القوانين العربية.. نصوص معطلة وأخرى مظلومة وثالثة لم يحن موعد قطافها بعد

مِمَّا لا شكَّ فيه أن المجتمعات المختلفة في شتَّى أنحاء العالم تُقاس درجة تطورها وتقدمها بمجموعة من المقاييس والمعايير، تحتل فيها جودة التشريعات وقربها من العدالة الاجتماعية وحمايتها لمختلف المكونات مكانا متقدما.
Sputnik
وإذا عدنا إلى المدارس التقليدية القانونية الأساسية، نجدها تنقسم إلى قسمين رئيسين وثالث متفرد ذي خصوصية ومُختَلَفٍ عليه.
التقسيم التقليدي إلى مدرستين أساسيتين، هما اللاتينية (الرومانية-الجرمانية) والأنكلوساكسونية، لم يمنع من إلحاقهما- عند البعض- بمدرسة ثالثة متفردة وهي مدرسة القانون الإلهي، وهنا نتكلم بالدرجة الأولى عن مدرسة القانون الإسلامي كمدرسة مستقلة عن الأُخريين.
وحقيقة أن مجتمعاتنا العربية في أعميتها الغالبة تتكون من مواطنين يدينون بالإسلام، لا تعني أن الدول العربية تبنت كلها هذا التشريع وطبقته كما جاء في مصادره الأساسية من قرآن وسنة وإجماع، أو بالأحرى من مصادره الفقهية (كتب علماء المذاهب الأربعة المشهورة، والمذهب الخامس- الجعفري).
التكنولوجيا والقانون... سلاحا البشرية في حربها الجديدة
اعتمدت معظم الدول في تشريعاتها على النصوص المكتوبة بعد أن سنت دساتيرها (وهي القوانين الأسمى) فأصدرت قوانين مختلفة، والتي وإن كانت مأخوذة عن مصادر أجنبية كالقانون الفرنسي أحيانا أو البريطاني في أحيان أخرى أو حتى عن الشريعة الإسلامية أو غيرها، أو مزيجا من الأحكام المأخوذة من عدة مصادر والمصاغة بطريقة تتوافق مع حاجة المجتمع العربي، إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة أنها أصبحت وطنية تطبق بقوة الدولة وتمثل أحد أوجه سيادتها تجاه الشعب وتجاه غيرها من الدول.
ومع ذلك نجد في أغلب دولنا العربية قوانين مأخوذة بالكامل، أو بالأعم الغالب، من مصدرها الأساسي الديني، ألا وهي قوانين الأحوال الشخصية التي تطبق في بعض الدول على جميع المواطنين، وفي بعضها الآخر تستهدف فئة من المواطنين يتبعون ديانة محددة، أو طائفة بعينها.
إذا حاولنا أن ننظر إلى القوانين العربية (جميعها وبغض النظر عن مصدرها) ونجيب على سؤال مفاده أيها أقرب للعدالة وأيها تلبي حاجات المواطنين وتتطلعاتهم وتحمي حقوقهم ومصالحهم وتبين واجباتهم والتزاماتهم، لا بد أولا أن ننطلق من حقيقة واضحة وأكيدة ألا وهي أن النصوص التشريعية والقوانين بالمجمل في عالمنا العربي وفي غيره لا يمكن أن تُفصل عن نظام الحكم والسلطة السياسية، ومن هنا نفهم لماذا نجد في عدد كبير من الدول قوانين وأحيانا مواد دستورية لها أكثر من تفسير وتأويل وغامضة ومبهمة في نفس الوقت، بحيث يصبح تفسيرها مطاطا مختلفا عليه بين أساتذة القانون وفقهائه، ويجعلها تخدم أولا وأخيرا فئة قليلة مستفيدة.
الأحوال الشخصية لغير المسلمين.. ما الفوائد التي ستعود على الإمارات من إصدار أول قانون مدني؟ 
في نفس الوقت يجب ألا ننسى حقيقة مهمة وواقعا موجودا ألا وهو أن مجتمعاتنا العربية ورغم كل المحاولات والخطوات والسعي للإصلاح وتغيير العقلية وتطوير التفكير فيها، لا تزال إلى يومنا هذا وبنسبة كبيرة جدا من أفرادها تنظر إلى الكثير من الأمور والعلاقات الاجتماعية والأسرية وأحيانا الاقتصادية والثقافية، بنظرة لا تخلو من التمسك ببعض القواعد الدينية، ونجد البعض يستخدم الأحكام الدينية والفقهية، (ونحن هنا لا نناقشها ولا نتبنى فكرة تركها)، يستخدمها لتمرير قواعد قانونية أو عادات وأعراف يجب ألا تكون سائدة في مجتمعاتنا.
على المقلب الآخر نجد الكثير من الجمعيات والناشطين يهاجمون بعض النصوص المأخوذة من مصدر ديني ويدعون إلى قوانين مدنية بالكامل تطبق على الجميع بغض النظر عن دين الشخص أو طائفته، ويتهمون هذه القوانين بتهميش المرأة- وهذا غير صحيح بالمطلق- وتحجيم دورها والمغالاة في الدفاع عن الرجل، بل وتوصف من قبلهم بالقوانين الذكورية.
الحقيقة لا يمكن لأحد أن يختصرها لنفسه ولا أن يعتبرها حكرا عليه دون غيره، والواقع والتطبيق يثبتان أن الموضوع أبعد من ذلك بكثير، وليس مجرد دعوة للانتقال إلى نصوص جديدة، وليس من البساطة بمكان بحيث يسهل بين يوم وضحاه ترك هذا الإرث الكبير وركن قديم النصوص ونسفه كليا، الأمر بحاجة إلى عدة عوامل لا نعتقد أنها نضجت بمجملها بعد.
"الصحيح أننا قبل أن ندعو إلى تغيير نصوص وتعديل أخرى لا بد لنا من تقييمها بشكل سليم يسمح لنا بالإبقاء على الجيد منها وتعديل ما أمكن منها دون الإضرار أو المس بشريحة كبيرة من أفراد المجتمع".
إيهاب عبيد
محام وباحث قانوني
ولتقييم النصوص القانونية بشكل علمي دقيق وحيادي، لا بد من العمل على توفير متطلبات هذا التقييم، فكيف أقيم قانونا أو موادَّ محددة منه إذا كانت التعليمات التنفيذية أحيانا والاجتهادات القضائية في أحيان أخرى والتطبيق العملي في أكثر الأحيان تعطل النص كليا ولا تسمح بتجربته على شريحة واسعة من الناس.
وكيف ننتقل إلى نصوص مدنية كاملة متكاملة دون أن نعمل على توعية النَشْءِ بما حوله وتوجيهه ورعايته وإفهام فئة الشباب وتعليمها وتنبيهها إلى ما يجري حولها في عالمنا المتسارع من تحديات وتطورات، بشكل يجعلها تحول اهتماماتها قبل كل شيء إلى العلم والعمل والتشاركية واحترام الآخر، بدلا من أن يكون اهتمام شريحة كبيرة منها محصورا بمشاهدة مباريات كرة القدم بإدمان غريب طيلة أيام الأسبوع، وتدخين الشيشة ولعب الورق وطاولة الزهر وألعاب الكمبيوتر العنيفة والجلوس أمام "تيك توك" و"إنستغرام" وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي بسبب وبلا سبب، وبعد ذلك كله انتظار عمل يهبط من السماء أو مال يسقط من كوكب آخر دون بذل جهد أو تعب وكفاح.
مصر... بدء تطبيق قانون فصل الموظف المتعاطي للمخدرات
بالطبع، إن هذا الواقع الذي وصلت إليه شريحة لا بأس بها، له أسبابه ومسبباته التي يضيق النص عن شرحها، ولكنه لا يلغي حقيقة مهمة لا بل غاية في الأهمية ألا وهي أن الشباب العربي لا يزال فيه الكثيرون من الراغبين بالعلم والعمل المحترمين لذواتهم وضمائرهم الساعين يدا بيد إلى غد أفضلَ ومستقبل زاهر للأمة العربية.
هؤلاء هم الأمل وعليهم تعقد الآمال كلها والطموحات، ومعهم نسعى وبهم نكبر ومنهم نتعلم ونطلب أن يستمروا على نهج المحاولة والسعي والعمل الدؤوب وألا ييأسوا وأن يتحدوا معا ويوحدوا جهودهم كُلُّ في مجال عمله، سواء داخل عالمنا العربي أو في المغترب، ليقدموا صورة تجعل منهم مثالا وقدوة يُحتذى بِها، وينيروا الدرب ويشجعوا من بعدهم على الالتحاق بالركب ومتابعة المسيرة.
عسى أن يدفع ذلك كله أصحاب القرار في بلداننا إلى اتخاذ الخطوات المناسبة للاستفادة من طاقاتهم ومن ثمَّ الوصول إلى مجتمعاتٍ مليئة بالشباب الطموح العامل المتعلم، ومن بعدُ يمكن حينها للقوانين أن تطبق دونما أي مشكلة تعيقها أو تعيق ضرورة تطويرها وتعديلها، وتصبح فكرة الانتقال إلى القوانين المدنية الشاملة للجميع أكثر قبولا وقابلية للنقاش، مع الحفاظ على بعض الأحكام والنصوص والقواعد القانونية القديمة التي يثبت تقييمها أنها لا تزال تخدم فكرة العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع أفراد المجتمع.
المقال يعبر عن رأي كاتبه
الرئيس التونسي: التشريعات التي تم وضعها من قبل المجلس النيابي ليست شرعية ولا مشروعة
مناقشة