كما أعيد استخدام محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وحتى أن هناك اقتراحات لاستخدام مولدات الديزل للتوليد الشخصي، ومع ذلك لا يبدو أن النفط سيكون الحل لمشاكل الطاقة في القارة العجوز، بحسب "تقرير لوكالة بلومبيرغ".
عند مرحلة ما من تداولات الأسبوع الماضي، تجاوزت أسعار الغاز في السوق الأوروبي 970 دولارا لكل ألف متر مكعب، وهو مستوى غير مسبوق على الإطلاق. هدأت الأسعار قليلا بعد ذلك لكنها ظلت قرب مستويات مرتفعة قياسيا، بحسب البيانات المتوافرة لدى "سبوتنيك".
تشجع أسعار الغاز الطبيعي المرتفعة على استبدال الوقود، الأمر الذي يمكن أن يعزز الطلب على النفط، وفقا لجيف كوري، الرئيس العالمي لأبحاث السلع الأساسية في بنك "جولدمان ساكس".
على الرغم من أن هذا صحيح على المستوى العالمي، إلا أنه قد لا يوفر الكثير من الراحة للمستهلكين الأوروبيين، الذين ليس لديهم مجال كبير لتحويل المولدات من الغاز إلى الوقود السائل.
في ظاهر الأمر، تمتلك أوروبا مزيجا متنوعا جيدا من توليد الكهرباء، مع كميات صحية من الغاز والفحم والطاقة المائية والنووية ونسبة كبيرة من الطاقة تأتي من مصادر متجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية.
ومع ذلك، إذا نظرت عن كثب، فهناك تسلسل هرمي واضح لمصادر الوقود عندما يتعلق الأمر بتوليد الطاقة، والتي تختلف من بلد إلى آخر، لكن يلعب الغاز دورا محوريا في بعض أكبر أسواق الكهرباء في القارة.
مثلا يشكل الغاز المصدر الأول للطاقة بمقدار 173.5 غيغاواط يليه الفحم بنحو 155.6 غيغاواط ثم الطاقة الكهرومائية بمقدار 145.1 غيغاواط ورابعا يأتي المصدر النووي بمقدار 121.1 غيغاواط، يله الرياح والشمس بمقدار 63.9 و30.7 غيغاوط على التوالي. النفط في المركز السابع بمقدار 29.3 غيغاواط.
في بعض الحالات، يوفر الغاز نسبة كبيرة من إمدادات الكهرباء الأساسية، وفي حالات أخرى، تجعل مرونة المحطات التي تعمل بالغاز وتشغيلها وإيقافها مثالية لتوفير الطاقة خلال فترات ذروة الحمل، أو لملء الفجوات عندما لا تقدم المصادر الأخرى بالقدر المتوقع.
يعتبر الغاز أيضا مصدرا رئيسيا للوقود للتدفئة المنزلية في دول مثل المملكة المتحدة، حيث يتم توصيل 85% من المنازل بشبكة الغاز. المشكلة الرئيسية الآن هي أن الغاز غير متوفر في أوروبا.
مع اقتراب فصل الشتاء، يبلغ مخزون القارة من الغاز الطبيعي 75% من المستوى الذي كان عليه في هذا الوقت من العام الماضي - وهو أدنى مستوى في مثل هذه الفترة من العام منذ 2013.
وهذا يرفع الأسعار ويؤجج المخاوف بشأن النقص وانقطاع التيار الكهربائي خلال الفترة القادمة الشهور. تكمن مجموعة مؤسفة من العوامل وراء انخفاض مستويات المخزون.
أولا، كان الشتاء الماضي طويلا، حيث امتد الطقس البارد حتى أبريل/ نيسان ومنع بدء إعادة بناء المخزونات مبكرا.
ثانيا، الطلب على الغاز آخذ في الارتفاع مع تعافي الاقتصادات من الوباء، وهناك حاجة إلى مزيد من الغاز لتعزيز الإنتاج، في حين أن العودة إلى المكاتب وإعادة فتح قطاع الترفيه يعزز الطلب على الكهرباء.
ثالثا، تكافح المصادر المتجددة لتوليد الطاقة، حيث تقلل سرعات الرياح المنخفضة كمية الكهرباء من المولدة من التوربينات، وهذه مشكلة خاصة بالنسبة للمملكة المتحدة، حيث تمثل الرياح ما يقرب من ربع قدرة التوليد.
أدى الحريق الذي أغلق أحد خطوط الإمداد بالكهرباء الرئيسية من فرنسا إلى زيادة الضغط على توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز في البلاد.
الأهم من ذلك، أن إنتاج الغاز الطبيعي في أوروبا كان في حالة انخفاض طويل الأمد، بعدما تجاوز الإنتاج ذروته في كل من أكبر ثلاثة منتجين في المنطقة - النرويج والمملكة المتحدة وهولندا.
انخفضت الإمدادات الهولندية والبريطانية في عام 2020 بنسبة 75% و 65% على التوالي من الذروة التي وصلت إليها قبل 20 عاما على الأقل. دخل إنتاج النرويج عامه الرابع من التراجع.
الواردات لم تعوض النقص حتى الآن، وتعتمد أوروبا على إمدادات الأنابيب من روسيا للحصول على أكثر من نصف غازها المستورد، وصمما العقود مع شركة "غازبروم" لتلبية الاحتياجات العادية للقارة، وليس لتلبية الاحتياجات الإضافية المطلوبة لإعادة بناء المخزونات المستنفدة.
في نفس الوقت لم تكن روسيا في عجلة من أمرها لإيصال غاز إضافي إلى أوروبا عبر الطرق البرية التقليدية من خلال بيلاروسيا وبولندا وأوكرانيا، خاصة مع اكتمال خط أنابيب "نورد ستريم 2" الذي يتجاوز هذه البلدان ورغم العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ومع ذلك، فإن التعاون في مجال الطاقة ضمن أولويات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قال في مقاله تزامنا مع الذكرى الثمانين للحرب الوطنية العظمى في شهر يونيو/ حزيران:
أكرر مرة أخرى: روسيا تؤيد استعادة شراكة شاملة مع أوروبا. لدينا العديد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك. وهي الأمن والاستقرار الاستراتيجي، والرعاية الصحية والتعليم، والرقمنة، والطاقة، والثقافة، والعلوم والتكنولوجيا، والمناخ والبيئة.
من جانبها أكدت الخدمة الصحفية لشركة "غازبروم" الروسية، في شهر يوليو/ تموز، أن الرئيس التنفيذي للشركة، أليكسي ميلر، لا يستبعد زيادة نقل الغاز عبر أوكرانيا بعد عام 2024، وفقا للعقود المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي.
وصرح ميلر للصحفيين، بأن عملاق الطاقة الروسي يمكن أن يعزز عبور الغاز عبر أوكرانيا بعد عام 2024 إذا تم اعتباره مجديا اقتصاديا، وإذا ظل نظام النقل في أوكرانيا مناسبا لذلك.
أيضا، أفادت الشركة الروسية، يوم الجمعة، بأنها تقوم بتصدير الغاز إلى السوق الأوروبية بالامتثال الكامل للالتزامات التعاقدية، وأنها "تسعى جاهدة أيضا لتلبية الطلبات بإمدادات إضافية بحسب الإمكانيات المتاحة".
لكن بالعودة إلى الحديث عن الوضع الحالي والشتاء القادم، قد يبدو أيضا مشروع "نورد ستريم 2" باعثا على الأمل، لكن ذلك يتوقف على ما إذا كان سيتم تشغيله قريبا بما يكفي للتأثير على إمدادات الغاز إلى أوروبا هذا الشتاء.
ويتوقف هذا الأمر على مدى سرعة الموافقة على التشغيل من قبل الاتحاد الأوروبي كناقل مستقل، وهو ما يخلق مخاوف كبيرة من ألا تبدأ التدفقات كما هو مخطط لها في 1 أكتوبر/ تشرين الأول.
لذلك من المرجح أن تظل إمدادات الغاز في أوروبا شحيحة هذا الشتاء، وعلى الرغم من أن مولدات الديزل قد تكون حلا لبعض عملاء الكهرباء الصناعية، إلا أنها لن تبقي الأنوار مضاءة أو المنازل دافئة للمواطنين الأوروبيين، ومن الأفضل أن تكون توقعات الاتحاد الأوروبي لشتاء قادم معتدل، صحيحة.