وفي تقرير حديث، توقع "بنك أوف أمريكا" المتخصص في الاستشارة وإدارة المخاطر أن تصل فجوة التمويل الخارجي إلى 5.6 مليار دينار (1.9 مليار دولار) خلال الربع الرابع من السنة الجارية، مشيرا إلى إمكانية عجز تونس عن خلاص ديونها مع تسجيل نقص في مواردها المالية، محذرا من فرضة اللجوء إلى نادي باريس.
واعتبر البنك الأمريكي أن غياب الوضوح على مستوى السياسة الاقتصادية المتبعة في تونس سيقلل من فرص نجاح البلاد في إدارة التفاوض مع صندوق النقد الدولي في المدى القصير على الأقل.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كشف تقرير لمؤسسة ''هاينريش بل''، أن معدل الدين التونسي بلغ حوالي 100% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، مقابل 40% سنة 2011. وأن قرابة ثلاثة أرباع الدين التونسي هو عبارة عن ديون خارجية مصدرها مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، أو مؤسسات ملحقة بالدول الشريكة ، أو قروض مباشرة من الدول (فرنسا والسعودية أكبر الدائنين لتونس).
نادي باريس.. فرضية واردة جدا
وقال الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان لـ "سبوتنيك"، إن توجه تونس إلى نادي باريس فرضية واردة جدا، خاصة وأن العديد من التقارير مثل تقرير موديز وتقرير بنك أوف أمريكا ومواقف صندوق النقد الدولي شددت على ضرورة خوض مفاوضات مع الدائنين قبل الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وأوضح سعيدان، أن نادي باريس يظم الدائنين المؤسساتيين مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الافريقي والأوروبي والألماني والياباني التي تعاملت مع تونس وقدمت لها قروضا.
وأضاف "إذا لم تتمكن الدولة التونسية من سداد ديونها في مناسبة أو أكثر سيتم استدعائها لهذا النادي للتفاوض معها في إطار ما يسمى "مفاوضات إعادة جدولة الدين"، بشكل يسمح بتأجيل سداد الدين إلى عشر أو عشرين سنة حسب الإمكانيات المتاحة.
وتابع "ولكنّ تونس ستكون مجبرة في المقابل على تقديم برنامج إصلاحات لإخراج البلاد من الوضع الاقتصادي والمالي المتأزم وإرجاعها إلى المسار الذي يمكّنها من سداد ديونها بصفة طبيعية. وإذا لم يكن لتونس طرح مقنع للإصلاح فسيتحتم على الدائنين فرض برنامج إصلاحات على الدولة التونسية".
ولفت سعيدان إلى أن تونس ستخسر عدة مكاسب إذا ما دخلت نادي باريس، وهو أنها ستصبح ولأول مرة منذ الاستقلال إلى اليوم على قائمة الدول التي لجأت يوما ما إلى إعادة جدولة ديونها، مشيرا إلى أن هذا السيناريو سيكبد الدولة التونسية في المستقبل كلفة تداين أغلى من تلك التي تتكبدها الدول التي لم تلجأ إلى هذا النادي.
مجال تحرك ضيّق
ويرى سعيدان، أن مجال تحرك الدولة التونسية ضيّق، خاصة وأنها خسرت وقتا ثمينا جدا، ولم تعتمد منذ سنوات أي عملية إنقاذ أو إجراءات من شأنها أن توقف النزيف وتدخل البلاد في إصلاحات عميقة.
وأشار إلى أن تعبئة الموارد من الخارج أو من الداخل أصبحت عملية شبه مستحيلة، مضيفا أن تونس اقتراض تونس السابق من البنوك التونسية كان أكثر بكثير من طاقة الجهاز البنكي.
وقال سعيدان إن طريق الخروج من الأزمة لا يكمن في مواصلة الهرولة وراء القروض وتعبئة الموارد، وإنما بتنفيذ الإصلاحات الضرورية فيما يخص المالية العمومية ونفقات الدولة التي تفاقمت بشكل غير مقبول مقارنة بطاقة الاقتصاد. إلى جانب إصلاح الاقتصاد حتى يضطلع بدوره الأساسي وهو خلق النمو والثروة، وإصلاح التجارة الخارجية التي تعاني من عجز كبير تسبب في تفاقم الدين الأجنبي، والشروع بدون تأخير في إصلاح المؤسسات العمومية وخاصة منها شركة الكهرباء والغاز وشركة توزيع المياه والخطوط الجوية التونسية وديوان الحبوب التي لديها وزن كبير جدا على الاقتصاد وعلى المالية العمومية .
واستطرد "ولكن قبل كل هذا لا بد من تحقيق شرط مسبق وهو شرط سياسي، لأن كل الأطراف الأجنبية تطالب باستقرار الوضع السياسي وبوضوح الرؤية والرجوع إلى المؤسسات الديمقراطية لإعادة الثقة والمصداقية التي تأثرت بالأوضاع التي عاشتها تونس ليس فقط منذ 25 يوليو وإنما قبل هذا التاريخ".
وقال إن تجنب الذهاب إلى نادي باريس صعب، ولكنه يبقى ممكنا إذا ما توفرت العزيمة لذلك وإذا سارعت تونس الخطى في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وبدأت فعلا في إعادة بناء الثقة مع الداخل والخارج.
تعثر في سداد الدين
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، قال الخبير في الاقتصاد والاستثمار محمد الصادق جبنون، إن التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي الخاص بتقييم التداين الخارجي حول العالم بيّن أن الدول النامية خاصة في القارة الأفريقية تتحمل ديونا مفرطة بما يقارب 600 مليار دولار .
وأضاف أن نفس التقرير كشف أن 13 دولة أفريقية ستذهب بصفة مستعجلة إلى صندوق النقد الدولي في هذا الشهر، وهي مرشحة للذهاب إلى نادي باريس ونادي لندن.
وقال جبنون "إن الوضعية التونسية لا تختلف كثيرا عن الاقتصادات الأفريقية الأخرى ذات الدخل المتوسط والتي تغيب فيها القيمة المضافة والقدرة على إنتاج الثروة بصفة مكثفة".
وأضاف أن تونس مشمولة بفرضية التعثر في سداد ديونها الخارجية، بما يعني إمكانية الذهاب إلى نادي باريس خاصة في ظل استفحال الوضع الاقتصادي الهش وتدني نسبة النمو.
ولفت إلى أن تونس مطالبة بتحقيق نسبة نمو في حدود 7% على الأقل لسداد خدمات الدين وليس أصل الدين، وتابع "لا يمكن لتونس التي ليست دولة نفطية بلوغ هذه النسبة، وإذا لم تنفذ الإصلاحات الهيكلية المطلوبة فهي ستكون مجبرة على الذهاب إلى نادي باريس وحتى نادي لندن".
ولتجاوز هذا السيناريو، يرى جبنون أن الحل يكمن أولا في تهدئة المناخ العام، قائلا إن جل التقارير الدولية أكدت على ضرورة الحصول على مناخ من المصالحة العامة خاصة على الصعيد السياسي.
وبيّن أن الخطوة الثانية تتمثل في الوصول إلى اتفاق مع الفاعلين الاجتماعيين وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف واتحاد الفلاحين على خطة إصلاح هيكلي قد تتضمن إجراء الخصخصة.
وأضاف "رئيسة البيرو المنتخبة حديثا أعلنت مؤخرا عن خصخصة كل مؤسسات القطاع العام دفعة واحدة، وحتى إذا لم تصل تونس إلى هذا الحد فإن عليها أن تنفذ جملة من الإصلاحات الهيكلية في الوظيفة العمومية وفي هيكلة الدين والتصرف فيه واخراج الاقتصاد من اقتصاد المناولة إلى اقتصاد القيمة المضافة.
وقال إن كل هذا الإصلاحات لن تنفذ بين عشية وضحاها وأنها ستتطلب على الأقل خمس سنوات حتى تترجم على أرض الواقع، مستطردا "ولكن الالتزام بهكذا خطة يجعل هامش المناورة أمام تونس أوسع".
ويرى جبنون أن خطة الإنقاذ التي ستعتمدها تونس يجب أن تكون مسنودة بدعم الاتحاد الأوروبي الذي قام خلال الفترة المنقضية بإنقاذ دول البلقان بخطة إنعاش اقتصادي قيمتها 40 مليار يورو. وأضاف مخطئ من يظن أن صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي هما اللاعبان الرئيسيان على الصعيد الاقتصادي.