فبعد الجدل الذي أحاط بتزعمه خروج مليون و800 ألف متظاهر لنصرته خلال المسيرات وتخوين المعارضين، خلّف تصريح جديد لرئيس الجمهورية التونسية جدلا واسعا، حيث دعا فيه "المواطنين الصادقين إلى تطهير البلاد من كل من عبث بمقدّرات الدولة والشعب".
ورغم أن بيان الرئاسة الذي استخدم كلمة "مواطنين" جاء مخالفا لمنطوق الرئيس الذي استعمل كلمة "وطنيين" في الفيديو الذي نشرته الرئاسة، إلا أن الأوساط التونسية اعتبرت هذه الدعوة تحريضا على العنف والاقتتال بين الأهالي، منتقدين مسألة تقسيم التونسيين وتوزيع صكوك الوطنية على الناس.
تحريض على الاقتتال الأهلي
واعتبر رئيس حزب المجد عبد الوهاب الهاني في تدوينة على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن ما ورد في بلاغ الرئاسة هو "تحريض واضح فاضح على العنف والفوضى والاقتتال والحرب الأهلية"، داعيا القضاء إلى فتح التحقيقات العدلية اللازمة لتحديد ملابسات نشر البلاغ والمسؤولين عنه ومحاسبتهم بتهمة "تحريض المواطنين على مقاتلة بعضهم البعض تحت مسمى التطهير".
كما دعا الهاني رئيس الجمهورية إلى "التحرّي في اختيار ألفاظه وتفادي قاموس التخوين وبث خطاب الكراهية والتحريض على العنف بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وبالأخص في فترة غليان اجتماعي".
بدوره، تساءل الناشط السياسي، الأسعد اليعقوبي، في تدوينة على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك "ما إن كان قيس سعيد وأتباعه يوزعون صكوك الوطنية فقط لمن يؤمنون بهم ويتهمون مخالفيهم بالخيانة تماما كما فعل بورقيبة مع اليوسفيين؟".
ونشر القيادي في حركة النهضة، خليل البرعومي، تدوينة يقول فيها "رئاسة الجمهورية تدعو المواطنين الصادقين إلى تطهير البلاد من كل من عبث بمقدرات الدولة والشعب! دعوة مثل هذه ماذا تسمى بربكم؟ هل أن المواطنين هم المطالبون بتطهير البلاد (ليس من الفساد) من الذين عبثوا بمقدراته؟ وكيف سيقومون بتطهريهم؟ دعوة للقتل أم دعوة للتصفية أم دعوة للاقتتال الأهلي والفوضى الجماعية؟ عنف واضح وصريح وتأصيل للاقتتال الشعبي باسم الرئاسة. يجب رفع قضايا دولية تجاه هذا الإجرام الممنهج باسم الدولة".
تجييش الشارع
وفي السياق، قال رئيس الهيئة السياسية لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، سمير بن عمر، في تصريح لـ "سبوتنيك"، إن دعوة رئيس الجمهورية المواطنين أو الوطنيين إلى تطهير البلاد من الفاسدين تنم عن "جهله أو تجاهله أن مسؤولية مكافحة الفساد هي مسؤولية الدولة وليس المواطنين.
وشدد على أن مكافحة الفساد تتم في إطار القانون وفي ظل احترام مؤسسات الدولة وليس عن طريق تجييش الشارع وتحريضه على بعض التونسيين الذي لم يثبت أصلا تورطهم في الفساد ولم تفتح ضدهم قضايا جزائية من قبل الهياكل القضائية المختصة، وفقا لقوله.
واعتبر بن عمر أن تصريحات رئيس الجمهورية هي تصريحات خطيرة، ومن شأنها أن تشجع على الاحتراب الأهلي وأن تزيد في تقسيم التونسيين وتضرب الوحدة الوطنية.
وأضاف "بهذه التصريحات، برهن الرئيس أنه ليس رجل دولة وليس له برنامج وأنه أدخل تونس في أزمة غير مسبوقة من شأنها أن تؤدي إلى نتائج خطيرة من قبيل تمزيق النسيج الاجتماعي وانهيار الدولة وتفكيك مؤسساتها، فضلا عن النتائج الخطيرة على المستوى الاقتصادي".
وانتقد بن عمر غياب سياسة اتصالية واقتصادية واضحة لرئيس الجمهورية، قائلا "رغم أن الحكومة تشكلت منذ أسابيع، لا نعرف إلى حد الساعة برنامج رئيس الجمهورية الذي ستنفذه الحكومة باعتبار أن مهام الحكومة هو تنفيذ السياسات التي يسطّرها رئيس الجمهورية كما جاء في نص المرسوم الرئاسي عدد 117 الذي أصدره الرئيس في 22 سبتمبر/ أيلول الماضي.
خطأ اتصالي كبير
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي والإعلامي، منذر بالضيافي، في تصريح لـ "سبوتنيك" أن الدعوة الأخيرة لرئيس الجمهورية تمثل خطأ اتصاليا كبيرا قبل أن تكون خطأ سياسيا.
ولفت إلى أن هذه المسألة يجب أن تفهم في إطار الأزمة الاتصالية التي تعاني منها مؤسسة رئاسة الجمهورية، قائلا "على خلاف الرئاسات السابقة التي اعتمدت سياسات اتصالية واضحة من حيث الهيكلة ووجود ناطق رسمي يعبر عن مواقفها وسياساتها وإدارة اتصالية يشرف عليها شخص وفيها فريق من العاملين في المجال الاتصالي والإعلامي، فإن الرئاسة الحالية قطعت مع الاتصال التقليدي، وحول الرئيس قيس سعيد قصر قرطاج إلى منصة اعلامية يخاطب فيها الناس مباشرة دون وسيط ودون الخضوع إلى حوارات".
وقال بالضيافي إن الخطأ الاتصالي الذي وقعت فيه مؤسسة الرئاسة يعبر بدوره عن مواقف وسياسات، وهو ما يفسر الرفض الكبير الذي خلفته دعوة الرئيس من طرف المجتمع والأطياف السياسية والنخب الثقافية التي اعتبرت ما حدث بمثابة منعرج خطير يمكن أن يؤثر على العيش المشترك بين التونسيين وعلى العقد الاجتماعي.
وتابع "رغم أن الرئاسة تفاعلت مع هذا القلق ومع ردود الفعل السلبية وحاولت أن تصلح الخطأ وترمّم البلاغ الصادر عنها، ولكن الخطأ قد حدث، وكان من الأجدر على الرئاسة أن تقدم اعتذارا وتوضيحا دقيقا عوض أن تكتفي بتغيير كلمة "المواطنين" بـ "الوطنيين"."
وحول الانتقادات التي تتجدد كل مرة بشأن أسلوبه الاتصالي، أوضح بالضيافي أنه لا يمكن القول بأن الرئيس لا يمتلك سياسة اتصالية ولكن هذه السياسة مغايرة تماما لما عهدته تونس ودول العالم.
وبيّن أن مخاطبة الشعب دون ترك مجال للتفاعل إعلاميا هو خيار انتهجه الرئيس منذ توليه رئاسة الجمهورية، قائلا "ما نعتبره خطأ اتصاليا يعتبره الرئيس منهجا للعمل، وهذا المنهج لا يسمح بمساءلة الرئيس أو التفاعل معه مباشرة".
وسبق أن أثارت تصريحات رئيس الجمهورية جدلا واسعا، خاصة تلك التي يتهم فيها معارضيه ومن يصفون اجراءاته بالانقلاب "بالخيانة" وبيع الذمم إلى الخارج والتواطؤ مع جهات أجنبية ضد مصلحة تونس.