وأعلنت فرنسا الثلاثاء 28 سبتمبر/أيلول، أنه سيتم تشديد منح التأشيرات في غضون أسابيع قليلة لمواطني المغرب والجزائر وتونس، التي "ترفض" إصدار التصاريح القنصلية اللازمة، لعودة المهاجرين المرَحّلين من فرنسا.
كما أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية غابرييل عطال، أن بلاده تعتزم طرد قرابة 8 الآف مهاجر جزائري.
وقال عطال في تصريح لإذاعة "أوروبا 1" المحلية، إن "القضاء الفرنسي أصدر أمرا بحق 7731 جزائريا بمغادرة البلاد بين يناير ويوليو من هذا العام، وعاد منهم فقط 22 شخصا.
وفي الأشهر الستة الأولى من عام 2020، تم إصدار نحو 63 ألف تأشيرة لـ 96 ألف طلب، أي بمعدل إصدار 65%. وهو رقم ازداد سوءًا خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2021، حيث استوفت فرنسا أكثر من طلبين من أصل ثلاثة طلبات تأشيرة من الجزائر.
وطلب إيمانويل ماكرون من الخدمات القنصلية إصدار 31500 تأشيرة بحد أقصى للأشهر الستة المقبلة، أي التقسيم على اثنين. كما حقق عام 2019 رقما قياسيا مع 275 ألف تأشيرة ممنوحة للجزائر.
بحسب الخبراء، فإن انعكاسات الخطوة على العلاقات بين دول المغرب العربي وفرنسا متباينة، حيث أن القرار يؤثر مستقبلا على حجم التعاون بين البلاد الثلاثة وفرنسا، حتى وإن لم يعلن ذلك بشكل رسمي في الوقت الراهن.
بحسب تقرير صادر عن المعهد الوطني للإحصاءات والدراسات الاقتصادية كشف في 2015 أن عدد المهاجرين الجزائريين الذين يقطنون العاصمة الفرنسية باريس وحدها بلغ 460 ألف شخص من مجموع 5.5 مليون مغترب يوجدون بفرنسا، محتلين بذلك المركز الأول بين الأجانب الآخرين القاطنين في فرنسا.
وكشفت خارطة خاصة بأكبر الجاليات الأجنبية في مختلف الدول الأوروبية، أن الجزائر تستحوذ على المرتبة الأولى في فرنسا، من حيث عدد الجالية فيها، إذ بلغ عدد المهاجرين الجزائريين أكثر من 5 ملايين ونصف مليون شخص، مقابل 3 ملايين مغربي.
البرلماني التونسي حاتم المليكي، يرى أن القرار الفرنسي صدر في إطار الحملة الانتخابية الرئاسية الفرنسية، إلا أنه يؤثر على العلاقات مع دول المغرب العربي.
فيما يخص تونس، أوضح المليكي أن القرار يتزامن مع الظروف الاستثنائية التي تشهدها تونس، حيث أنها تثير بعض التحفظات الأوروبية وقد تمثل ضغطا إضافيا على البلاد.
ويشير المليكي في حديثه لـ"سبوتنيك"، إلى أن أن تداعيات القرار لن تصل إلى مراجعة الموقف من الشراكة مع أوروبا.
لكنه في الوقت ذاته، يشدد على ضرورة العودة للمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، حول مجمل المواضيع بما في ذلك العلاقات التجارية والاستثمار والهجرة.
ظلت فرنسا الشريك التجاري الأول لتونس في عام 2019 حيث بلغت حصة فرنسا نحو 29.1 في المائة من الصادرات التونسية وبلغت حصتها من الواردات التونسية 14.3 في المائة.
وبلغ حجم الصادرات الفرنسية إلى تونس 3،3 مليارات يورو في عام 2019 (أي ارتفاعاً بنسبة 1 في المائة مقارنة بعام 2018).
وتوظّف 413 1 منشأة فرنسية أكثر من 140 ألف شخص في تونس، بحسب بيانات رسمية فرنسية.
وفقا لتقرير الجمارك الجزائرية لعام 2019، حلت فرنسا في المرتبة الثانية من حيث الواردات التي وصلت لـ 4.3 مليار دولار، أي ما يمثل نسبة 10 في المئة من قيمة الواردات.
وتعد فرنسا الوجهة الأولى للصادرات الجزائرية بقيمة 5 مليار دولار، وبنسبة تصل إلى 14 في المئة من إجمالي الصادرات الجزائرية.
من ناحيته قال الخبير الاقتصادي الجزائري، سواهلية أحمد، إن العلاقات مع فرنسا تشهد توترات مستمرة منذ تولي السلطة الحالية في الجزائر.
وأضاف أحمد في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن نحو 6 إلى 7 مليون مهاجر جزائري في فرنسا، ما يعني أن حجم التأثير كبير، إثر القرار لذي اتخذته فرنسا بشكل أحادي.
ويرى أحمد في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن القرار الفرنسي يؤثر على الحركة التجارية بين البلدين، إضافة إلى تأثر عمليات التحويل، وكذلك شركات النقل الجوي.
وتابع أحمد بقوله أن الضرر الذي يطال الجزائر يتعلق بالجانب الاقتصادي، في ظل وضع اقتصادي تحتاج فيه الجزائر إلى استمرار التحويلات المالية.
ويرى الخبير الاقتصادي أن القرار الفرنسي قد يحمل بعض الابتزاز، خاصة في ظل استمرار توتر العلاقات بين البلدين منذ فترة طويلة.
وأشار إلى أن الجزائر ستبحث إجراءات الرد على الجانب الفرنسي، خاصة فيما يتعلق بفاتورة الاستيراد التي خفضت بنسب كبيرة، بالتوازي مع العمل على تنويع مصادر الدخل، وهو ما ينعكس سلبا على حجم الاستيراد من فرنسا.
وشدد على أن الجزائر تسعى لزيادة الصادرات خارج قطاع المحروقات، لتحقيق التوازن المطلوب ويتيح المزيد من الحرية في القرار، بحيث لا تكون القرارت تحت تأثير الخارج من خلال عمليات الابتزاز التي تتم بين الحين والآخر.
بحسب بيانات رسمية مغربية فإن المبادلات التجارية بين فرنسا والمغرب ارتفعت بنسبة 7.1 في المائة سنة 2018 لتصل إلى 117.1 مليار درهم، حيث سجل المغرب فائضا تجاريا مع فرنسا في حدود 2.6 مليار درهم.
في الإطار قال جمال بنشقرون البرلماني المغربي، إنه لا مبررات منطقة للقرار، خاصة في ظل تعاون المغرب بشكل كبير في ملف الهجرة مع الاتحاد الأوروبي.
وأضاف بنشقرون في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الجانب الفرنسي أمام طغوط اليمين المتطرف في أوروبا الذي يقود إلى محاولة طرد كل المهاجرين.
وأشار البرلماني المغربي إلى ضرورة مراجعة الجانب الفرنسي للقرار، خاصة أن العلاقات بين البلدين تاريخية، ولا يجب أن تتأثر بمحاولات اليمين المتطرف.
في إطار الرد الرسمي على الإجراء الفرنسي، اعتبر المغرب أن قرار فرنسا "غير مبرر"، وفق ما جاء على لسان وزير الخارجية ناصر بوريطة الثلاثاء الماضي.
وقال بوريطة، خلال مؤتمر صحفي بالرباط إن المغرب "أخذ علما بهذا القرار الذي نعتبره غير مبرر"، مؤكدا أن الرباط سوف "تتابع الأمر عن قرب مع السلطات الفرنسية"، بعد قرار باريس تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس ردا على "رفض" الدول الثلاث إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين من مواطنيها، وفق ما أعلن الناطق باسم الحكومة الفرنسية غابريال أتال الثلاثاء 28 سبتمبر/أيلول.
في المقابل، أكد وزير الداخلية الفرنسي أن المغرب منح 138 تصريحا من هذا النوع ما بين يناير ويوليو، ما يمثل "نسبة تعاون" لا تتجاوز 25 بالمئة من مجموع الحالات المعنية.
في الإطار ذاته، أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية الأربعاء بيانا أعلنت فيها أنه تم استدعاء السفير الفرنسي لديها للاحتجاج على قرار باريس خفض عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين الجزائريين.