بداية يقول المستشار يعقوب إبراهيم البشير، القيادي في حزب الأمة القومي السوداني، وخبير القانون الدولي: إن المشكلة السودانية الآن تمن في تحريك المؤتمر الوطني "حزب البشير" للمكون العسكري في مجلس السيادة الحاكم في البلاد، من أجل تأجيج الشارع السوداني تمهيدا لعودة الحركة الإسلامية للواجهة السياسية.
ويضيف في حديثه لـ"سبوتنيك"، " أن كل الجهات بما فيها مسار الشرق تشترك جميعا في الحالة التي تعيشها البلاد، حيث تقوم كل جهة بتحريك بعض العناصر من أجل أن تبدد المخاوف التي تخشاها، فمثلا في شرق البلاد وبعد مباحثات العاصمة الإريترية "أسمرا" تم تكوين صندوق إعمار الشرق، هذا الصندوق حدثت به مخالفات مالية كبيرة، لذلك كانت بداية الاحتجاجات مدفوعة من بعض القيادات خوفا من وصول لجنة إزالة التمكين وكشف تلك المخالفات، لذلك هم يعملون على إسقاط الحكومة الحالية، من أجل حل لجنة إزالة التمكين حتى لا يتم الكشف صراحة عن تلك المخالفات المالية ومحاسبة مرتكبيها.
وأوضح البشير، بالنسبة للمكون العسكري في مجلس السيادة، فقد وصلت التحقيقات في قضية فض الاعتصام إلى مراحل كشفت عن تورط العسكريين في تلك الجريمة، لذا يعمل العسكريين على إرباك المشهد السياسي من أجل بقاء المكون العسكري على رأس مجلس السيادة ولا يتم تسليم سلطاتهم إلى المكون المدني لضمان عدم المحاسبة، كل تلك الإشكاليات تم استغلالها من جانب الدولة العميقة وفلول النظام السابق من أجل الدخول مجددا إلى الشارع السوداني وإسقاط حكومة الفترة الانتقالية.
وأشار القيادي بحزب الأمة إلى أن الثوار السودانيين عبروا عن دعمهم مجددا للمكون المدني أو الحكومة المدنية الانتقالية وسوف تكون هناك تظاهرات داعمة للتحول الديمقراطي في الواحد والعشرين الشهر الجاري، أما ما شاهدناه أمام القصر الجمهوري من مظاهر، هؤلاء داعمين للمجلس العسكري، ويطالبوه باستلام السلطة.
بدوره يرى القيادي في المقاومة السودانية، محمد صالح رزق الله، "أن ما يدور حاليا في البلاد من صراعات في اعتقادي أنها صراعات "مفتعلة"، فإذا رجعنا إلى الوراء قليلا، نجد أن المتصارعون الآن جميعهم من تحالف نداء السودان "أصحاب نظرية الهبوط الناعم"، حيث كانوا يعدون العدة قبل الثورة للتفاوض مع نظام عمر البشير ومشاركته في السلطة في الانتخابات التي كانت مقررة في العام 2020 ومن بينها "الجبهة الثورية- المؤتمر السوداني - حزب الأمة - حزب البعث" وبعض الحركات الموجودة أيضا في مجموعة نداء السودان، كانوا جميعهم مع النظام، حاليا هم مع حمدوك ويقودون أيضا عملية الهبوط الناعم بطريقة سلسة بعد أن قاموا بسرقة ثورة الشعب السوداني، فنحن في قوى المقاومة نعتبر أن الثورة قد سرقت منذ اليوم الأول للجلوس مع العسكر.
وقال في حديثه لـ"سبوتنيك"، " حتى الوثيقة الدستورية التي تم إعدادها ليست وثيقة الثوار، إنما هى تنازل وصك بيع الثورة من جانب مجموعات دخيلة وليست من المشاركين في ثورة الشعب، ما يحدث الآن هو صراع بين مكونات هذا المعسكر فيما بينهم "قحت 1، قحت 2"، نظرا لأن لديهم جميعا معضلة أساسية غير قادرين على التخلص منها سواء كان العسكر أو السياسيين، حيث جاء الوقت لكي يقوموا بإشراك جزء كبير جدا من بقايا المؤتمر الوطني وفق اتفاقات غير معلنة وغير مكتوبة".
وتابع القيادي بالمقاومة، كيف للسياسيين الحاليين أن يشركوا فلول النظام السابق، فمن غير الممكن إدخالهم بصورة مباشرة لأن الشارع السوداني يرفضهم بشكل قاطع، لذلك هم قاموا بقسمة قوى الحرية والتغيير إلى مكونين وتم ضم العناصر والأحزاب التي كانت تابعة أو موالية للبشير لـ"قحت 2"، وسوف يكون حمدوك هو المنظم لكل تلك التحركات وسوف يعترف بالطرفين "قحت 1،2" ويجري مصالحة فيما بينهم وتعود قحت موحدة كما كانت، والمكسب هنا يتمثل في دخول عنصر جديد إلى الحرية والتغيير "قحت" وهم أحزاب المؤتمر الوطني، دون أن يشعر الشارع السوداني لأنهم دخلوا تحت عباءة "قحت 2"، وتلك هى اللعبة السياسية الدائرة الآن، مشيرا إلى أنه لا توجد خلافات مع حمدوك، لأنه رجل أمريكا بالأساس، ويقوم بتنفيذ برنامج الهبوط الناعم بالسودان ليعود من جديد تحت نير المؤتمر الوطني".
وأكد رزق الله على أن ما يحدث الآن والأزمات المصطنعة هى للتغطية على أوضاع بعينها، أما بالنسبة للقوى السياسية الحقيقية، فهي بريئة من كلا الطرفين، وقد رفضت تلك القوى منذ البداية التوقيع على الوثيقة الدستورية، كما رفضوا التفاوض مع اللجنة الأمنية لعمر البشير أيام الاعتصام أمام القيادة العامة، هذه القوى لا تزال موجودة، ربما تكون مشتتة وغير مجتمعة وهى صاحبة الثورة والحق في التغيير، لكنها اليوم خارج ملعب الصراعات الدائرة الآن بشكل قاطع وهى ترى الطرفين بعين واحدة.
كان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، إن الأزمة السياسية الحالية هي أخطر أزمة تهدد الانتقال المدني الديمقراطي بل وتهدد بلاده كلها تنذر "بشر مستطير".
جاء ذلك في خطاب له، مساء الجمعة الماضية، تطرق خلاله للوضع السياسي الراهن في السودان، كاشفا النقاب عن خارطة طريق لتجاوز الأزمة، حسب وكالة الأنباء الرسمية (سونا).
وخاطب حمدوك السودانيين قائلا: "تابعتم الأحداث الأخيرة في البلاد، والأزمة السياسية الحادة التي نعايشها الآن"، مضيفا "لن أبالغ إذا قلت إنها أسوأ وأخطر أزمة تهدد الانتقال، بل وتهدد بلادنا كلها، وتنذر بشرٍ مُستطير".
واعتبر أن جوهر الأزمة الحالية في السودان هو "تعذر الاتفاق على مشروع وطني متوافق عليه بين قوى الثورة والتغيير، يحقق أهداف الثورة وآمال السودانيين في الحرية والسلام والعدالة".
وأرجع هذا "التعذر" إلى حدوث "انقسامات عميقة وسط المدنيين ووسط العسكريين وبين المدنيين والعسكريين".
وأكد حمدوك على أن الصراع ليس بين المدنيين والعسكريين، بل "هو بين معسكر الانتقال المدني الديمقراطي ومعسكر الانقلاب على الثورة"، مشيرا إلى أن موقفه بوضوح هو "الانحياز الكامل للانتقال المدني الديمقراطي ولإكمال مهام الثورة".
ولخص حمدوك خلاصة نقاشاته مع أطراف الأزمة في "خارطة طريق" لتحويلها إلى "لفرصة يغتنمها شعبنا بما يعود عليه بالخير والاستقرار والنماء".