كتب الصحفي سبنسر أكرمان في كتابه الجديد "عهد الإرهاب: كيف زعزع عصر 11 سبتمبر استقرار أمريكا وأنتج ترامب" عن الكثير مما يبدو أنه مكسور في الولايات المتحدة اليوم، ويمكن إرجاعه إلى أفعال وردود أفعال أوائل القرن الحادي والعشرين.
في جميع أنحاء العالم، يؤكد عالم الدفاع النرويجي توماس هيغهامر في العدد الأخير من مجلة "فورين أفيرز"، أن قدرات المراقبة التي تم تطويرها في أعقاب الهجمات قد حولت ميزان القوى تجاه الحكومات وبعيدا عن الأفراد.
كما ذكرت الباحثة الأمريكية في التطرف سينثيا ميللر إدريس في نفس المجلة أن "الحرب على الإرهاب" سرعت أيضا من تصاعد العنف اليميني في الولايات المتحدة وأماكن أخرى.
إن العثور على دليل إحصائي للآثار الدائمة لأحداث 11 سبتمبر (عندما اختطف 19 شخصا 4 طائرات مدنية وهاجموا أهدافا داخل الولايات المتحدة متسببين في سقوط قرابة 3 آلاف قتيل، وخسائر مادية فادحة) أمر أصعب.
بالنظر إلى التحولات الاقتصادية التي أحدثتها الهجمات، فما خلصت إليه الأبحاث في معظم السلسلة الاقتصادية لم يكن غياب التأثير بقدر ما هو عابر، وأيضا تأثير أصغر بكثير مقارنة بالجائحة، بحسب "تقرير لوكالة بلومبيرغ".
وذلك تحديدا عند النظر إلى الأشياء التي يمكن أن يقال أنها تقيس بشكل مباشر رد الفعل على الهجمات، مثل الإنفاق العسكري وتوظيف الخدمات الأمنية. كانت آثار 11 سبتمبر أكثر ديمومة، ولكن يبدو أنها تلاشت فقط في السنوات الأخيرة.
بالنظر إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية غزت أفغانستان أولا ثم العراق ردا على هجمات 11 سبتمبر، فإن الإنفاق العسكري هو مقياس واضح يجب النظر إليه. بعد السنة المالية 2001، التي انتهت في 30 سبتمبر 2001، ارتفع بشكل ملحوظ كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
خلال النصف الثاني من القرن العشرين، انخفضت حصة الإنفاق العسكري من الناتج المحلي الإجمالي في الغالب، وحتى الآن لم يحدث ذلك في الحادي والعشرين، والذي يبدو أنه مشكلة كبيرة.
على أي حال، يبدو أن التراجع الطويل قد توقف قبل عامين من الهجمات، ومع ذلك، وحتى في ذروة القرن الحادي والعشرين في السنة المالية 2010 كان الإنفاق لا يزال أقل مما كان عليه في جميع السنوات من عام 1941 إلى عام 1990، باستثناء عامين فقط.
باختصار، شكل الإنفاق العسكري في عام 2001، ما نسبته 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وبلغ 4.7% في عام 2010 (وانخفض بعد ذلك).
لم يكن الكثير من الاستجابة الأمنية لأحداث 11 سبتمبر عسكريا بشكل صارم، حيث انتشرت إجراءات الفحص الجديدة وتقنيات المراقبة محليا، وارتفع التوظيف في التحقيقات الخاصة والخدمات الأمنية في الولايات المتحدة بشكل حاد في الأشهر التي أعقبت الهجمات، رغم إنشاء إدارة أمن النقل الفيدرالية لأمن المطارات في أوائل عام 2002 والذي أخرج الكثير من هذه الوظائف من القطاع الخاص.
أجرت أقسام الشرطة الكثير من عمليات التوظيف في النصف الثاني من التسعينيات بفضل التمويل المدرج في قانون الجريمة الفيدرالي لعام 1994 الذي تعرض الآن لانتقادات كثيرة.
ثم انخفض توظيف الشرطة من عام 2007 إلى عام 2016، حيث انخفضت عائدات الضرائب الحكومية والمحلية أثناء وبعد الركود العظيم. بلغ التوظيف نحو 180 شخصا من بين كل 100 ألف من السكان مقارنة بنحو 200 شخص في مطلع الألفية الجديدة.
من المفهوم أن القلق العام بشأن الإرهاب ارتفع بعد الهجمات، وظل مرتفعا بشكل عنيد في العقدين الماضيين، وفي استطلاعات رأي "غالوب"، وجدت باستمرار أن ما بين 40% و50% من الأمريكيين قلقون للغاية أو إلى حد ما من أنهم أو أفراد أسرهم سيكونون ضحايا للإرهاب.
من ناحية أخرى، يُظهر نشاط البحث على الويب الذي تم تتبعه من قبل "غوغل" منذ عام 2004 انخفاضا كبيرا في عمليات البحث عن "الإرهاب" منذ ذلك الحين، على الرغم من اختلاف النمط من حين لآخر بسبب ارتفاعات عرضية سببها الهجمات الإرهابية التي تتصدر الأخبار.
بشكل عام، شهد العقد الذي تلا هجمات الحادي عشر من سبتمبر أنواعا من الزيادات في الإنفاق العسكري والتوظيف في قطاع الأمن والقلق العام بشأن الإرهاب التي قد تتوقعها، ولكن بحلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، استقر معظم هؤلاء أو بدأوا في التراجع.
بدا أن الهجمات قد غيرت أمريكا في العديد من الطرق الأخرى بخلاف صعود الدولة الأمنية، وكان يخشى أن يكون الضرر الاقتصادي شديدا ودائما، لكن لم يكن كذلك. بالنسبة للقياسات الإجمالية مثل الناتج المحلي الإجمالي والتوظيف ومؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، يبدو أنها كانت سريعة التعافي.
كان الاقتصاد الأمريكي بالفعل في حالة ركود منذ مارس/ آذار 2001 بسبب فقاعة أسهم شركات الإنترنت، وسرعت الهجمات (لفترة وجيزة) من الانكماش، ولكن بحلول نهاية العام كان الناتج المحلي الإجمالي ينمو مرة أخرى.
واستعاد مؤشر الأسهم "إس آند بي" خسائره بعد الهجوم في أقل من شهر، لكن بدأت الأسهم في الانخفاض مرة أخرى بعد ذلك واستمر تراجع التوظيف حتى عام 2003، ولكن العوامل الأخرى مثل سوق التكنولوجيا المضطرب و"صدمة الصين" في التصنيع، لعبت بالتأكيد دورا أكبر من الهجمات.
في أعقاب الأحداث، خسرت مدينة نيويورك 112000 وظيفة في شهرين فقط، لكن عند العودة إلى الوراء، يبدو أن هذين الشهرين الآن يشبهان تسارعا وجيزا لركود قائم بالفعل، والذي أفسح المجال في عام 2003 لانتعاش طويل توقف مؤقتا لفترة وجيزة فقط من أجل الركود العظيم.
بدت الاضطرابات التي تعرّضت لحركة الأشخاص بسبب الهجمات كبيرة حقا في ذلك الوقت، واستغرق الأمر أكثر من عامين لحركة الطيران وما يقرب من أربعة أعوام حتى يتعافى عدد الزوار الدوليين.
انخفضت المسافات التي قطعها المسافرون جوا على أساس شهري من نحو 59 مليار ميل في الأول من أغسطس/ آب عام 2001 إلى نحو 44 مليارا في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول. مع ذلك، كان تأثير الوباء أعمق، حيث هبط هذا المؤشر من 90 مليار في بداية عام 2020 إلى أقل من 3 مليارات فقط بحلول أبريل/ نيسان من العام الماضي، وفي آخر بيان سجلت 55 مليارا بحلول مايو/ أيار الماضي.
تراجع عدد الزائرين الدوليين من 42.6 مليون شخص في بداية سبتمبر 2001 إلى أقل من 34 مليونا بعد عام لكنه وصل 43 مليون بحلول منتصف عام 2005. في العام الماضي انخفض هذا الرقم من 79 مليون زائر بداية 2020 إلى 11 مليونا بحلول مايو هذا العام.
من ناحية أخرى، لم تتأثر التجارة في السلع والخدمات في العام الماضي أكثر مما تأثرت في عامي 2000 و2001 - على الأقل ليس بالنظر إلى حصتها من الناتج المحلي الإجمالي.
في كلتا الحالتين، أدت الأحداث المؤلمة فقط إلى تسريع الاضطرابات التجارية التي كانت موجودة بالفعل، ومع ذلك تبين أن كلا الانخفاضين أقل حدة بكثير من الانخفاض الذي أعقب الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009.