ووجدت دراسات علم الأعصاب السابقة أن الخلايا العصبية المنتجة لهرمونات "GnRH" تهاجر من منطقة في الأنف تُعرف باسم اللويحة الأنفية أو اللويحة الشمية إلى الجزء الأمامي من الدماغ (أي الدماغ الأمامي) قبل ولادة الإنسان والثدييات الأخرى.
ويعتقد العلماء أن وظيفة هذه الخلايا العصبية تحدد بعد الولادة، أي أثناء الطفولة، في المراحل الأولى من تطور الطفل في مرحلة ما بعد الولادة، حيث يتم دمج الخلايا العصبية المنتجة لهرمون "GnRH" أو "هرمون مطلق لموجهة الغدد التناسلية" داخل شبكة عصبية معقدة (نجمية) تحدد في النهاية وظيفتها الفسيولوجية.
أجرى باحثون في جامعة "Lille" ومعاهد أخرى من جميع أنحاء أوروبا مؤخرا دراسة تهدف إلى التحقيق في الآليات العصبية التي يتم من خلالها دمج هذه الخلايا العصبية المهمة ضمن هذه الشبكات المعقدة أثناء الطفولة.
ونشر الباحثون نتائج دراستهم الجديدة في ورقة بحثية في مجلة "Nature Neuroscience" العلمية، والتي كشفت عن "مسار عصبي غير معروف سابقا يمكن من خلاله لدماغ البشر والثدييات الأخرى التحكم في عملية النضج الجنسي".
في دراسة سابقة، استخدم الباحث فنسنت بريفوت وزملاؤه، أحدث الأساليب المعدلة وراثيًا للتحقيق في عمليات الاتصال التي تحدث بين الخلايا النجمية والخلايا العصبية "GnRH". أظهرت النتائج التي توصلوا إليها، والتي نُشرت في عام 2003، أن هذه العمليات تلعب دورا مهما في النضج الجنسي لإناث الفئران، لكن الباحثين واجهوا سؤالا واحدا لم يتوصلوا لإجابة له في ذلك الوقت.
"كان السؤال التالي المهم؛ هو تحديد كيفية تكوين الحاشية الدبقية للخلايا العصبية (GnRH) في منطقة ما تحت المهاد أثناء نمو ما بعد الولادة، حيث من المعروف أن الخلايا العصبية تولد أثناء التطور الجنيني، ولكن تم العثور على التكوُّن النجمي (أي ولادة الخلايا النجمية) تحدث في مناطق أخرى من الدماغ خلال الأيام الأخيرة من الحمل وفي الأسابيع الأولى من مرحلة ما بعد الولادة".
استخدم الباحثون مركب "BrdU"، وهو نظير للثيميدين يتم دمجه في الحمض النووي للخلايا المولودة حديثا عندما تنسخ الخلية الأم مادتها الجينية لنقلها إلى خلايا حديثة الولادة. وعندما حقن الباحثون هذا المركب بصغار الفئران، وجدوا أن الخلايا النجمية تكونت في منطقة ما تحت المهاد (أي منطقة الدماغ التي تنتج الهرمونات) خلال الأسبوعين الأولين من حياة صغار الفئران حديثي الولادة.
ولاحظ الباحثون أن الخلايا النجمية المتشكلة حديثا كانت مرتبطة بشكل تفضيلي بالخلايا العصبية "GnRH"، ووجدوا أيضا أن الخلايا العصبية "GnRH" تبدو وكأنها تجذب الخلايا النجمية المولودة حديثا في المناطق المجاورة لها.
تفاجأ بريفوت وفريق العلماء عندما اكتشفوا أن الخلايا النجمية التي ولدت في بداية الأسبوع الثاني من حياة صغار الفئران هي التي رافقت الخلايا العصبية لـ "GnRH" إلى مرحلة البلوغ عن طريق الارتباط بها شكليا، وحاول العلماء التأكد من دقة النتائج.
"بفضل التعاون مع علماء الأدوية، صممنا جزيئات دقيقة يمكن غرسها في منطقة ما تحت المهاد لدى الفئران الصغيرة وإطلاق الأدوية المضادة للمضادات الحيوية لمدة أسبوع واحد فقط".
يمكن للجسيمات الدقيقة (التي منحت في التجربة) التي صممها بريفوت وزملاؤه أن تمنع تكوين خلايا نجمية جديدة بالقرب من الخلايا العصبية لمهرمون "GnRH". لذلك، من خلال منحها لصغار الفئران، يمكنهم تقييم تأثير إنتاج الخلايا النجمية أثناء مرحلة الطفولة على النضج الجنسي، بحسب المقال المنشور في مجلة "Medical Xpress" العلمية.
وأسفرت نتائج هذه التجارب عن نتائج مثيرة للاهتمام للغاية، حيث وجد الفريق أن إعطاء الجسيمات الدقيقة له عواقب وخيمة على الخصوبة والنضج الجنسي لإناث الفئران.
خلال اختباراتهم اللاحقة، وجد الباحثون أن معالجة جراء الإناث بجرعات منخفضة جدا من (bisphenol A) (أي مركب عضوي اصطناعي يستخدم غالبًا لتصنيع البوليمرات) يؤثر على قدرة الخلايا العصبية من فئة "GnRH" على تجنيد الخلايا النجمية، وإعادة إنتاج الجينات بشكل طبيعي. وتؤثر أيضا على آثار الأدوية المضادة للمضادات الحيوية، وهي منتجات تُستخدم لعلاج السرطان الذي يمنع نمو الورم عن طريق قتل الخلايا التي تدخل في الانقسام (أي الانقسام الخيطي).
واستخدم الباحثون بعد ذلك مناهج متطورة لتحديد الطريقة التي يمكن للخلايا العصبية "GnRH" من خلالها أن تتواصل مع الخلايا الوليدة ولماذا كانت المرافقة الدبقية مهمة للخلايا العصبية "GnRH، وأكد الباحثون أن تحديد هذه المرحلة يعد مفتاحا لمعرفة أسلوب دمج الخلايا العصبية "GnRH" في الشبكة العصبية التي يستخدمونها لتكييف الوظيفة الإنجابية المهمة لتوازن الجسم.