطول 5 كلم، ومساحات خضراء وحدائق مفتوحة تغطي 15% من إجمالي مساحة جدة البلد وضمن مساحة المشروع البالغة 2.5 كلم مربع.
ويؤكد القائمون على مشروع إعادة إحياء جدة التاريخية أنه سيستفيد من هذه المقوّمات الطبيعية عبر تحويلها إلى عناصر داعمة لبيئة صحية مستدامة تنعدم فيها أسباب التلوث البيئي.
بحسب القائمين على المشروع، من المتوقع أن يمتد العمل لها إلى 15 عامًا، على أن تتم أعمال التطوير وفق مسارات متعددة تشمل البنية التحتية والخدمية، وتطوير المجال الطبيعي والبيئي، وتحسين جودة الحياة، وتعزيز الجوانب الحَضرية.
وتؤكد وكالة الأنباء السعودية "واس" أن بانتهاء المشروع ستكون جدة التاريخية موقعاً مُلهماً في المنطقة، وواجهةً عالمية للمملكة عبر استثمار مواقعها التراثية وعناصرها الثقافية والعمرانية الفريدة لبناء مجال حيوي للعيش تتوفر فيه مُمكّنات الإبداع لسكانها وزائريها.
ولفتت إلى أن ذلك سيتم من خلال من رؤية عصرية للتخطيط الحضري "رُوعي فيها مفهوم الحِفاظ الطبيعي وضرورة مواءمته مع احتياجات الإنسان ومُحفّزات النمو التلقائي للإبداع، وبما يجعلها حاضنةً للإبداع يلتقي فيها روّاد الأعمال والفنانين السعوديين ضمن مجتمع إبداعي خلّاق، وفي محيطٍ تتألق فيه عناصر التراث الوطني والطبيعة مع التصاميم الهندسية المعاصرة.
>> يمكنكم متابعة المزيد من أخبار السعودية مع سبوتنيك.