ما هي السيناريوهات القادمة في السودان؟

يعيش السودان حالة من الجدل السياسي بشأن القرارات التي اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الاثنين الماضي، حيث يرى البعض أنها قانونية ويصفها البعض الآخر بـ"الانقلاب"، وسط انقسام ثوري في الشارع وحالة من الرضا والسخط.
Sputnik
فأي الطرق سوف يسير إليها السودان خلال الفترة القادمة؟
بداية يقول المحلل السياسي الدكتور بشير آدم رحمة الأمين العام السابق لحزب المؤتمر السوداني، إن سقوط عمر البشير لم يكن في 11 أبريل/نيسان 2019 إنما كان عملا متراكما اشتركت فيه كل القوى السياسية بلا استثناء بمشاركتها نظام الإنقاذ في كل الحكومات المختلفة، سواء كان ذلك وفق اتفاقية "نيفاشا 2005" التي أدت إلى فصل الجنوب، أو اتفاق القاهرة مع الأحزاب الأخرى أو من خلال اتفاقية الحوار الوطني فيما يتعلق بحاملي السلاح، واتفاقات أخرى.
إعلام: انطلاق مظاهرات في عدد من أحياء الخرطوم ومناطق مختلفة بالسودان
ويضيف في حديثه لـ"سبوتنيك" هذا الأمر يعني أن كل الطيف السياسي اشترك في حكومات البشير، لذا فإن مصطلح الفلول الذي يطلقه البعض على الآخر يشمل كل القوى السياسية بلا استثناء، من الشيوعي إلى البعث وحزب الأمة والحزب الاتحادي والمؤتمر الشعبي وغيره.
اللجنة الأمنية
وتابع أنه لولا انحياز الجيش واللجنة الأمنية التابعة للبشير إلى المتظاهرين، لما سقط الأخير، وسبب انقلاب تلك اللجنة على البشير، هو أنه خان العهد وكان يفترض ألا يترشح للانتخابات التي كان مقرر لها 2020 ، لكنه أصر على الترشح.
دستور المنحة
وتابع المحلل السياسي، أن لجنة البشير الأمنية بعد سقوطه دخلت في شراكة مع بعض القوى السياسية التي اختطفت الثورة وتم تشكيل قوى الحرية والتغيير (قحت)، والتي بدورها قامت بعزل الحركات الثورية التي تحمل السلاح، تلك الشراكة تمخضت عن "الوثيقة الدستورية"، وقد منح تلك الوثيقة وصدق عليها الفريق عبد الفتاح البرهان بصفته رئيس المجلس العسكري والقائد العام للقوات المسلحة.
وأكد رحمة أنه في عرف الدساتير تسمى تلك الوثيقة "دستور المنحة"، والبرهان هنا هو من منح، والذي يمنح من حقه أن يلغي أو يسحب المنحة، لذلك عندما عطل أو ألغى البرهان بعض المواد في الوثيقة، هذا من حقه من الناحية القانونية، لذا قام البرهان في 25 أكتوبر/تشرين أول بسحب أو إلغاء بعض المواد الخاصة بالشراكة مع "قحت"، وأهم ما قام بإلغائه هى المادة التي تقول "عند التوقيع على الوثيقة الدستورية ينحل المجلس العسكري الانتقالي"، وبالتالي عاد المجلس العسكري الانتقالي بسلطاته التي منح بها الوثيقة الدستورية.
بلينكن يصف المحتجين السودانيين بـ"الشجعان"
المجلس العسكري
من ناحية أخرى، وبحسب المحلل السياسي السوداني فإن قانون القوات المسلحة يعطي البرهان الحق في التدخل في حالة الفوضى أو الاحتراب الداخلي في الفترة الانتقالية حتى تعود الأمور إلى نصابها، وهو ما حدث في شرق السودان واعتصام مجموعة من "قحت" أمام القصر الرئاسي، وكان يمكن حدوث اشتباكات بين معتصمي القصر والمدفوعين من الأحزاب الأربعة، لذا تدخل البرهان واستخدم قانون القوات المسلحة.
وأوضح رحمة، الآن المشكلة بعد أن تدخل الأمريكان والأوروبيون والأمم المتحدة، تم عرض ما جاء بالوثيقة الدستورية والتي تشترط تشكيل حكومة كفاءات مستقلة وليس محاصصة حزبية كما حدث من "قحت"، التي وضعت مندوبين للأحزاب في مقاعد الوزراء، وخوفا من الاحتراب الأهلي أقدم البرهان على تلك الخطوة.
انقسام في الشارع
وأشار المحلل السياسي إلى أن، الوضع الراهن هو حالة من الانقسام في الشارع السوداني، هناك فريق يرى أن ما قام به البرهان هو خطوة صحيحة نحو الديمقراطية، والآن هناك مخاوف لدى الأمريكان بعد أن رفضت بعض القوى الكبرى خروج قرار ضد السودان من مجلس الأمن، لذا فإن البرهان يمكن أن يستفيد من تلك التناقضات على المستوى العالمي، أما في الداخل فأرى أن نسبة 70 بالمئة من السودانيين يشعرون بالراحة من تلك الخطوة، لأنهم يكرهون اليسار والذي كان يعمل ضد عادات وتقاليد البلاد منذ أن قبض على السلطة.
حوار وطني
وحول السيناريوهات القادمة يقول المحلل السياسي، يفترض أن يجلس الجميع من أجل تشكيل حكومة كفاءات "تكنوقراط" من المستقلين تدير الفترة الانتقالية وصولا إلى الانتخابات المقرر لها نهاية العام القادم، إذا تم ذلك سوف يذهب السودان إلى بر الأمان، إما إن لم ينجح السيناريو الأول فسوف يستمر البرهان وسيلقى دعما سياسيا.
ومضى بقوله: "لذا يجب على القوى السياسية أن تستعد للانتخابات وتترك الفترة الانتقالية لرئيس حكومة مستقل، وعلى البرهان أن يقوم بتعيين رئيس وزراء بأسرع ما يمكن، وتشكيل المجلس التشريعي والمحكمة وغيرها من المؤسسات التي تم تعطيلها طوال العامين الماضيين".
الخطوات القادمة
بدوره قال، فتحي إبراهيم، متحدث ثوار ديسمبر وتحالف الكتل الثورية السودانية "المستقلين"، إن البرهان لا يريد الحكم، لكنه يريد السير على الوثيقة الدستورية والتي نصت على تشكيل حكومة كفاءات يشارك فيها كل أطياف المجتمع السوداني، وأن يكون هناك دور للشباب والمرأة، لأن السودان منذ الثورة وليس بها حكومة، والبعض يردد أن ما حدث هو انقلاب، هل يعقل أن ينقلب البرهان على نفسه؟.
وأكد في حديثه لـ"سبوتنيك"، لو لم يتدخل البرهان وبقيت حكومة عبد الله حمدوك، لكان السودان تمزق كليا، وقد جلسنا مع البرهان وأكد أنه لن يتدخل في تشكيل الحكومة القادمة وهناك توجهات حول تكليف حمدوك بتشكيلها، ولم يكن ممكنا قبل تلك الإجراءات تشكيل حمدوك لحكومة كفاءات نظرا لسيطرة الأحزاب عليه، فأراد البرهان تمهيد الطريق له.
البرهان لـ"سبوتنيك": أبعدنا حمدوك عن منزله في بداية الحراك والتغيير لحمايته من الاستهداف
وأوضح إبراهيم، أن الأحزاب لم تكن تريد تشكيل المجلس التشريعي ولا بقية مؤسسات الدولة حتى لا تكون هناك رقابة عليها، لذلك توقع نجاح تلك الخطوات إذا تم تنفيذها بالطريقة التي ذكرها البرهان وبمشاركة كل أطياف المجتمع.
كان البرهان قد أعلن، الاثنين الماضي، فرض حالة الطوارئ في البلاد، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين؛ متهماً المكون المدني في السلطة بـ"التآمر والتحريض على الجيش".
كما اعتقلت قوة عسكرية رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، فجر الاثنين الماضي، قبل أن يُطلق سراحه فيما بعد، فيما اعتُقل بعض السياسيين والمسؤولين الآخرين ولم يُطلق سراحهم حتى الآن.
ووصف مسؤولون بالحكومة وهيئات مدنية سودانية خطوات البرهان بـ"الانقلاب العسكري"؛ بينما اعتبرها الأخير تصحيحا للمسار الانتقالي.
ولاقت الإجراءات التي أعلنها البرهان انتقادات دولية واسعة؛ مع الدعوة للإفراج عن السياسيين والمسؤولين المعتقلين، والعودة إلى المسار الديمقراطي.
وجاءت هذه التحركات من الجيش بعد أيام من المظاهرات في الخرطوم ومدن أخرى، إذ انقسم الشارع بين مطالبين للجيش بتولي الحكم، وآخرين طالبوا بتسليم السلطة للمدنيين.
ويعيش السودان حالة من التوتر منذ الإعلان عن محاولة انقلاب فاشلة، الشهر الماضي، التي بدأ على إثرها تراشق حاد بالاتهامات بين الطرفين العسكري والمدني، اللذين يتقاسمان السلطة، بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في 2019.
وجاءت هذه التطورات مع اقتراب انتهاء فترة رئاسة المكون العسكري لمجلس السيادة الانتقالي، في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل 2022، حسبما نصت عليه اتفاقية الوثيقة الدستورية، الموقعة في 2019.
زلزال سياسي يضرب السودان
يمكنكم متابعة المزيد عن أخبار السودان اليوم عبر سبوتنيك
مناقشة