إلى أي مدى يمكن أن تصل الأمور في شرق البلاد وما هى تداعياتها على المديين القريب والبعيد؟
يرى مراقبون أن تلك الأحداث قد تطيح بحكومة حمدوك وتعطي دورا أكبر للمكون العسكري في السلطة، وهو ما قد يعيد النظام السابق من جديد، لكن بوجوه من الصفوف المتأخرة.
بداية يرى القيادي بجبهة المقاومة السودانية، محمد صالح رزق الله، أن من الصعوبة أن نلصق أحداث شرق السودان بالنظام السابق أو ننفيها عنه، لأن هناك الكثير من الأمور المتشابكة، فمن المعروف أن محمد الأمين ترك، الذي يقود الاحتجاجات هو عضو في حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وكان نشيطا ومستخدما من قبل فلول النظام السابق.
خطأ استراتيجي
وأوضح في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن هناك إشكاليات حقيقية وموجودة ويعاني منها المواطن في شرق السودان، من بينها اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة والحركات المسلحة في جوبا التي وزعت السودان إلى منابر في الشرق والغرب والشمال والوسط، حيث تمثل تلك الاتفاقية خطأ استراتيجيا كبيرا، إذ يمثل كل مسار أو منبر فصيلا عسكريا واحدا في الاتفاقية، علاوة على أن بعض منتسبي تلك الفصائل ترجع جذورهم إلى دولة إريتريا، فقد كان بعضهم لاجئين ومنهم من ولد وتربى في السودان، حيث استغلهم النظام السابق استغلالا سيئا، فهناك اثنان من رموز اتفاقية جوبا ترجع جذورهم إلى إريتريا، أي أنهم ليسوا سودانيين.
وتابع رزق الله، تمثل إشكالية المسارات مشكلة أساسية، فلو كانت الحكومة تريد عمل حلول لمشاكل إقليم كامل، لابد أن تتم استشارة الأفراد المؤثرين والقوى السياسية في الإقليم، أما بالنسبة لـ"ترك" الذي يقود الاحتجاجات فقد حدثت العديد من المجازر إبان حكم البشير وكان ترك عضوا في البرلمان وزعيم من زعماء المسار الوطني ولم يحرك ساكنا.
كيانات موازية
وأضاف، المتابع للمسار الوطني في فترة الانقاذ والحركة الإسلامية، نجد أنها خلقت كيانات موازية للإدارات المحلية في الأقاليم، وهنا نجد أن المجلس الأعلى لنظارات البجا (يرأسه محمد الأمين ترك) هو مجلس غير معترف به، فقد تكون في عهد حكومة الإنقاذ، كما هو حاصل أيضا في إقليم دارفور، مشيرا إلى أن المسألة معقدة جدا في السودان، فعند الحديث عن الفلول والنظام السابق فإننا نتكلم عن الدولة الموجودة حاليا والمتمثلة في حميدتي والبرهان والجيش السوداني وقوات الأمن والبوليس والخدمة المدنية، جميعهم من منتسبي المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، وهم من يسيرون الدولة.
أطماع خارجية
وأكد القيادي في المقاومة، أن الوضع في السودان منهار بالفعل والدولة غير موجودة، ولا يمكن أن نغفل الأطماع الخارجية والتي قد تكون أحد المحركات للأوضاع في الشرق وبشكل خاص الإمارات، والتي تريد تكرار تجربتها في اليمن "جزيرة سقطرى"، مشيرا إلى أن هناك ولاءات من داخل السودان تخضع لتوجهات إقليمية ودولية من داخل الحكومة والحركات المسلحة والسياسية في البلاد.
شماعة الفشل
بدوره يقول الناطق الرسمي باسم الكتل الثورية السودانية، فتحي دير، إن النظام الحالي في السودان يعلق كل الكوارث التي تحدث أو يقع فيها على النظام السابق، في حين أن النظام السابق ليس له يد في موضوع شرق السودان، والناظر ترك الذي يقود الاحتجاج هو رئيس أو زعيم قبيلة في شرق السودان، ومن الطبيعي أن يتعامل مع أي حكومة تتولى السلطة في البلاد من موقعه العشائري.
تقسيم غير عادل
وأوضح في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن زعيم قبيلة البجا محمد الأمين ترك لم يعجبه ما حدث من اتفاق في جوبا حول مسار الشرق ويرى أنه تقسيم غير عادل، وخلال الفترة السابقة تحدث مع حكومة حمدوك حول هذا الأمر، لكنه لم يجد موقفا حاسما سوى التلاعب وتكوين اللجان والتنسيقيات.
وحول إمكانية إعلان "ترك" جمهورية في شرق السودان قال دير، إنه لن يعلن جمهورية في الشرق ومطالبه واضحة وهى المطالب التي نادت بها الثورة" عدالة- سلام- حرية" والتي لم تستطيع قوى الحرية والتغيير تحقيقها، بل إن ما يحدث الآن هو محاصصات وتقسيمات ولا يتفق مع الأهداف التي قامت من أجلها ثورة ديسمبر.
إغلاق الشرق
وأشار الناطق باسم الكتل الثورية إلى أن، هناك أقاليم أخرى بدأت بها تحركات بنفس الطريقة، أي أن الشرق كله معرض للإغلاق في القضارف وبورتسودان، وهناك من ينادي بفصل الشمال أو ما يسمى بدولة "البحر والنحر"، فالأوضاع الآن متفاقمة و متصاعدة، وأعلن "ترك" أنه لن يتحدث مع الحكومة المدنية، بل طلب الحوار مع "الكباشي وحميدتي والبرهان"، من أجل إلغاء مسار الشرق الذي تم توقيعه في جوبا، وبالتالي أتوقع إقالة الحكومة، وحدوث انقلاب ناعم وعودة النظام السابق بوجوه من الصفوف المتأخرة وفي وقت ليس ببعيد.
مطالب مشروعة
من جانبه أكد المحلل السياسي السوداني، الدكتور ربيع عبد العاطي، أن ما يحدث في شرق السودان لا علاقة له من قريب أو بعيد بالنظام السابق في السودان، وما يطالب به "ترك" هو إلغاء مسار الشرق في اتفاقية جوبا للسلام، لأنهم يرون أن تلك الاتفاقية لم تنصفهم ولم تعطهم حقوقهم المشروعة.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، كما أن الشرق لهم مطالب أخرى، من الواضح أن هناك مظالم من حيث السلطة والتنمية الاقتصادية علاوة على رفضهم الكامل لكل ما يخص مسار الشرق في اتفاق جوبا، وما يحدث هو حراك جماهيري يتعلق ببعض المطالب المشروعة ولا علاقة له بالنظام السابق.
وأعلنت ما تسمى بالتنسيقية العليا لكيانات شرق السودان بيان أكدت فيه على استمرارالتصعيد الثوري السلمي الشامل لإغلاق شرق السودان إغلاقا كاملا لحين إنتزاع الحقوق، وأدانت المطالبات الغير مسؤولة من الناشطين السياسيين خالد سلك والسنهوري وآخرين، بإستخدام القوة مع أهل الشرق بحسب موقع النيلين السوداني.
وتابع البيان، مطالبنا مشروعة وواضحة كالشمس في رابعة النهار، ولا تراجع عنها مهما تطاول المتطاولون ، "لا لمسار الشرق- لا للحكومة الفاشلة- لا لوزراء الغفلة" ولابد لنا من إشادة بالمكون العسكري لموقفه المحايد من كل الأطراف.
وأكدت التنسيقية رفضها "الجلوس مع أي لجنة يكون خالد سلك عضوا فيها لعلمنا التام بأنه غير محايد بل متربص بنا، كما نؤكد تمسكنا بتحالفنا الإستراتيجي مع الشمال والوسط ونسعى لمزيد من التحالفات من أجل قضايا المظلومين والمهمشين".
وأغلق محتجون من قبائل البجا، الطريق الرابط بين الموانئ شرق السودان وبقية ولايات البلاد، احتجاجا على "مسار الشرق" في اتفاقية السلام، والتهميش الذي يعانيه الإقليم.
وجاءت التحركات الاحتجاجية تنفيذا لدعوة "المجلس الأعلى لنظارات البجا" بإغلاق الطريق القومي في أكثر من 5 نقاط.
وشمل الإغلاق 3 نقاط في ولاية البحر الأحمر، منها محطة "العقبة" المؤدية لموانئ البلاد في بورتسودان وسواكن على البحر الأحمر، ومحطة أوسيف على الطريق القاري مع مصر، حسبما ذكرت صحيفة "سودان تريبيون".
كما شمل الإغلاق منطقتين في ولاية كسلا وثلاث مناطق في ولاية القضارف، واستثنى الإغلاق حافلات السفر، ومركبات الشرطة والإسعاف والمنظمات.
ونقلت الصحيفة عن رئيس "تجمع شرق السودان" وعضو التنسيقية العليا لكيانات شرق السودان، مبارك النور، أن "أهل الشرق بجميع مكوناتهم متحدون خلف مطلب إلغاء مسار الشرق في اتفاقية جوبا الموقعة في 3 أكتوبر/تشرين أول 2020".
وقال إنه ونظرا لمماطلة الحكومة في إصدار قرارات واضحة بشأن مسار الشرق، "فإن الكيانات في الشرق حاليا تطالب بحل الحكومة لفشلها في التعامل مع قضايا التهميش في الإقليم".
ويضم إقليم شرق السودان ثلاث ولايات "البحر الأحمر، وكسلا والقضارف" ويحادد خمس ولايات ويضم كل موانئ السودان على البحر الأحمر.