آنذاك، هاجم تيدروس أدهانوم غيبريسوس، مدير عام منظمة الصحة العالمية، ما وصفه بـ"اختلال صادم في التوازن" في توفير اللقاحات، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ".
وقال إنه من غير المقبول أن يكون المصنعون الذين يسعون وراء الأسعار الأعلى قد زودوا البلدان الغنية بأغلبية ساحقة - ويدفعون الآن إلى إعطاء جرعات معززة لنفس القلة من الأثرياء – وأخبر المنتجين بأنه "لا يرى الالتزام المتوقع منهم".
في المقابل، قال الرئيس التنفيذي لـ"فايزر"، ألبرت بورلا، الذي حصل أكثر من مليار شخص على لقاح شركته، إن تيدروس كان يتحدث "بشكل عاطفي". فيما رد مدير منظمة الصحة بالقول: "في الواقع، أنا لست عاطفيا"، مشددا على أن هناك حاجة ملحة لتوظيف المزيد من اللقاحات.
هذا السجال الصدامي والذي لم يكشف عنه من قبل، أزاح الستار عن حقيقة غير مريحة مفادها أن عدم المساواة في اللقاحات لم يحدث من تلقاء نفسه، وكان نتيجة لقرارات من قبل المديرين التنفيذيين للشركات والمسؤولين الحكوميين.
وبعد مرور نحو عام على إطلاق الجرعات الأولى، لا يزال منتجو اللقاحات في العالم الغربي ومسؤولو الصحة العامة، يكافحون من أجل إيجاد أرضية مشتركة من أجل سد الفجوة المتسعة بين بعض الدول.
اعتبارا من أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني، تم تلقيح 6% فقط من الأشخاص في أفريقيا بشكل كامل. النقطة الشائكة في هذا الأمر هي من يتحكم في تركيبات اللقاح السرية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات؟
والآن أصبحت التداعيات العريضة لعدم توازن إمدادات اللقاح أكثر وضوحا، حيث بدأت أمريكا ودول أوروبا التي استأثرت بنصيب الأسد من الإنتاج، في اعتبار الوباء جزءا من الماضي، في حين لا يزال الفيروس ينتشر في معظم أنحاء العالم.
بدأت شركات "فايزر" و"مودرنا" و"أسترازينيكا" و"جونسون آند جونسون" قبل عام تقريبا، في إرسال معظم إنتاجها من اللقاحات إلى البلدان الغنية بدلا من الفقيرة، لكن سرعات ما افترقت هذه المسارات، وفقا لبيانات شركة الأبحاث البريطانية "أيرفينيتي".
تظهر البيانات على سبيل المثال، أن الجزء الأكبر من لقاح "فايزر" الذي بلغت مبيعاته نحو 2.11 مليار جرعة، ذهب إلى 5 دول، هي الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وإيطاليا وفرنسا وألمانيا، بحلول نوفمبر.
كان نصيب البلدان متوسطة الدخل من هذه الكمية يعادل الربع تقريبا، فيما لم تحظى الدول منخفضة الدخل والفقيرة بأكثر من نحو 100 مليون جرعة، مع العلم أن الإمدادات تركزت في البداية عند الدول الأغنى وحتى وقت قريب.
بالنسبة للقاحات "مودرنا" التي صدر منها 568 مليون جرعة فتركزت كلها تقريبا في الولايات المتحدة بجانب بعض الدول الغنية، ولم يصل منها سوى كميات محدودة للغاية إلى بعض الدول متوسطة ومنخفضة الدخل، ولم يصل شيء منها للبلدان الفقيرة.
أما لقاح "جونسون آند جونسون" الذي بدأ توريده في مرحلة متأخرة نسبيا، فقد حصلت الحكومات على 162 مليون جرعة منها (الجرعة الواحدة تكفي لتطعيم الشخص بشكل كامل)، وتركزت أغلبها في الولايات المتحدة والدول الأكثر ثراء، لكن الدول متوسطة ومنخفضة الدخل والفقيرة حصلت على حصة معقولة نسبيا (الثلث تقريبا).
على جهة أخرى، بالنسبة للقاح أسترازينيكا، والذي تم إنتاج 2.2 مليار جرعة منه، كان نصيب الأسد للدول منخفضة الدخل، حيث حصلت الهند وحدها – التي تساعد في إنتاج اللقاح - على 1.1 مليار جرعة.
فيما حصلت دول أخرى فقيرة ومنخفضة الدخل على حصص أقل بكثير، ونالت الدول الغنية ومتوسطة الدخل حصصا لا بأس بها (بريطانيا 85 مليون جرعة، البرازيل 131 مليون جرعة).
لم تنتج "مودرنا" من قبل أي دواء مرخص، وبالكاد تمكنت من التوسع لتصدير لقاحها إلى الدول الغنية، ويرجع ذلك إلى قيود التصدير والتزامها بتزويد الولايات المتحدة وأوروبا مبكرا باللقاح.
أما لقاح "جونسون آند جونسون" جاء بعد أشهر من اللقاحات الثلاثة الأخرى، وكان نصيبه أقل في السوق. أما "أسترازينيكا" فاستطاعت زيادة إمداداتها إلى البلدان الأقل دخلا بشكل سريع من خلال ترخيص إنتاجها في الهند والتعهد ببيع اللقاح بسعر التكلفة.
لكن شركة "فايزر"، التي تنتج وتوزع أكبر إمداد لأحد أكثر اللقاحات فعالية، تتوقع أن يدر لها نحو 36 مليار دولار من الإيرادات هذا العام، وتظهر البيانات أنها المورد الأول للقاح فيروس كورونا إلى الدول الأكثر ثراء.
في الأشهر الأخيرة، بدأت شركة "فايزر" في زيادة عمليات تسليم اللقاحات بسرعة خارج فئة "الدول الأغنى"، وقالت الشركة إنها شحنت حتى 7 نوفمبر أكثر من 658 مليون جرعة إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل من أصل ملياري جرعة تم تسليمها.
وبحلول نهاية العام، تتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 1.1 مليار جرعة من حوالي 3 مليارات تم إنتاجها.
ومع ذلك، وبخلاف مثلا شركة "أسترازينيكا" ومنافسين شرقيين، هناك نقطة واحدة لن يتراجع عنها الرئيس التنفيذي لشركة "فايزر" وهي سرية صيغة اللقاح.
تدفع البلدان بقيادة الهند وجنوب أفريقيا باقتراح في منظمة التجارة العالمية للتنازل عن حقوق الملكية الفكرية للقاحات وعلاجات "كوفيد 19".
لكن بورلا، الذي وصف حقوق الملكية الفكرية بأنها "دماء القطاع الخاص"، كان الأكثر صراحة بين زملائه من الرؤساء التنفيذيين في مقاومة هذه الدعوات لمشاركة تقنيته.
وقالت "فايزر" في بيان ردا على أسئلة حول هذه القصة: "يستند اقتراح التنازل إلى فكرة خاطئة مفادها أن الوصول إلى اللقاح محدود بسبب المستويات الحالية للتصنيع. الصناعة في طريقها بالفعل إلى إنتاج لقاحات كافية للعالم بأسره بحلول منتصف العام المقبل".
رسالة بورلا إلى البلدان الفقيرة هي "الإسراع وشراء منتجه" الذي يبيعه على نطاق متدرج، حيث قارن سعر الجرعة بسعر الوجبة الجاهزة بالنسبة للبلدان الأكثر ثراء، أو نحو 20 دولارا، ونصف ذلك بالنسبة للدول ذات الدخل المتوسط، وبسعر التكلفة بالنسبة للبقية.
وقال بورلا في مقابلة مع تلفزيون "بلومبيرغ" في الثاني من نوفمبر: "يجب عليهم تقديم طلباتهم لعام 2022". وردا على سؤال عما إذا كانت مخصصات لقاحه تأخذ في الاعتبار حالات الإصابة في بلد ما، أجاب بالنفي.
وقال: "إننا نتناولها فيما يتعلق بعدد الجرعات التي لدينا ومن يريد الحصول عليها". معظم المناقشات الآن مع البلدان ذات الدخل المتوسط والمرتفع، ذوي الدخل المرتفع بشكل أساسي".
بذلت "فايزر" جهدا هائلا لتكون أول من يطور لقاحا مضادا للفيروس الذي سبب جائحة، وينسب الفضل في ذلك إلى قيادة بورلا الرشيدة، لكن هذا الإنجاز يكافئ الشركة بشكل كبير أيضا.
سيكون اللقاح مصدر معظم الإيرادات والأرباح المحققة من قبل الشركة (20 مليار دولار من الأرباح قبل خصم الضريبة في عام 2021، بما في ذلك حصة 50% للشريك الألماني).
بخلاف شركات أخرى (من بينها مودرنا)، لم تتحاور "فايزر" بشأن لقاحها مع مجموعة "براءات اختراع الأدوية" المعنية بإتاحة الوصول إلى الأدوية والتقنيات الطبية.
لكنها تتحدث إلى المجموعة حول توسيع الوصول إلى منتجها الجديد "حبوب كوفيد" الخاصة بها والتي أثببت فعالية بنسبة 89% في الحد من الوفيات، ومع ذلك، وكما هو الحال مع اللقاحات، ستكون هناك معركة حول من سيكون الأول في صف الحصول على هذا المنتج الذي من شأنه محاصرة الوباء.