يبدأ الجنين بالتكون عن طريق وجود خلايا جذعية لديها القدرة على أن تصبح في مراحل لاحقة أي جزء من جسم الإنسان، من أنسجة الجلد إلى مادة المخ إلى النسيج العظمي، كلها مواد لها أساس واحد وهو الخلايا الجذعية.
اعتبر العلماء لفترة طويلة أن هذه المرحلة غامضة جدا ووصفوها بـ"الصندوق الأسود" الذي يخبئ الكثير من الأسرار، ويتعذر الوصول إليه وفتحه لمعرفة حقائقه الغريبة.
ومنعت القواعد والأسس العلمية الأخلاقية العلماء من القيام بزراعة أي خلايا جذعية بشرية في المختبرات (أي بشكل صناعي خارج الرحم) إلا لمدة أسبوعين، كما أنه من المستحيل أيضا مراقبة رحم الأم لمدة طويلة.
وبحسب الدراسة المنشورة في مجلة "Nature" العلمية، فقد كشف أخيرا عن أسرار هذه العملية الغريبة داخل الخلايا الجذعية فيما وصفه خبراء ومراقبون بأنها دراسة تمثل "علامة فارقة" و"حجرا رشيدا" بالنسبة للأبحاث المستقبلية في علم الأحياء التنموي.
تحتوي الخلايا البشرية على جميع المواد الجينية للإنسان، ولكن مرحلة تشكل المعيدة هي مرحلة أولية يتم فيها تشغيل جينات معينة لمنح هذه الخصائص، أي أنها الخطوة الأولى التي تحدد ما إذا كانت الخلية ستصبح جزءا من دم الإنسان أو أنها ستصبح جزءا من الدماغ أو العين أو غيرها من الأعضاء.
وقال مؤلف الدراسة البروفيسور، شانكار سرينيفاس من جامعة "أكسفورد" في مؤتمر صحفي بث على الإنترنت "يحدث نوع من الانفجار في تنوع الخلايا خلال هذه العملية، إنها عملية جميلة".
تبدأ الخلايا في هذه المرحلة التي يتكون منها الجنين بالتجمع في مناطق محددة، لتتوزع على الجسم ومناطق الأنسجة وتشكل كل مجموعة منها عضوا في جسم الإنسان.
قام فريق سرينيفاس بتشريح عينة من جنين بشري تم التبرع به، ثم استخدم عملية تسمى تسلسل الحمض النووي الريبي أحادي الخلية لتحديد الجينات النشطة في كل خلية من أكثر من 1000 خلية فردية.
وأظهرت الخريطة الناتجة الخلايا التي تم تنشيطها لتقوم بأدوار معينة، ومكان وجودها في الجنين البالغ من العمر أسابيع، بحسب المقال المنشور في مجلة "sciencealert" العلمية.
وطابق الباحثون النتائج مع ملاحظات مسجلة سابقا لدى أجنة الفئران، وجددوا أن أوجه التشابه كانت أكثر من أوجه الخلاف، قال سرينيفاس: "الفأر هو في الواقع نموذج جيد جدا للإنسان"، ولكن كانت هناك اختلافات رئيسية، مثل وجود خلايا الدم الأولية لدى البشر في وقت أبكر بكثير من الفئران.
لاحظ العلماء أيضا عند المقارنة وجود غياب مهم جدا، حيث تبدأ "أجنة الفئران في هذه المرحلة بتطوير الجهاز العصبي، لم يكن هناك أي تواجد لمثل هذه المرحلة في العينة البشرية".
عينة بشرية نادرة تكشف عن مرحلة "غير مسبوقة" وتاريخية
أكد كل من العلماء المشاركين في الدراسة والمراقبين الخارجيين ندرة العينة البشرية الاستثنائية التي تمت عليها الدراسة، والتي تم الحصول عليها من مورد علم الأحياء التنموي البشري في بريطانيا.
وبحسب المقال: "يمكن أن تساعد هذه النتيجة في رفع الحد الأقصى البالغ 14 يوما لاستنبات الأجنة للدراسة (في المخبر)، والذي كان من المقرر أن يستبعد تماما دراسة الجنين حتى مع بدايات ظهور الجهاز العصبي".
وقال سرينيفاس: "معظم الناس (النساء) لا يعرفون حتى أنهم كانوا حوامل بعد 16 يوما من الإخصاب، لكن هذا الشخص (المتبرع) فعل ذلك، وتبرع بالعينة (التي تمت عليها الدراسة)".
أجرى الفريق اختبارات جينومية وفحوصات جسدية لتحديد العينة التي كانت تشكل "تمثيلا جيدا للتطور البشري الطبيعي".
وبدورها، قالت عالمة الوراثة دارين جريفين، من جامعة كنت: "إنها ورقة تاريخية، سيؤسس عليها الكثيرون (العلماء) نتائجهم المستقبلية".
وصف عالم بيولوجيا الخلايا الجذعية، هاري ليتش، من جامعة "إمبريال كوليدج" في لندن الورقة بأنها "مورد (علمي) لا يقدر بثمن" من شأنه أن "يسهل المزيد من التقدم في بيولوجيا الخلايا الجذعية والطب التجديدي".