يرى مراقبون أن مشكلة النازحين لا تكمن فقط في إغلاق المخيمات، بل العقبات تأتي بعد الإغلاق والتي تتعلق بالناحية الاجتماعية والاقتصادية والمالية والخدمات والتأهيل، علاوة على الناحية الأمنية وعمليات التغيير الديموغرافي والابتزاز السياسي وملف التعويضات، فإذا حققت الحكومة تقدما في تلك الملفات حينها يمكن الحديث عن بداية لحل أزمة النزوح التي تحتاج سنوات من المعالجة.
وأكدت عضو اللجنة العليا في الميثاق الوطني العراقي، الدكتورة فاطمة العاني، على أزمة النازحين لم ولن تنتهي لعدة أسباب، أهمها هو أن، إغلاق المخيمات هو حالة من الإعادة القسرية للنازحين، وذلك لأن مناطقهم لا تزال تعاني من الدمار، ولا توجد منازل صالحة للسكن وبعض النازحين يسكنون في خيم أمام منازلهم المدمرة، ولا تزال المناطق تفتقر إلى الخدمات الأساسية، والأمن والأمان.
الخطر قائم
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، إلى الآن لم يتم تنظيف ورفع الأنقاض، وحتى الجثث والألغام والقنابل لم يتم رفعها، فقد اعترفت الأمم المتحدة أن ما يقرب من 3000 متر مربع من الأراضي غير آمنة بسبب وجود الألغام والقنابل، وإلى الآن يتم الإعلان عن العثور عن الجثث والهياكل بين الأنقاض في مدينة الموصل.
وتابعت العاني، الخطر لا يزال إلى الآن شديد على حياة النازحين في حال عودتهم إلى مناطقهم، لأن المناطق التي دمرتها العمليات العسكرية لم يتم اعمارها واعادة الخدمات الأساسية لها إلى الآن، على الرغم من الوعود المتكررة قبل وبعد انتهاء الحرب على تنظيم الدولة والمؤتمرات الدولية للدول المانحة، ومن الناحية الاقتصادية، فإن النازحين يعانون من الفقر الشديد فليس لديهم فرص عمل، ولم تعمل الدولة على توفير إعانات اجتماعية تساعدهم على تجاوز الأزمة أو مبالغ مالية تساعدهم على البدء بأعمال توفر لهم مصدر رزق.
الابتزاز الأمني
وأشارت عضو اللجنة العليا في الميثاق الوطني، إلى أن هناك عدد من الأسباب المهمة التي تزيد أوضاع النازحين سوء، وهى سيطرة المليشيات على مناطق النازحين بذريعة القضاء على الإرهاب، حيث تقوم المليشيات بمداهمات واعتقالات ضد النازحين بحجة البحث عن مطلوبين، مما يجعل هذه الفئات عرضة للاستغلال وانتهاك حقوقهم، من خلال التمييز والأجور، أما المرضى وكبار السن فلا توجد هناك أي رعاية صحية أو غيرها تقوم الحكومة بتقديمها لهم.
وأشارت العاني إلى أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في أن الكثير من النازحين وخاصة الأطفال لا توجد لديهم أوراق ثبوتية"رسمية"، وخاصة الأطفال الذين يشتبه بأن آبائهم كانت لهم صلة بتنظيم الدولة الإرهابي، وبالتالي فإن هؤلاء الأطفال محرومين من التسجيل في المدارس والحصول على الخدمات الأساسية مما يجعلهم عرضة للعنف والاستغلال.
أزمات متداخلة
من جانبه يقول المحلل السياسي العراقي، رعد هاشم، إن من يتصور أن أزمة النازحين مرهونة بمخيمات هنا أو هناك فهو واهم، لأن أزمة النزوح هى أزمة كبيرة وعميقة، والحل الجذري لها يتطلب خطوات ومهام كثيرة واقعية وعملية وتعويضية على الأرض، بها الكثير من الالتزامات الحكومية الواجب تطبيقها، فالأمر ليس كما يفهم الآن بأن غلق مخيم ماهو نهاية الأزمة، ففي الحقيقة أن إغلاق مخيم هو عملية انفتاح على أزمات أخرى متداخلة "أخلاقية- اجتماعية- مالية - اقتصادية".
وأشار في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن النازح يعاني من الكثير من النواقص التي قد تعجز الحكومة المركزية عن تحقيقها، ولك أن تتصور الآن أن الآلاف من النازحين بعوائلهم يركنون إلى بيوت أغلبها مؤجر، لأن منازلهم قد تضررت كثيرا بعضها تم تخريبه والبعض الآخر غير مهيأ للعيش بعد أن خربتها عناصر ميليشياوية ولصوص وتم سرقة محتوياتها، لذا فمن الصعب الآن تعويضهم، لأن عملية التعويض مرتبطة بالميزانية والميزانية الحالية وضعت مبالغ ضئيلة للتعويضات وتم استغلال ذلك انتخابيا وسياسيا، فتجد أن سياسي يحاول تسويق نفسه عن طريق دفع التعويضات لمنطقته على حساب منطقة أخرى، الأمر الذي يعني أن تلك المشكلة دخلت فيها الوساطة والمحسوبية والرشاوى، علاوة على أن مبالغ التعويضات ضعيفة جدا وخضعت للكثير من المساومات.
إعادة التأهيل
وأضاف هاشم، بجانب العوائق السابقة التي تعوق الحل الجذري لمشكلة النازحين، هناك عقبة أخرى أما هؤلاء، هى مشكلة الفرز الأمني، والذي جعل هؤلاء عرضة للابتزاز من قبل الأجهزة الأمنية و مساومتهم تجاه مواقفهم الأمنية خلال فترة احتلال تنظيم داعش "المحظور في روسيا"، هذه الأزمات تولد ضغينة وجانب نفسي متأزم ربما يترك ورائه أزمات أمنية، ولا ننسى الأمر الأهم وهو عملية إعادة تأهيلهم، فهناك نازحين لم يتأثروا بالمد الداعشى، وآخرين ربما تأثروا بحكم أجواء تلك المخيمات، هذه الأمور تحتاج إلى غربلة وإعادة تأهيل وهو ما لا تهتم به الأجهزة الأمنية ولا حتى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
وطالب المحلل السياسي الحكومة المركزية في بغداد بضرورة تشكيل خلية عمل كبيرة تتفرع منها خلايا صغيرة في بقية المحافظات من أجل الوقوف على حاجات النازحين وحل الأزمات المتداخلة التي تعترضهم وأن تكون تلك الحلول واقعية وجذرية سليمة، مع ضرورة التركيز على عمليات إعادة التأهيل النفسي لهم وبشكل خاص الأطفال، هذه الأمور يجب أن تحل بشكل انسيابي شفاف، كما أنه في حالة توفر التعويضات، فإن تلك الخطوة سوف توفر وتسهل حل الأزمات الناتجة عن عمليات النزوح، وبالتالي يمكن أن ينعكس ذلك على المخيمات الموجودة في كردستان سواء كانت تتبع حكومة الإقليم أو الحكومة المركزية عمليا، نظرا لأن الحالة والظروف واحدة، على أن يتم إبعادهم عن السياسة ولا يتم استخدامهم كورقة ضغط يتم اللعب بها.
أعلنت وزيرة الهجرة العراقية إيفان فائق، الأسبوع الماضي، موعد إغلاق آخر مخيم للنازحين في مدينة الموصل بمحافظة نينوى شمالي البلاد.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية (واع) عن فائق، أن شهر ديسمبر/ كانون أول الحالي سيشهد إغلاق مخيم الجدعة.
وأشارت إلى أن الجدعة هو آخر مخيم للنزوح في الموصل التي تعرضت لتدمير بشكل كبير إثر سيطرة تنظيم "داعش" (المحظور في روسيا) عليها قبل تحريرها في العام 2017.
وأوضحت الوزيرة أن وزارتها أغلقت كافة مخيمات النازحين في المحافظات باستثناء مخيمات إقليم كردستان.
وكان التنظيم الإرهابي قد سيطر على مساحات واسعة من العراق في 2014، وأقامت السلطات عقب دحره نهاية عام 2017، مخيمات لإيواء عائلات كانت تسكن مدنا ومناطق خاضعة لسيطرته.
وذكر مسؤول عراقي مطّلع على الملف طلب عدم الكشف عن هويته، أن "عدد النازحين في مخيم الجدعة يفوق الألف عائلة".
ومنذ سنوات، يعلن العراق نيته إغلاق المخيمات، لكن الحكومة عجلت الخطوات بشكل كبير خلال العام الماضي.
وتشير منظمة الهجرة الدولية، إلى أن نحو نصف سكان هذه المخيمات لم يعد إلى المناطق التي ينحدرون منها، رغم أن السلطات تقول إن حملة الإغلاق هذه تضمن عودة النازحين إلى بيوتهم.