وكان المدير العام للتمويل والدفوعات الخارجية في البنك المركزي التونسي، عبد الكريم لسود، قد كشف عن وجود محادثات متقدمة جدا مع السعودية والإمارات لسد النقص الحاد في موارد الدولة التونسية، مشددا على ضرورة تطوير التعاون الثنائي مع الجارة الجزائر.
وإلى جانب السعودية والإمارات، قال لسود إن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أبدى استعداد الجزائر للتعاون مع تونس في عديد الملفات، مشيرا إلى امكانية مشاركة الجزائر في تعبئة موارد للميزانية التونسية.
ويرى متابعون في الداخل التونسي، أن توجّه بلادهم نحو السعودية والإمارات تحديدا يعكس العزلة الدبلوماسية التي باتت عليها تونس بعد أن عبّرت لجنة الكونغرس المنعقدة مؤخرا عن استيائها من وضع الديمقراطية في البلاد، ودعوة الاتحاد الأوروبي اليوم إلى إعادة عمل البرلمان وضمان سيادة القانون، فضلا عن التصنيف السيادي الأخير لوكالة موديز التي خفضت درجة تونس الائتمانية إلى الدرجة "س أ أ 1".
جري وراء السراب
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، اعتبر المحامي والسياسي، سمير بن عمر، أن البحث عن مصادر تمويل في الإمارات والسعودية هو "جري وراء السراب ومجرد مضيعة للوقت لن تجني منه تونس شيئا".
ويرى بن عمر أن التوجه نحو السعودية والإمارات يعكس فشل النظام الحالي في تونس وفقدانه للخيارات وركضه وراء أي حبل للنجاة، معتبرا أن حبل السعودية والإمارات قصير ولن ينقذ تونس من أزمتها المالية الحادة.
وقال بن عمر إنه ليس أمام تونس إلّا التعويل على أصدقائها الحقيقيين الذين طالما وقفوا إلى جانبها في مختلف المحن التي مرت بها على امتداد التاريخ، والتوجه نحو قنوات التمويل الطبيعية المتمثلة خاصة في المؤسسات المالية الدولية.
واستطرد "لكن هذه المساعدة مشروطة بالعودة إلى الشرعية الدستورية وبعودة النظام الديمقراطي، فالاتحاد الأوروبي في آخر اجتماعاته اليوم عبّر عن استعداده لمساعدة تونس في محنتها المالية والاقتصادية ولكن هذه شريطة العودة إلى الشرعية الدستورية".
ويرى بن عمر أن النظام في تونس أصبح يعاني من عزلة دبلوماسية ومقاطعة من كل الدول بما في ذلك التي يعتبرها حليفة له، مضيفا "لذلك لا حل اليوم إلا في تحكيم العقل والرجوع إلى الشرعية والتفاوض على ذلك الأساس مع المؤسسات المالية الدولية من أجل إعادة جدولة الديون والحصول على قروض تسمح بتعبئة الموارد المالية اللازمة للدولة".
ثمن سياسي
بدوره، قال الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، لـ "سبوتنيك"، إن توجه تونس نحو الإمارات والسعودية لتمويل ميزانياتها يؤكد أن أبواب كل المؤسسات المالية العالمية قد أوصدت في وجه الدولة التونسية نتيجة اللاستقرار السياسي الذي تمر به البلاد وغياب أي رؤية مستقبلية.
ولفت الشابي إلى أن التجاء تونس إلى أحد المحاور الاقليمية بعد انسداد الأفق مع المؤسسات المالية الدولية سيكون له شروط واملاءات سياسية، وهو ما سيطرح سؤالا كبيرا بشأن ما يرفع من شعارات حول استقلال القرار الوطني، وفقا لقوله.
وقال الشابي "حتى لو افترضنا أن السعودية والإمارات أنجدتا الدولة التونسية، فإن هذه النجدة ستكون محدودة وستعود البلاد بعد ذلك إلى المربع الأول، لذلك فإن الحل يكمن في تعافي الاقتصاد الوطني، وهذا التعافي لن يكون ممكنا إلّا بحل الأزمة السياسية وضمان الاستقرار السياسي وإعادة فتح الأفق أمام الدولة التونسية للتواصل مع شركائها الدوليين".
دعم مستبعد
وبيّن القيادي بحزب الأمل، رضا بالحاج، في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن الوضع المالي الذي تمر به البلاد صعب جدا نتيجة العجز المتفاقم في الميزانية وفي التوازنات المالية، مشددا على أن الحل الوحيد لتجاوز هذا المأزق هو التفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي أصبح شبه مستحيل بعد أحداث 25 يوليو، وفقا لقوله.
وأضاف "ربما تجد تونس دعما ماليا من الأطراف الدولية، ولكن أعتقد أن الوضع الاقليمي والدولي لا يسمح لها بذلك. ثم إن تقاليد هذه الدول لا تدعم ميزانيات وإنما تدعم بلدانا في نطاق استثمارات، وبالتالي أستبعد كثيرا أن تقوم هذه الدول بمساعدة تونس على إحداث توازن في ميزانية الدولة".
ولفت بالحاج إلى أن رئيس الجمهورية قيس سعيد لم يسمِ هذه الدول، قائلا "ولكن نظرا لدعمها السريع لأحداث 25 يوليو يمكن أن يكون هنالك تحالف بين هذه الأطراف الدولية والرئيس قيس سعيد، وهو ما جعله يتصور أن هذه البلدان يمكن أن تدعمه كما دعمت الرئيس المصري سنة 2013، ولكن الوضع الحالي والموقع الجغرافي والموقف الدولي مختلفون جدا".
وتبعا لذلك، يرى بالحاج أن الحل المتبقي أمام تونس هو إعادة التواصل مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي من خلال فتح حوار وطني دون إقصاء والرجوع إلى الشرعية وتكوين حكومة إنقاذ تتحصل على مصادقة البرلمان، مشددا على أن تقاليد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي وكل الديمقراطيات لا تسمح لهم بالتعامل مع حكومة ليس لها شرعية برلمانية.