هل تقدم السلطات السودانية على فرض إجراءات غير طبيعية تخالف مبادئ الثورة والوثيقة الدستورية بعد محاولة الانقلاب وأحداث شرق البلاد؟.
بداية يقول الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني، الفريق جلال تاور، لا أعتقد أن محاولة الانقلاب الفاشلة التي تم كشفها والسيطرة السلمية عليها، سوف تتبعها إجراءات حكومية تتعلق بتقييد الحريات أو الخروج عن المبادئ التي نادت بها ثورة ديسمبر.
فشل المخطط
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن المحاولة الفاشلة لم يصاحبها أي عنف أو صدام مسلح ولم تراق فيها أي دماء، وقد أعلنت القوات المسلحة أنها أفشلت المخطط الذي كان داخل نطاقها، ولم يكن هناك مدنيين مشاركين، وتمت السيطرة على الموقف دون الحاجة إلى استخدام العنف بأي من الوسائل، والأوضاع تحت السيطرة الآن، وبالتالي لا أعتقد أن المسألة تحتاج إلى فرض طوارىء أو أي إجراءات استثنائية غير طبيعية.
من داخل الجيش
وتابع الخبير الاستراتيجي، أن العملية كانت من داخل الجيش، وأعلن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان أنهم لم يجدوا أي صلة بين هؤلاء الضباط وأية جهة سياسية، وقبل حدوث تلك المحاولة كانت هناك أحاديث حول هذا الموضوع وأنه سوف يحدث قريبا، وقد حدثت المحاولة وتم السيطرة عليها، لكن سوف تظل التوترات داخل قوى الحرية والتغيير، علاوة على أن الوثيقة الدستورية لن تتغير نظرا لاعتمادها من الاتحاد الإفريقي وتخضع لمراقبة الأمم المتحدة ودول الترويكا، وتعمل المنظمة الدولية على مساعدة السودان من أجل الوصول إلى حكومة ديمقراطية منتخبة، وهو ما صرح به البرهان بأنهم سوف يظلون حارسين لأمن البلاد إلى أن يتم تسليم السلطة إلى حكومة منتخبة.
المسألة الأخطر
وحول الوضع في شرق السودان والذي سبق محاولة الانقلاب قال تاور، ما يحدث في شرق السودان هو المسألة الأخطر الآن من الإعلان عن الانقلاب، لأن الشرق منطقة حيوية وبإغلاق الموانىء أصبحت الدولة السودانية حبيسة هذا الإغلاق بعد أن كانت دولة لها سواحل وموانئ، وهذه مشكلة كبيرة جدا لم يكن هناك أي استعداد لها، ومنذ أن تمت عملية الإغلاق وحتى الآن ليس هناك أي حل يلوح في الأفق.
وأوضح أن التعامل مع تلك المسألة يحتاج نوعا من المرونة والجدية، وعدم حلها هو الذي يؤثر على الفترة الانتقالية أكثر من أي شيء آخر، حيث أن أساس المشكلة تبدأ من هذا المسار الذي يسمى مسار الشرق والذي يمكن الوصول إلى تفاهمات حوله عن طريق الحوار والتفاوض، لأن تركه بلا حلول يمكن أن يخلق مشاكل يصعب تداركها.
اختطاف الثورة
من جانبه قال وزير الإعلام السوداني الأسبق، بشارة جمعة، إن:
ثورة الشعب السوداني بلا شك اختطفت من جانب قوى سياسية لها أطماع معينة، لذا يجب إعادة تقدير الأوضاع في البلاد من أجل توحيد الصف السوداني، للوصول إلى برنامج وطني يقود الفترة الانتقالية بنجاح حتى الوصول إلى الانتخابات.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن المحاولة الانقلابية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فمنذ مجيء الحكومة الحالية سمعنا عن الكثير من الانقلابات التي تم إحباطها، وما حدث مؤخرا حول أحد سيناريوهات الاحتجاجات العسكرية التي تقود إلى محاولات الانقلاب، وإحباط أي انقلاب لا يعني نهاية الانقلابات.
سلسلة الانقلابات
وأكد وزير الإعلام الأسبق على أن هناك متطلبات يجب تحقيقها من أجل إيقاف تلك السلسلة من الانقلابات التي تحدث من من وقت لآخر، لذا يجب التوافق على برنامج وطني وليس على من يحكم أن يتسلط على رقاب الناس خلال هذه الفترة، وفي تقديرنا أن الحكومة الحالية هى حكومة محاصصة خرجت من سياق الوثيقة الدستورية التي جرى التوافق عليها والتي تعد دستورا مرحليا تم القسم عليه، لكن الحكومة الحالية نقضت كل العهود والمواثيق بما فيها الوثيقة الدستورية والتي تم خرقها أكثر من مرة ثم تهالكت وانتهت، ولم يتبق منها سوى الاسم.
الثلث الاستراتيجي
وحول أحداث شرق السودان قال جمعة، إنها تهدد كل السودان وليس مسار السلام فقط، فهى تمثل الثلث الاستراتيجي في البلاد، فإذا فقدنا الشرق فلا وجود للسودان، نظرا لأن أطراف كثيرة سوف تسير في نفس الاتجاه، ولا يجب أن نهدر الحقوق المشروعة لمواطني شرق البلاد والذين تعرضوا للظلم في عملية التفاوض نفسها، ومن المفترض أن يتم التعامل مع تلك القضية بموضوعية والاستجابة للمطالب المشروعة والجلوس معهم.
ومؤخرا أغلق محتجون من قبائل البجا، الطريق الرابط بين الموانئ شرق السودان وبقية ولايات البلاد، احتجاجا على "مسار الشرق" في اتفاقية السلام، والتهميش الذي يعانيه الإقليم.
صوت العقل
وطالب جمعة، بإعلاء صوت العقل في تلك الأزمة وتغليب المصلحة العليا للبلاد على المصالح الضيقة سواء الشخصية أو الحزبية والأطماع الجيولوجية، مضيفا أنه كان هناك اعتراف صريح من البرهان وحميدتي بأن السياسيين اهتموا بالكراسي والمناصب والمحاصصة وتركوا شأن المواطن والوطن، ونرى أن الحكومة الحالية يجب أن تقدم استقالتها ويتم تشكيل حكومة وطنية لفترة انتقالية "تسيير أعمال" حتى نصل بسلام إلى الانتخابات.
وأعلنت القوات المسلحة السودانية صباح أمس الثلاثاء، أنها أحبطت محاولة للانقلاب العسكري، حيث حاولت مجموعة من العسكريين السيطرة على منشآت إعلامية وإذاعة بيان للانقلاب العسكري، لكن تم إيقافهم، مؤكدة أن الأوضاع حاليا تحت السيطرة.
يشار إلى أنه منذ عام 2019 يحكم السودان مجلس انتقالي، مكون من عناصر مدنية وعسكرية، وتم تشكيله بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير الذي حكم السودان لنحو ثلاثة عقود.
وحظيت السلطات الانتقالية في السودان بدعم عالمي واسع، حيث تم رفع اسم السودان من قائمة واشنطن للدول الراعية للإرهاب، ولاقت السلطات الجديدة دعما كبير دوليا وإقليميا.