فهل تؤثر دعوات المقاطعة والعصيان المدني على العملية الانتخابية في العراق؟
بداية، يقول المحلل السياسي العراقي، رعد هاشم، إن دعوات المقاطعة للانتخابات القادمة لن تجدي نفعا ولن تؤثر على نتائج الانتخابات على أرض الواقع أو مرورها بسلام، يمكن أن تؤثر تلك الدعوات من الناحية المعنوية، ولا توجد إحصائية تكشف لنا نسبة المقاطعين.
لن تجدي نفعا
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الإعلام الحكومي يقوم بالتمويه على دعوات العصيان والمقاطعة ويؤكد في رسائله الإعلامية أن هناك رغبة عارمة للمشاركة لدى الشعب العراقي، ويشير إلى أن نسبة مشاركة متظاهري "تشرين" واسعة وكبيرة، رغم أن المقاطعة واسعة وبنسب كبيرة بين التشرينيين وغيرهم من قطاعات الشعب على أرض الواقع، لأن هناك قنوط وجذع ويأس لدى الجمهور غير السياسي والذي لا يستفيد من تلك العملية ولا يرى أي احتمالية للتغيير بعد تلك الانتخابات.
وأشار المحلل السياسي إلى أن انتخابات العام 2018 كانت نسبة المشاركة الشعبية فيها متدنية جدا، بالإضافة إلى المقاطعة والتزوير، ومع ذلك تم اعتمادها، لكن يكون التأثير خارجيا في المجتمع الدولي والذي يقيس من خلال تلك المشاركة مدى رقي وشفافية التجربة من عدمه، علاوة على نسبة الواقع الديمقراطي في المجتمع.
مشروعية الانتخابات
وحول دور الرقابة الدولية في إنجاح التجربة، يقول هاشم، إنه يجب أن يكون الإشراف أو الرقابة الدولية متجردا وموضوعيا ويعطي رأيه السديد والحيادي، وعدم الإسهاب في شرح الجاهزية الفنية والاستعداد، في الوقت ذاته عدم ذكر المصاعب والمخاطر وتأثير الفصائل المسلحة على العملية الانتخابية ونزاهتها.
واختتم بقوله، أعتقد أن المراقبين أو المشرفين الأمميين لن يتطرقوا إلى تلك المصاعب والعقبات في تقاريرهم، وسوف يجاملون الحكومة العراقية التي تستضيفهم حاليا، مشيرا إلى أن الإشراف أو الرقابة الدولية لن تعطي نتائج الانتخابات المشروعية الكاملة والوحيدة هو الناخب العراقي ومشاركته الواسعة.
لا لن ننتخب
من جانبه، يقول عضو الميثاق الوطني العراقي، عبد القادر النايل، إن السلطات الحكومية استخدمت كل الجهود الدعائية والدينية والأممية لدفع الناس إلى المشاركة في الانتخابات التي تفصلنا عنها ساعات قليلة، فقد تم التعاون مع ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، بجانب فتاوى المرجعيات في النجف متمثلة في السيستاني، بالإضافة إلى بعض المعممين السنة المرتبطين بالأحزاب السياسية.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، كما تم استخدام ضغوط على الموظفين والمعتقلين، علاوة على المال السياسي والسلاح المنفلت للميليشيات من أجل زيادة نسبة المشاركة، لإعطاء شرعية للانتخابات، ورغم كل الخطوات السابقة، إلا أن بعض استطلاعات للرأي في عموم المحافظات تشير إلى أن نسبة المشاركة ستقل عن المرة السابقة 2018، والتي لم تتجاوز 18 في المئة أو قد تزيد عنها بنسبة بسيطة جدا في أفضل الحالات، نظرا لفقدان الثقة من جانب المواطن بالعملية الانتخابية.
ويشير عضو الميثاق الوطني إلى أن حملة الشعب العراقي التي أطلقها الشباب تحت عنوان "لا لن ننتخب" تأثيرها في الشارع العراقي كبير جدا، وأقوى من الجهات الداعمة للانتخابات.
وسائل جديدة
ويتابع النايل، أن العراق يسير نحو مقاطعة الانتخابات بشكل واسع وكبير، وهذا له تأثير فعلي على بقاء العملية السياسية، متوقعا أن تكون آخر عملية انتخابية في العراق ضمن محددات العملية السياسية الحالية، مما سيجعل الشعب العراقي يفكر بوسائل جديدة لإسقاط النظام السياسي الحالي وتشكيل حكومة مدنية وطنية من الكفاءات العراقية، بعد الفشل الذريع لأحزاب السلطة ومليشياتها التي دمرت العراق سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا فضلا على تبعية الأحزاب إلى عدة دول إقليمية ودولية تنفذ أجنداتها على حساب العراق واستقلاله وسيادته.
ويؤكد النايل أن نتائج الانتخابات ستنعكس سلبا على تشكيل الحكومة واستمرار العملية السياسية، وسيكون التصعيد هو العلامة الفارقة في المشهد العراقي محليا ودوليا، وستكون الانتخابات أزمة كبيرة ومنعطف خطير يمر به العراق، حيث يتحكم السلاح في فرض الأجندات السياسية بالقوة وهذا ما سيعجل بالصدام المسلح والاغتيالات يرافقها انطلاق مظاهرات مع انهيار اقتصادي، وتصادم بين عدة مشاريع عربية وإقليمية داخل العراق، لكن الشعب العراقي سيكون القوة الثالثة التي ستفاجئ اللاعبين الدوليين والإقليميين بفرض واقع جديد.
التصويت الخاص
وأوضح النايل أن الخروقات الكبيرة والواسعة في التصويت الخاص من جانب العسكريين والنازحين والمعتقلين، أفقدت الثقة الشعبية بنزاهة الانتخابات، حيث لم يسمح سوى لـ 676 من المعتقلين بالتصويت رغم أن عددهم تجاوز 70 ألف معتقل،
والحال ينطبق على النازحين، إذا كانت الأمم المتحدة جادة بمراقبة الانتخابات، فعليها العودة إلى أعداد النازحين الناخبين أو المسموح لهم بالانتخاب وعددهم 25 ألفا فقط، وهناك إحصائية رسمية من وزارة الهجرة، تؤكد أن النازحين في مخيمات إقليم كردستان يتجاوز عددهم نصف مليون، وهذا وحده يكفي للطعن بشرعية الاقتراع الخاص.
شرعية زائفة
بدوره، يؤكد أمين عام الحزب الطليعي الناصري، عبد الستار الجميلي، أن الانتخابات لن تأت بجديد، سوى إضفاء شرعية زائفة للكتل الحالية، فالانتخابات تجري في بيئة سياسية وأمنية غير مؤاتية، وفي ظل قانون مفصل وفقا لمصالح هذه الكتل، إلى جانب أن المفوضية مشكلة على قاعدة المحاصصة الطائفية والعنصرية، التي بنيت عليها العملية السياسية منذ بدء الاحتلال وإلى الآن.
وأضاف لوكالة "سبوتنيك"، سيكون العزوف الشعبي عن المشاركة في الانتخابات واضحا، حتى لو حاولت الحكومة إعطاء صورة مغايرة للواقع بدعم من الأمم المتحدة وبعض الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة على الساحة العراقية، متوقعا أن تنحصر النتائج بين الكتل القابضة على السلطة والثروة والسلاح، ما يعني أن الانتخابات لم تعد قادرة على إحداث التغيير المنشود.
مرحلة انتقالية
ويشير الجميلي إلى أن هناك خيارات أخرى برزت على الشارع العراقي من بينها خيار المرحلة الانتقالية بإشراف الجيش العراقي إلى جانب حكومة مصغرة لطرح مشروع دستور جديد، يتبنى اللامركزية الإدارية والنظام المختلط ومبدأ المواطنة الجامعة ومحاسبة القتلة والفاسدين وحصر السلاح بيد الدولة ومن ثم الذهاب إلى انتخابات نزيهة بقانون جديد ولجنة قضائية مستقلة حقا تشكل عند بدء كل دورة انتخابية.
من ناحية أخرى، يقول الباحث المتخصص في الشؤون الكردية، كفاح محمود، إن التصويت الخاص أعطى انطباع أكثر إيجابية لما ستؤول إليه الانتخابات العامة غدا الأحد، ومجرد دعوة مجاميع للمقاطعة، لن تؤثر على مشاركة الأهالي الذين يطمحون إلى إحداث تغيير جدي في مسار العملية السياسية.
ويضيف لـ"سبوتنيك"، إن العملية السياسية بالبلاد والتي أصابها الترهل والفساد قد تتغير بعض ملامحها، خاصة وأن قانون الانتخاب تضمن إيجابية مهمة، حيث أعطت المرشح امكانية أكبر للخروج من هيمنة الكتل والأحزاب السياسية التي كانت تكبله بفضلها عليه، كونه سيفوز بتوجيه منها.
انطباع إيجابي
واعتبر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أن يوم العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول، موعدا لصنع التغيير في البلاد.
وقال الكاظمي، في تغريدة له على موقع تويتر، الأحد: "شبابنا هم الطليعة التي يعتمد عليها الشعب، من أجل إحداث التغيير والإصلاح، بوعيكم ووطنيتكم وإصراركم على صنع المستقبل، تصبح الانتخابات عرسا وطنيا".
وقررت الحكومة العراقية، في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، تأجيل الانتخابات البرلمانية المبكرة لتجرى في أكتوبر، بدلا من يونيو/ حزيران، بناء على اقتراح مفوضية الانتخابات.
وانطلقت شرارة الاحتجاجات العراقية في الأول من أكتوبر 2019 بشكل عفوي، ورفعت مطالب تنتقد البطالة وضعف الخدمات العامة والفساد المستشري والطبقة السياسية التي يرى المتظاهرون أنها موالية لإيران أو الولايات المتحدة أكثر من موالاتها للشعب العراقي.