وخفضت، أمس، وكالة موديز للتصنيف الائتماني التقييم السيادي لتونس من "B3" إلى"Caa1"، مع المحافظة على توقعات سلبية.
كما راجعت موديز تقييم البنك المركزي التونسي المسؤول عن الدفوعات المتعلقة بكل قطاع الحكومة، من "B3" إلى"Caa1"، مع الإبقاء أيضا على آفاق سلبية.
وأرجعت الوكالة هذا التخفيض إلى "ضعف الحوكمة وتفاقم الاعتقاد بعدم تمكّن الحكومة التونسية من تنفيذ التدابير والإجراءات التي تضمن وصول التمويلات اللازمة لتلبية المتطلبات المرتفعة على مدى السنوات القليلة القادمة".
معضلة التصنيف السيادي
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، قالت الخبيرة الاقتصادية جنات بن عبد الله إن "تخفيض موديز الأخير للترقيم السيادي لتونس لم يكن مفاجئا باعتبار أن كل المؤشرات المالية والاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية تؤكد أن تونس تتجه نحو هذا الترقيم، وباعتبار أن التصنيفات الماضية لم تُأخذ بعين الاعتبار".
وأضافت بن عبد الله أن "تخفيض تونس إلى درجة Caa1 يكشف أن الحكومة التونسية عاجزة عن السيطرة على الوضع الاقتصادي والمالي".
وبينت أن "التصنيف الجديد يكشف عن وجود شكوك كبيرة في قدرة هذه الحكومة على الاستجابة لاستحقاقات المرحلة، المتمثلة أساسا في إعداد مشروع قانون مالية تكميلي لسنة 2021 وتوفير التمويلات اللازمة لتغطية نفقات الدولة بالنسبة للفترة المتبقية من هذه السنة".
وتابعت: "هذا التصنيف يعني أن تونس دخلت منطقة الدول ذات المخاطر العالية، بما يعني أن المستثمر الأجنبي لا يثق في تونس للاستثمار داخلها. كما أن هذا التصنيف يعني صعوبة توفير الدولة التونسية للاعتمادات اللازمة لتسديد ديونها الخارجية."
وأوضحت بن عبد الله أن الإبقاء على آفاق سلبية يعكس وجود مخاطر حقيقية بخصوص وضعية الاحتياطي من العملة الأجنبية وبخصوص ميزان المدفوعات. بما يعني أن تونس عاجزة عن تأمين احتياجاتها من العملة الأجنبية.
وقالت الخبيرة الاقتصادية إن الأخطر من ذلك هو أن هذا التصنيف يفتح الأبواب على مصراعيها لذهاب تونس نحو نادي باريس والقبول بإعادة هيكلة الديون في اتجاه تحويلها إلى استثمارات، بما يعني تفويت الدولة التونسية في ممتلكاتها وأصولها ممثلة في المؤسسات العمومية والمرافق العمومية كالموانئ والمطارات وغيرهما.
واستمرت بقولها: "الحكومة الحالية برئاسة بودن هي حكومة خارج سياق المرحلة التي تمر بها تونس باعتبار أن كل السلطة مجمعة في شخص رئيس الجمهورية ولا يمكن بناء على ذلك الحديث عن وجود برنامج أو تصور للخروج من هذه الأزمة، والدليل على ذلك هو اجتماع أول مجلس وزاري أمس حيث كنا ننتظر الإعلان عن قرارات جريئة وحقيقية تعطي على الأقل إشارة ورسائل إيجابية تطمئن الشعب التونسي بخصوص سيطرة هذه الحكومة على الوضع وإدراكها لخصوصيته، ولكن ذلك لم يحدث".
ولفتت بن عبد الله إلى أن الفرصة الوحيدة التي تملكها هذه الحكومة لإخراج تونس من هذه الأزمة هي التعويل على زادها دون اللجوء إلى التسول من صندوق النقد الدولي، والاعتماد على امكانياتها الذاتية المتمثلة خاصة في إعادة الاعتبار للقطاعات المنتجة وبالأخص القطاع الفلاحي والصناعي وتنظيم قطاع الخدمات.
مهمة صعبة
بدوره، قال الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان لـ "سبوتنيك"، إن "تخفيض التصنيف السيادي لتونس صعّب مهمة الحكومة الجديدة برئاسة بودن في معالجة المشاكل الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمر بها البلاد".
وفسر سعيدان بأن هذا التصنيف سيؤثر على علاقات تونس الخارجية على ثلاثة مستويات أولها العلاقات المالية، حيث أصبح دخول تونس للأسواق المالية الدولية شبه مستحيل، في حين أن تونس في أمسّ الحاجة الآن إلى تعبئة موارد مالية لتمويل نفقات الدولة لما تبقى من سنة 2021 وللسنوات التي تليها.
ولفت إلى أن هذا التصنيف سيكون له تأثير مباشر على قرار المستثمر الأجنبي الذي يعتمد على التصنيف الائتماني للتوجه نحو الاستثمار في بلد ما.
وأضاف "هذا التصنيف سيمسّ أيضا من العلاقات السيادية لتونس، لأن المؤسسات الاقتصادية التونسية سواء في القطاع العام أو الخاص ستجد نفسها في وضع حرج، بما أن المزود سيخشى على دفع مستحقاته وربما يطالب بالدفع المسبق قبل شحن البضاعة".
وقال سعيدان إن "حكومة نجلاء بودن ستكون أمام تحدي صعب وهو إنقاذ المالية العمومية، أولا من خلال إعداد قانون مالية تكميلي لسنة 2021 بشكل يوضح كيف تمويل نفقات الدولة لما تبقى من هذه السنة، وثانيا بإعداد قانون مالية لسنة 2022 حتى تبيّن للعالم أن لديها رؤية واضحة بالنسبة للأوضاع الاقتصادية والمالية".
وأشار سعيدان إلى أن الأولوية الثالثة للحكومة هي محاولة إعادة تحريك المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، قائلا "في غياب اتفاق مع الصندوق لن تتمكن تونس من اللجوء إلى السوق المالية الدولية أو حتى إلى بعض البلدان التي تربط معاملاتها مع تونس بصندوق النقد الدولي".
ملفات اجتماعية عالقة
وإلى جانب التحديات الاقتصادية والمالية الصعبة، تنتظر حكومة بودن تركة ثقيلة من الملفات الاجتماعية التي ذكّر بها الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) في آخر مكالمة لأمينه العام مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن.
حيث طالب الاتحاد العام التونسي للشغل الحكومة الجديدة بمعالجة الملف الاجتماعي خاصة في ظل تفاقم معدلات الفقر والبطالة وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين.
ودعا الاتحاد حكومة بودن إلى تنفيذ الاتفاقات التي وقعها مع الحكومة السابقة، والتي لم ينشر سوى جزء قليل منها في الرائد الرسمي من جملة 46 أمرا حكوميا.
وفي هذا الإطار، أكد الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل محمد علي البوغديري لـ "سبوتنيك"، أن عددا هاما من الاتفاقات الاجتماعية التي وقعها الاتحاد مع جل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لم يتم تفعيلها وبقيت حبيسة الرفوف.
وأرجع البوغديري عدم تنفيذ هذه الاتفاقات إلى العجز المستمر للمالية العمومية، معتبرا أن الأولوية الأولى للحكومة الجديدة هي إعادة التوازن للمالية العمومية بشكل يسمح بالمضي في الاصلاحات الاجتماعية، قائلا "إذا تحقق هذا الهدف يمكن حينها تحسين الوضع الاجتماعي للمواطنين".
وأشار المسؤول النقابي إلى أن اتحاد الشغل يثق في قدرة القيادة الجديدة على المضي قدما وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة.
وقال البوغديري إن "تأخر الاصلاحات السياسية عطل الاصلاحات الاقتصادية التي عطلت بدورها الاصلاحات الاجتماعية، مشيرا إلى ضرورة النظر في مراجعة الخيارات السياسية الكبرى المستقبلية".
وطالب البوغديري الحكومة الجديدة بقيادة بودن باعتماد منوال تنمية جديد يقوم على تحريك القوة الكامنة الموجودة في تونس التي تجاهلتها الحكومات المتعاقبة في إشارة إلى القدرات الفلاحية، داعيا إياها إلى الاستثمار في مجاليْ الطاقة والمياه.