بداية يتوقع المحلل السياسي السوداني، الدكتور ربيع عبد العاطي، استقرار الأوضاع في البلاد بعد الاتفاق الذي تم بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ورئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك، الذي عاد بموجبه حمدوك للواجهة من جديد.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، الاتفاق الذي تم بين الجانبين بعد المرحلة العصيبة التي جرت خلال الأيام الماضية والأوضاع المزرية التي تعيشها البلاد، كان يجب أن يتم منذ عام 2019 عندما انحاز الجيش للشعب، كان الوضع الصحيح هو عدم توقيع اتفاقات ثنائية وتشكيل حكومة مستقلة لإدارة المرحلة الانتقالية باعتبار أن الجيش قومي التوجه.
وتابع عبد العاطي، بتوقيع الاتفاق الأخير عادت الأمور إلى نصابها بعيدا عن أي اتفاق ثنائي، على أن تكون هناك حكومة مدنية خالصة "تكنوقراط" تضمن انعقاد انتخابات بعد عام ونصف، وأن تعود الأحزاب المشغولة الآن بالعملية السياسية لقواعدها من أجل تنظيم نفسها للانتخابات القادمة.
وحول ما يتردد عن رفض الشارع لهذا الاتفاق قال المحلل السياسي، إن "الشارع الرافض محدود يقوده أذناب اليسار بالتخريب والتتريس، والأغلبية العاقلة تنظر إليهم باستهجان، أما المطالبات فهي مِن الذي لا يملك ولا يستحق".
من جانبه يقول محمد صالح رزق الله، القيادي في "جبهة المقاومة" السودانية، من وجهة نظرنا كجبهة المقاومة السودانية، لا نستغرب ولا نتعجب لما تم من اتفاق بين رئيس الوزراء للفترة الانتقالية المخلوع حمدوك وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، لأسباب رئيسية وموضوعية فى نفس الوقت، لأن ما بني على باطل فهو لا يمكن أن يكون حق.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن حمدوك و البرهان جمع بينهم منذ البدء، مشروع رٌسم و خٌطط له، على أن يمزج بين نظام الإنقاذ و بعض جيوب المعارضة السودانية "مدنية و عسكرية"، و التي ارتضت أن تتصالح مع نظام البشير الدموي اللصوصي، و تتحالف معه من أجل استمرار مصالح قوى خارجية، تطمع في استنزاف ثروات السودان بصورة شبه شرعية، و لكى يتم لها ذلك، فلا بد لها أن تختار القوى السياسية التي في إمكانها أن تسيرها و تسيطر عليها و تحميها من غضبة الشعوب السودانية.
الهبوط الناعم
وتابع رزق الله، منذ عام 2013 بدأت فكرة مشروع الهبوط الناعم، حيث شهد هذا العام انتفاضة الشارع السوداني ضد نظام الإنقاذ الفاسد، وكان مشروع الهبوط الناعم تحت قيادة الاتحاد الأفريقي ورعاية دول الترويكا و الولايات المتحدة الأمريكية، ويهدف هذا المشروع إلى قطع الطريق على أي تغيير جذري في السودان يضر بمصالح رأس المال العالمي وبعض دول الجوار الإقليمي، وتم إعداد القوى السياسية التي ستشارك في تنفيذه وكذلك الشخصيات الأكاديمية والرأسمالية السودانية ذات الارتباط بمصالح رأس المال العالمي، وتؤمن بمبدأ الليبرالية الجديدة التي أصبحت الرؤية القائدة للتوجهات الرأسمالية العالمية، وكان أبرزها هو الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله حمدوك ونفر آخرون.
وأوضح أن جبهة المقاومة والعديد من الأحزاب القوى الثورية عارضت هذا المشروع منذ بدايته، و كنا ندرك مخاطرة على السودان و تطوره في المستقبل، والذي سيؤدي إلى رهن كل مقدرات البلاد إلى مؤسسة رأس المال العالمي، و تصبح جمهورية من جمهوريات الموز التي كانت في أمريكا اللاتينية، واتفاق حمدوك و البرهان لا يخرج عن هذا الإطار.
وأشار رزق الله إلى أن هذا الاتفاق إن كانت له إيجابيات تذكر، قطعا ستكون في غير صالح الشعوب السودانية و ثورتها المستمرة "ثورة ديسمبر المجيدة"، بل يعتبر هذا تدخل سافر لإنقاذ قوى الهبوط الناعم وانتشالها من ورطتها التي وقعت فيها و الحصار الذي ضرب عليها من قوى الثورة الحقيقية الحية، وتمهيد الطريق لها للقضاء على ثورة ديسمبر وإبطال مفعولها، وتشتيت قواها الشبابية بمعاونة من أصدقاء و حلفاء خارجيين.
ونوه إلى أن، قوى الهبوط الناعم وحلفائهم في الداخل والخارج قد أخطأوا التقديرات، فما تم من انقلاب و شرعنته أخيرا من قبل عراب الهبوط الناعم رئيس وزراء الفترة الانتقالية حمدوك، فقد خدم قوة الثورة الحقيقة و أضاف إليها زخما جديدا، و أولئك الذين كانوا يظنون أن حمدوك هو ملهم الجماهير و ورجل المرحلة و المؤسس لسودان المستقبل، فقد أظهر هذا الاتفاق حقيقة الرجل و التي غابت عن البعض في خضم الصراع ما بين قوى الثورة و القوى المضادة لها، والأن تكشفت لهؤلاء الكثير من الحقائق التي كانت غائبة عنهم، رغم أن البعض لم يزل يسوق المبررات لحمدوك للتغطية على الصدمة التي أصابتهم من انكشاف المستور، و لكن هذا لن يدوم طويلا و سيستعيدون وعيهم و سيصب جهدهم في خندق الثورة و الثوار، و سوف تتحول قطاعات كبيرة من قواعد أحزاب ما سميت بـ قحت التي كانت تشكل الحاضنة السياسية لرئيس الوزراء حمدوك لصالح الثورة.
عملية الفرز
وأكد رزق الله، أن هذا فعل كان لابد له أن يحدث، أي عملية الفرز داخل المكونات السياسية و قواعد الجماهير، و بذلك يكون معسكر الثورة قد أزيحت عن طريقة أقسى أنواع العقبات و يصبح الصراع متجذرا بين قوى الثورة الحقيقية و قوى الثورة المضادة، الرافضة للتغيير الجذري لدولة السودان، وسوف يستمر التصعيد في الشارع أكثر صلابة و رسوخا، و كما تقول هتافات الثوار "إن الشوارع لا تخون" و النصر دوما حليف الشعوب و حتما ستنتصر الثورة.
قال رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، اليوم الاثنين، إن عودته إلى منصبه جاءت من أجل الحفاظ على مكاسب السودان الاقتصادية.
وحسب تصريحات لـ"رويترز" قال حمدوك: "الحفاظ على المكاسب الاقتصادية التي تحققت خلال العامين الماضيين كانت من بين الأسباب التي جعلتني أقرر العودة لمنصبي".
وشدد رئيس الوزراء السوداني على التزامه بالمسار الديمقراطي، قائلا: "نحن ملتزمون بالمسار الديمقراطي وحرية التعبير والتجمع السلمي وانفتاح أكبر على العالم".
وأكد أن حكومته ستواصل الاتصالات "مع المؤسسات المالية الدولية، والميزانية الجديدة التي ستبدأ في يناير ستمضي على طريق الإصلاح الاقتصادي وتفتح الباب أمام الاستثمار في السودان".
ولفت إلى أن "تنفيذ اتفاق جوبا واستكمال عمليات السلام مع الجماعات التي لم توقع عليه على رأس جدول أعمال الحكومة الجديدة".
وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قد قام بانقلاب على الحكومة، ووضع حمدوك رهن الإقامة الجبرية، قبل أن يتوصل الطرفان لاتفاق عاد بموجبه حمدوك ليرأس حكومة قال عنها إنها ستكون حكومة تكنوقراط.
وقال التحالف المدني الذي كان يتقاسم السلطة مع الجيش في السودان قبل الانقلاب ووزراءه السابقين إنهم رفضوا الاتفاق، مشيرين إلى حملة قمع عنيفة ضد الاحتجاجات المناهضة للجيش خلال الشهر الماضي.
لكن حمدوك قال إن حكومة تكنوقراطية جديدة يمكن أن تساعد في تحسين الاقتصاد السوداني، الذي عانى من أزمة مطولة تشمل أحد أعلى معدلات التضخم في العالم ونقص السلع الأساسية.