إلى أي طريق سوف تسير البلاد في المرحلة القادمة وهل يبقى السودان موحدا أم تقطع أجزاء أخرى من جسده المنهك بفعل الصراعات؟
بداية، يقول المدير الإعلامي الأسبق للرئاسة السودانية، أبي عزالدين، إن هناك فوضى عارمة أحدثها تجمع المهنيين الحاكم بتوقيعه وثيقة شراكة الحكم مع المؤسسة العسكرية والمسماة بالوثيقة الدستورية.
ثغرات قانونية
ويضيف في حديثه لـ"سبوتنيك"، هذه الوثيقة فيها ثغرات قانونية خطيرة، إضافة إلى عدم التزام أحزاب المكون المدني المسمى بقوى الحرية والتغيير بالمصفوفة الزمنية في هذه الوثيقة، ابتداء من عدم تشكيل اللجنة التشريعية البرلمانية، والمحكمة الدستورية، والإحصاء السكاني للإعداد لانتخابات 2022.
وتابع عز الدين، علاوة على ما سبق هو توقيع تجمع المهنيين لاتفاق سياسي خارج السودان مع حركة عبدالعزيز الحلو الانفصالية، وتوقيع الحكومة لاتفاق مع حركات الكفاح الوطني المسلح في جوبا، مما أدى لتغيير كل المعادلات، وأخل بالوثيقة الدستورية، هذا الإخلال والطمع في الجلوس على كراسي السلطة لأطول فترة بدون عقد انتخابات حرة، هو سبب الفوضى الماثلة الآن في المشهد السياسي.
اعتصام القصر
وأكد المدير الإعلامي السابق للرئاسة، أن اعتصام القصر الجمهوري والذي يمتد لليوم السابع الآن، هو رفض شعبي ورفض سياسي لمسلك المكونات الحاكمة والمستأثرة بالسلطة، ومن المثير أن بعض القوى المشاركة في الحكم، هي القوى الأساسية في اعتصام القصر الجمهوري، نظرا لمعرفتهم بطريقة صنع القرار في الدولة.
السيناريو القادم
وأشار إلى أن ما سيحدث دون شك هو قيام رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بحل هذه الحكومة، مع هذه الضغوط السياسية، فإذا كان حمدوك ومن خلفه قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين قد صمدوا في وجه الضغوط الشعبية من جراء الوضع المعيشي والاقتصادي المنهار، وامتصوا كل التظاهرات ضدهم في العامين الماضيين بما فيها تظاهرات 30 يونيو/حزيران و21 أكتوبر/تشرين أول، فإن حمدوك والأحزاب الأربعة المساندة له لن تصمد في وجه الضغط السياسي، ولن يصبر حمدوك عليه.
وحول إمكانية إقالة الحكومة، قال عز الدين، إنه مع تلك الضغوط الآتية من كل ناحية، والتذمر الشعبي الواسع من الوضع المعيشي والسياسي والأمني، أتوقع حل الحكومة هذا الأسبوع، في ظل اتفاقات سابقة، كذلك لحمدوك مع البرهان ومع المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي فيلتمان ورئيس بعثة اليونيتامس فولكر بيرتس، عقب اتصال مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان بحمدوك، لينقذه من الموقف الذي وضعت قوى الحرية والتغيير نفسها فيه.
الحل الدائم
واختتم بقوله، لن يكون هناك حل دائم، دون إعلان قيام الانتخابات الحرة والنزيهة في موعدها، وبعيدا عن تدخلات بعثة "اليوينيتامس" في صياغة الدستور الجديد، أو الإشراف على العملية الانتخابية لصالح حمدوك وأنصاره من الأحزاب اليسارية الأربعة المهيمنة حاليا و المسنودة (مؤقتا) بقوة العسكر.
استفتاء شعبي
من جانبه، يقول القيادي بجبهة المقاومة السودانية، محمد صالح رزق الله، أثبت الواقع بما لا يدع مجالا للشك أن قوى الهبوط الناعم بكل مكوناتها مصرة على التلاعب على قضايا و مطالب الشعوب السودانية، و ما حدث يوم الخميس الماضي من حشود جماهيرية غير مسبوقة، كان بمثابة استفتاء حقيقي، حيث قالت الشعوب السودانية كلمتها من أقصى الغرب فى الجنينة إلى أقصى الشرق فى بورتسودان، و كانت شعاراتها واضحة مع قليل من التباين، والقاسم المشترك بينها كان هو استرداد الثورة من الذين سطوا عليها من "قحت 1 وقحت 2" وحلفائهم من اللجنة الأمنية لنظام البشير و"القتلة الجنجويد".
ويضيف في حديثه لـ"سبوتنيك": "وتجلت الخيانة والتلاعب بمطالب و شعارات الجماهير قبل أن تنتهي مسيرة الجموع الهادرة فى كل المدن والأرياف السودانية، حيث تدخلت قوات الأمن والبوليس وأطلقت الرصاص المطاطي والبنبان "الغاز المسيل للدموع" على الجموع التي كانت قد تجمهرت أمام قبة المجلس الوطني "البرلمان" فى مدينة ام درمان، و تم تفريغهم بعنف مفرط رغم سلميتهم التى لا يختلف عليها اثنان، مع العلم أنهم سمحوا لقحت 2 و فلول النظام السابق بأن يتجمهرون أمام القصر الجمهوري منذ عدة أيام وما يزالون هناك".
خيانة الثورة
وأشار القيادي بالمقاومة إلى أن "قحت 1" حاولت أن تلون هذه المظاهرات لصالحها، ولكن الجماهير كانت أوعى من أن تمر عليها هكذا خدعة، وهتفت أمام قادة "قحت 1" بأنهم هم الذين باعوا الثورة ودم الشهداء، ولم تكن التظاهرات قد انفضت إلا وظهرت تسريبات من قحت 1 حول محاولتها تزييف مطالب الجماهير التى نادت بها قوى الثورة الحقيقة و الحية "لجان المقاومة و تنظيمات أخرى" والمتمثلة في فض الشراكة مع اللجنة الأمنية للبشير، تحت شعار فض شراكة الدم، حيث تم تسريب حول إزاحة البرهان والإتيان ببديل له من العسكر، وهذا التفاف على ما قالته الجماهير.
لجنة السبعة
وتابع رزق الله، كما تكرر الحديث عن لجنة التصالح مع قحت 1 وقحت 2، والتي سميت بلجنة السبعة "اثنين من قحت 1 واثنين من قحت 2 واثنين من اللجنة الأمنية للبشير وفرد سابع يكون محايدا"، والخطير فى الأمر أن قرارت هذه اللجنة غير قابلة للنقض أو التعديل، مع العلم أن تحالف قحت 2 مع حليفه المكون العسكري والفلول له أغلبية هذه اللجنة، وقد وافقت قحت 1 وقحت 2 على هذا المخترع الذي تقدم به ضابط الإيقاع لقوى الهبوط الناعم رئيس الوزراء حمدوك، وكذلك وافقوا على التعديل فى المجلس السيادي ومجلس الوزاراء، وهذا يعتبر اعترف كامل بقحت الجديدة 2، مع حلفائها من فلول نظام البشير "أحزاب الفكة".
وأشار إلى أن تقسيمات لجنة السبعة تعني أن نسب توزيع المناصب لمجلس السيادة والوزراء والمجلس التشريعي تصب في صالح عسكر اللجنة الأمنية للبشير والجنجويد مع حليفتهم قحت الجديدة 2، وهذا يعني أنه قد تم التصديق شرعيا وقانونيا بعودة نظام البشير، وبطريقة ديمقراطية وقضى على ثورة ديسمبر تماما واكتمل مشروع الهبوط الناعم، إلا إذا تحركت قوى الثورة الحقيقة صاحبة المصلحة فى التغيير الجذري، وأعادت رص صفوها وانتزعت ثورتها من هؤلاء العملاء.
واختتم رزق الله، رغم كل ذلك نثق في الشعوب السودانية الحية، والتي أثبت يوم الخميس الماضي، أنها مصممة وعازمة على إنجاز ثورتها مهما كان الطريق صعبا، وأن الثورة لا تزال حية فى ضمير كل شرفاء السودان، وقد تعلمت قوى الثورة الحية من أخطائها وتجاربها ولن تسمح بتزوير إرادتها وستنتصر لا محالة.
أزمة مصطنعة
وحذر مستشار رئيس الوزراء السوداني والقيادي في قوى الحرية والتغيير، ياسر عرمان، من محاولة حل الحكومة الانتقالية بالقوة، واصفا الأزمة الحالية في السودان بـ"المصطنعة" والتي تأخذ شكل "انقلاب زائف".
وقال عرمان خلال مؤتمر صحفي لمجموعة المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، اليوم السبت: "نجدد من ثقتنا في الحكومة وفي رئيس الوزراء عبد الله حمدوك"، مضيفا: "هذه الحكومة لن تحل بالقوة ولا بفرمان ولا من أي جهة كانت، وإذا حاول أحد فإن الشعب سيواجهه".
وأضاف عرمان أن "الأزمة الحالية في السودان أزمة مصطنعة، وتأخذ شكل انقلاب زائف"، وقال: "من يطالبون بحل الحكومة لماذا لا يطالبون بحل المجلس العسكري".
كما شدد عرمان على ضرورة التظاهر بسلمية، وقال: "نحذر من استخدام الرصاص في المظاهرات، فهذا عمل غير مشروع".
ودعا إلى إصلاح القوات المسلحة، مؤكدا أن "هناك فرصة لإصلاح القوات المسلحة حاليا فكل الحركات المسلحة الآن مستعدة أن تكون جزء من القوات المسلحة السودانية".
وبدأت الأزمة بين شركاء الحكم الانتقالي، على خلفية مواقف الأطراف من محاولة انقلاب عسكري فاشلة شهدتها البلاد في 21 سبتمبر/أيلول الماضي.
يشار إلى أنه منذ عام 2019 يحكم السودان مجلس انتقالي، مكون من عناصر مدنية وعسكرية، وتم تشكيله بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير الذي حكم السودان لنحو ثلاثة عقود.
وحظيت السلطات الانتقالية في السودان بدعم عالمي واسع، حيث تم رفع اسم السودان من قائمة واشنطن للدول الراعية للإرهاب، ولاقت السلطات الجديدة دعما كبير دوليا وإقليميا.
>> يمكنك متابعة المزيد من أخبار السودان اليوم مع سبوتنيك.