في دعوة تحذيرية، طالبت الحكومة العائلات بتخزين الطعام والضروريات الأخرى لحالات الطوارئ، ولم تذكر وزارة التجارة الصينية أي سبب لهذه الدعوة سواء يرتبط بالوضع الوبائي أو عمليات الإغلاق المحتملة، لكنها حثت السلطات في مناطق الحظر على نشر المعلومات بسرعة حول مكان وكيفية شراء الضروريات.
في الحقيقة يتناغم قادة الحزب الشيوعي الصيني بسرعة كبيرة وتتحرك الحكومة الصينية على الفور عند حدوث أو احتمال حدوث نقص في إمدادات المواد الغذائية في البلاد، لكن الآن، تصارع البلاد على جبهات متعددة في ما يتعلق بهذا الأمر.
أصبحت سياسات بكين الصارمة للحفاظ على وضع "صفر كوفيد" أكثر شدة بعد ارتفاع حالات فيروس كورونا في البلاد، في الفترة الأخيرة، حيث أبلغت السلطات على سبيل المثال عن 54 حالة جديدة محلية يوم الاثنين.
لكن عدم ذكر الأسباب مباشرة في دعوة وزارة التجارة ترك هذه القضية مجرد احتمال، ومع ذلك فهي احتمال منطقي وقوي.
صحيفة "إيكونوميك ديلي"، التابعة للحزب الشيوعي الصيني، طالبت القراء بعدم الانزعاج من نصيحة الوزارة، وقالت إن العديد من الأسر لا زالت عالقة في الإغلاق المرتبط بالوباء دون إمدادات كافية من الأرز والخضروات.
في بكين، حث المسؤولون أي شخص يسافر على البقاء خارج المدينة، مع تقييد شروط المغادرة، وأصبح من الطبيعي منع موظفي الخدمة المدنية والموظفين في الشركات المملوكة للدولة من السفر أثناء تفشي المرض.
في حين أن بكين سجلت 31 إصابة جديدة فقط منذ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، فإنها أغلقت بعض دور السينما وأماكن الترفيه الأخرى أثناء عزل مناطق سكنية كبيرة.
إلى جانب القيود الوبائية المشددة، والاحتمال الكبير لارتفاع الإصابات في فصل الشتاء كالمعتاد – والذي قد يوسع نطاق القيود بشكل أكبر- هناك مخاوف أخرى غير مرتبطة بالوباء (وبالمناسبة لا علاقة لها بالمؤامرات عن الحروب أو ظهور أوبئة جديدة التي يجري تداولها عبر منصات التواصل الاجتماعي).
أحد الأسباب الرئيسية هو أسعار المواد الغذائية المتقلبة في الصين والتي ترتفع بشكل معتاد تقريبا مع اقتراب فصل الشتاء، وقد ارتفعت أسعار الخضار خلال الأسابيع الأخيرة بالفعل، بسبب الأمطار الغزيرة والفيضانات، وفقا لما ذكرته صحيفة "فايننشال تايمز".
مع اقتراب فصل الشتاء الشمالي، تواجه الأسر الصينية هذا العجز لكنه يتزامن هذه المرة مع مكافحة البلاد تفشي الفيروس إلى جانب أزمة إمدادات الطاقة اللازمة للتدفئة وللمصانع.
تواجه الصين وأوروبا وأماكن مختلفة من العالم نقصا في إمدادات الطاقة اللازمة بالتزامن مع ارتفاع أسعار مصادره مثل الغاز والنفط والفحم، واضطرت المصانع أن تغلق أبوابها في أكثر من مناسبة خلال الأسابيع الماضية، وهي أزمة قد يتسع نطاقها في انخفاض درجات الحرارة في الشتاء.
ضربت المجاعات الصين مرات عدة على مر القرون، وكان ذلك في الغالب بسبب عوامل مرتبطة بالطقس، ولكن هناك أيضا الذكريات الآليمة لحملة الإصلاح الاقتصادي "القفزة العظيمة للأمام" التي أطلقها الزعيم ماو تسي تونغ.
هذه الحملة، وهي دفعة قوية كانت تهدف إلى جعل الصين قوة صناعية، تسببت في انتشار الجوع في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، تشير التقديرات إلى أن عشرات الملايين ماتوا من الجوع، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ".
على أي حال، لا توجد أي مؤشرات للادعاء بأن الصين على أعتاب كارثة بهذا الحجم، لكن الفكرة هي أن القادة يعرفون أنهم بحاجة إلى الحفاظ على شعور المواطنين بالدفء والأمن الغذائي؛ أعلى درجات الأمن الغذائي والتي لا يضطرون فيها لمواجهة أرفف خاوية أو أسعار مفرطة التضخم.
ويبدو هذا الدافع منطقيا للغاية في ظل مواجهة المزيد من عمليات الإغلاق الوبائية والتي يحتمل أن تستمر في الاتساع. يراقب الحزب الشيوعي عن كثب أي شيء يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية، خاصة أنه يتجه إلى دورة اجتماعات حاسمة لقادته.
لذلك ليس من الغريب رؤية وزارة التجارة، في ظل تزايد حالات الإصابة بالفيروس ونقص الطاقة في المصانع، تدعو الناس إلى تخزين الغذاء والسلع الضرورية، أو حتى حث السلطات المحلية على ضمان الإمدادات الغذائية الكافية.
ارتفعت أسعار الجملة للخضروات بعد الفيضانات في مناطق الإنتاج الرئيسية، حتى أن تكلفتها تجاوزة تكلفة اللحوم في بعض الحالات.
ويبدو هذا السيناريو "طمأنة المواطنين خلال الشتاء" أكثر منطقية، بالنظر إلى خطة بكين الموضوعة والتي تطلب من رواد المطعم عدم طلب أكثر مما يحتاجون إليه، وحث المواطنين على الإبلاغ عن المطاعم المتورطة في إهدار الطعام.
من الضروري أيضا الانتباه إلى أن مثل هذه التنبيهات (دعوة وزارة التجارة) تتكرر من وقت لآخر، وإن كانت غير شائعة، فإنها أيضا ليست غريبة على الحكومة الصينية التي تعرف بمرونتها وديناميكيتها العالية.