تعد هذه التصرفات والمواقف مألوفة عند أردوغان، حيث يعتبرها البعض هفوات قاتلة لرصيده السياسي والشعبي والبعض الآخر يراها حنكة وخطوة هامة للحصول على مآربه وأهدافه السياسية والاستراتيجية. وبالعودة إلى تاريخ تركيا فلربما يمكن اعتبار أردوغان أنجح وأهم سياسي تركي برز بعد حكم أتاتورك.
يعود كل ذلك النجاح لدى أردوغان إلى إمكانياته الفريدة من نوعها في مجال خوض غمار التحدي واللعب على المراهنات والتوازنات السياسية الحساسة على جبهات مختلفة ومتنافضة في وقت واحد، ما يخلق عيوبا ونقاط ضعف عديدة لديه أبرزها فقدان "حس المخاطرة" التي تودي بمواقفه وقراراته السياسية إلى نتائج سلبية على بلاده وأبرز مثال على ذلك مسار الاقتصاد والليرة التركية اللذين باتا حقلا للتجارب العلمية بين السماء صعودا والأرض هبوطا.
بدأت ألعاب ورهانات أردوغان السياسية تتكشف منذ عام 2011 خلال مساندته للثورات في العالم العربي والتي جعلته يخسر كل من مصر وسوريا، ورغم ذلك استمر بمغامراته حتى إسقاط الطائرة الروسية عام 2015 فوق الأجواء السورية التي أراد من خلال ذلك إثبات وجوده، لكنه فشل مرة أخرى بعد محاولة انقلابية كانت ستطيح به.
أما اليوم يعيد الرئيس التركي الكرة مرة أخرى، لكن برهانات أخرى يحاول من خلالها الحصول على مكاسب معينة من خلال روسيا عبر طرحه موضوع أحقية السيادة على شبه جزيرة القرم على منبر أممي ليسمعه العالم كله وخصوصا موسكو، متناسيا في الوقت نفسه سياسة بلاده الشبيهة خلال الحرب الأهلية القبرصية عام 1974 حيث قامت أنقرة بكل ما يلزم للدفاع عن مناصريها والمقربين منها على الجزيرة إلى حد إرسال القوات العسكرية التي ما زالت إلى يومنا هذا متواجدة هناك وتفرض سيادتها على قبرص الشمالية.
رهانات وأهداف أردوغان من استفزاز روسيا بشأن القرم
ما عجز عنه الرئيس الأمريكي بايدن نطق به أردوغان وليس صدفة بالتأكيد، حيث يحاول الرئيس التركي مجددا اللعب على التناقضات عبر تقديم ورقة سياسية لأوكرانيا المنسية غربيا وأمريكيا والتي تحتاج إلى حليف داعم لقضاياها ضد موسكو من جهة، ورسالة إلى الاتحاد الأوروبي والغرب أن تركيا مستعدة للوقوف إلى جانب كييف ودعمها عسكريا وماليا لمواجهة روسيا بشأن شبه جزيرة القرم.
أما الرسالة الأهم فكانت لموسكو خصوصا أن العلاقات الروسية التركية تمر في الأشهر الأخيرة باستحقاقات خطيرة من بينها حرب قره باغ التي استطاعت أنقرة من خلالها تعزيز نفوذها في منطقة جنوب القوقاز والعنوان الأبرز خلال السنوات الأخيرة سوريا.
جندي من الشرطة العسكرية الروسية يقوم بدوريات في المنطقة القريبة من بلدة سراقب التي حررتها القوات الحكومية السورية في محافظة إدلب في سوريا
© Sputnik . Михаил Алаеддин
/ إدلب "ميدان تفاوض" بين روسيا وتركيا
تشير بعض المصادر في الخارجية الروسية أن موسكو سئمت من الوضع القائم في إدلب والوعود التركية بشأنها، بالإضافة إلى السخط السوري الذي أعلن عنه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد مؤخرا أن "التصعيد في إدلب سيكون بسبب الاحتلال التركي والدعم الذي تقدمه أنقرة للجماعات الإرهابية هناك" ما يشير إلى استعدادت عسكرية لفتح معركة جديدة في الشمال السوري.
وذكرت مصادر أخرى، أن روسيا وجهت تحذيرا شديد اللهجة لأنقرة منحت فيه الأخيرة أسبوعا لسحب قواتها من إدلب السورية تمهيدا لعملية عسكرية مشتركة روسية سورية واسعة النطاق لاستعادة المنطقة وإنهاء التنظيمات الإرهابية فيها.
لا شك أن اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب أردوغان في مدينة سوتشي الروسية سيكون عنوانه الأبرز سوريا وإدلب السورية ومعهما سيتحدد مستقبل المنطقة الشمالية السورية وعلاقات الدولتين.
أخيرا، قد تسقط رهانات أردوغان الأخيرة مجددا ويخسر معها علاقاته الجيدة مع موسكو، التي بالرغم من كل المواقف والسياسات التركية تنتهج سياسة بناءة قائمة على الاحترام المتبادل والشراكة والتعاون مع أنقرة.
أما روسيا، في حال نفذ صبرها فهي قادرة على توجيه ضربات مؤلمة لأنقرة بدءا من إلغاء التدفقات السياحية وفرض حظر على إدخال المنتوجات التركية وفرض شروط جديدة لإبرام عقد جديد يتعلق بتوريد الغاز، وبالتالي خلق صعوبات وخسائر اقتصادية كبيرة لأنقرة هي بغنى عنها حاليا.
كما يمكن لموسكو رفض مراعاة مصالح تركيا المنتشرة في كل من ليبيا وسوريا وصولا إلى القوقاز واللعب على التناقضات الجيوسياسية أيضا ضد المصالح التركية في آسيا الوسطى. أما الضربة القاضية الأخيرة متمثلة بالتعاون والشراكة بين روسيا وإيران والصين التي قد تلجم أردوغان ورهاناته السياسية إلى الأبد.
المقال يعبرعن رأي كاتبه